تواصل مصر تدهورها الحاد على كافة الأصعدة والمجالات، بتذيلها الترتيب العالمي في الحريات الشخصية في سنة 2018م؛ حيث احتلت المرتبة الأخيرة “149” عالميًّا، بحسب مؤشر الازدهار الصادر الأسبوع الماضي عن معهد “ليجاتوم” البريطاني. وبتذيلها الترتيب العالمي في الحريات الشخصية هذا العام، تكون مصر قد تراجعت ثلاثة مراكز عن ترتيبها عام 2016، حيث احتلت وقتها المرتبة 146 عالميًّا، لكنها أصبحت الآن أسوأ بلدان العالم على سلم الحريات الشخصية. وبحسب موقع “عربي 21″، يصدر المعهد- الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا له، قائمة سنوية لرصد وقياس مستويات الرخاء والازدهار في 149 دولة حول العالم، يصنفها حسب مؤشر “ليجاتوم للازدهار العالمي”، الذي يتضمن مؤشرات رئيسية، من بينها الفرص الاقتصادية، وكفاءة القطاع المالي، وبيئة الأعمال، والعوائق التي تمنع الابتكار، ومرونة سوق العمل، والحوكمة، والمشاركة السياسية، وسلطة القانون، بالإضافة إلى جودة التعليم، والصحة، والأمن، والحرية الشخصية، والحفاظ على البيئة. تدهور حاد في كل المجالات ووفقًا للمؤشرات الدولية، لم تكن الحرية الشخصية هي فقط التي تراجعت في مصر خلال الأعوام الثلاثة السابقة، بل تراجعت أيضا عدة مجالات، من بينها جودة الصحة في مصر التي جاءت في المرتبة 101 عالميًّا هذا العام، بعد أن كانت في المرتبة 88 عام 2016، ما يعني تدهورها بمعدل 13 مركز دفعة واحدة، على الرغم من الحملات القومية التي تنفذها الحكومة للقضاء على بعض الأمراض المنتشرة في مصر، وعلى رأسها فيروس الكبد الوبائي. كما احتلت مصر المرتبة 121 في الجودة الاقتصادية، والمرتبة 109 في بيئة العمل، والمرتبة 117 في مؤشر الحوكمة، و105 في جودة التعليم، و101 في الصحة، و97 في الأمن والأمان، و121 في المساواة الاقتصادية، و141 في رأس المال الاجتماعي، و84 في جودة البيئة الطبيعية. وكان من اللافت تراجع مصر بشكل عام وحصولها على المركز ال122 على مستوى الدول التي يرصدها المعهد، حيث سبقتها جزر القمر والجزائر وجيبوتي ولبنان. كما أن هذه البيانات ليست جديدة، حيث أكدتها من قبل تقارير دولية أخرى، من بينها تقرير الأممالمتحدة عن السعادة حول العالم، وأظهر وضع مصر في المرتبة 104 من بين 155 دولة لعام 2017. كما أن منظمة “مراسلون بلا حدود” أيضا صنفت مصر في المركز 161 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، ووصفتها المنظمة بأنها تحولت إلى واحدة من أكبر سجون الصحفيين في العالم بعد أن قامت السلطات بحجب نحو 500 موقع إلكتروني منذ مايو 2017. وشهدت الشهور الأخيرة صدور تقارير مشابهة، كشفت تدهور الأوضاع الاجتماعية في مصر تأثرا بالحالة الاقتصادية المتدهورة، من بينها التقرير الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وأظهر تصاعد حالات الانتحار في البلاد بسبب الظروف المعيشية الصعبة، حيث شهد شهر فبراير الماضي وحده 16 حالة انتحار. كما أن مؤشر السعادة العالمي لعام 2018، الذي أصدرته الأممالمتحدة، أظهر زيادة معدلات التعاسة لدى المصريين، بعد أن احتلت مصر المركز 122 من بين 156 دولة شملهم المسح الأممي. الأسباب والدلالات وحول أسباب تردي تصنيفات مصر في مؤشرات عالمية، حتى إنها جاءت في ترتيب أدنى من لبنان والسودان والعراق وحتى من دول تعاني من حروب مثل ليبيا وسوريا واليمن؛ يعزو خبراء أسباب ذلك إلى عدة عوامل: أولا: البيروقراطية الحكومية والفساد المالي وغياب الشفافية وضعف المنافسة العادلة، فكل هذه العوامل أدت إلى تراجع مصر في المؤشرات الاقتصادية، على الرغم من التصريحات الحكومية المتكررة بتحسين المناخ الاقتصادي، لكنها لم تترجم حتى الآن إلى إجراءات حقيقية وملموسة على أرض الواقع. ثانيا: ارتفاع معدل التضخم في مصر منذ نوفمبر 2016، عقب تحرير سعر صرف الجنيه، حيث قفز التضخم إلى 12.2% خلال شهر يناير الماضي، مرتفعا بنسبة 0.8% عن معدله في ديسمبر 2018، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء. فغالبية المصريين يشكون من صعوبات متصاعدة في تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ بسبب الارتفاعات المتتالية في أسعار كافة السلع والخدمات، الأمر الذي دفع بملايين المواطنين إلى شريحة الفقراء. ثالثا: يعزو كثير من الخبراء أسباب ذلك إلى الانقلاب العسكري الذي أجهض الحلم بالديمقراطية في مصر؛ فالتراجع في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية متواصل في مصر منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، الذي تزامن معه قمع الحريات، والتنكيل بالمعارضين، ومنع المواطنين من التعبير عن آرائهم بحرية، كما أن النظام فشل حتى الآن في توظيف عشرات المليارات من المساعدات الخارجية التي تلقاها في السنوات الست الماضية لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، بل أهدر هذه المبالغ الطائلة في شراء الدعم الغربي وإنشاء مشروعات غير ذات جدوى مثل العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات الوهمية. ثالثا: لم تسلم هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» من تشويه أبواق العسكر، حيث اعتبرت الأهرام أنها كانت أكثر نشاطا فى بث التقارير والبرامج التى تهاجم التعديلات الدستورية، ولا تعرض سوى وجهات نظر المعارضين للتعديلات وحدهم دون غيرهم، فقد بثت تقريرا بتاريخ 5 فبراير بعنوان «نواب البرلمان المصرى يصوتون على مد فترة ولاية الرئيس»، تضمن فقرة تقليدية تصر وسائل الإعلام الغربية على «تلقينها» لجمهورها، تقول إن «السيسى يشرف منذ الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية، على ما تصفه المنظمات الحقوقية بحملة قمع غير مسبوقة أدت إلى اعتقال عشرات الآلاف من الأفراد». وتشيد الأهرام بالتقرير الذي نشرته الهيئة البريطانية بتاريخ 6 فبراير ونقلت فيه انتقادات وجهتها صحف عربية ذات توجهات معروفة لهذه التعديلات الدستورية، ثم نقلت دفاع صحف مصرية عن التعديلات، مؤكدة حاجة البلاد إليها لدعم الاستقرار الأمنى والسياسى بها. ووفقا للأهرام، فإن أغرب التقارير ما بثته بتاريخ 7 فبراير بعنوان «لماذا أثار مطلب إجراء تعديلات دستورية جدلا فى مصر»، إذ نقلت البى بى سى من خلاله استنكار معارض مصرى للتعديلات المقترحة بدعوى «تعارضها مع الديمقراطية»، وتدافع الصحيفة الحكومية عن هذه التعديلات المشبوهة وترى أنها الديمقراطية بعينها!. وتنتهي الأهرام في تقريرها، إلى طرح سؤال حول مدى فشل ما أسمتها بمحاولات الإعلام الأجنبى فرض «وصايته» على المصريين، مثلما فشلت جميع محاولاته على مدى سنوات فى تقويض أركان الدولة المصرية وتشويه صورتها أمام العالم!. إدارة أمنية لا سياسية من جانبه، انتقد الباحث في الشئون السياسية أحمد الشافعي، إصرار النظام على هذه التعديلات، مؤكدا أن ملف التعديلات يتم إدارته بطريقة أمنية وليست سياسية، بينما كان يمكن للنظام السياسي أن يجعل من القضية محل نقاش مفتوح، في ظل أن القاعدة الشعبية لن تصوت في النهاية ضد التعديلات أيا كانت، وفق تاريخ الاستفتاءات المصرية. ويضيف الشافعي، في تصريحات صحيفة، أن حرص نظام الانقلاب العسكري برئاسة السيسي على إدارة الملف بشكل أمني يبرهن على عدم ثقته في دعم الشعب لمواقفه، أو قناعته بما يطرحونه من أفكار، ورغم أن طريقهم نحو إقرار التعديلات محدد سلفا، والنتيجة شبه محسومة، إلا أنهم لا يريدون الدخول في مطبات سياسية وجماهيرية، رغم استبعاد تحقيق ذلك. ويلفت الشافعي النظر إلى أن نظام السيسي لا يريد أن يمنح القوى والأحزاب السياسية المناوئة له أي فرصة للتواجد السياسي والجماهيري، وهو بذلك لا يريد تكرار تجربة التعديلات الدستورية في 2007/ 2008، حيث استغلتها المعارضة وقتها، وخاصة الإخوان المسلمين، بشكل مميز في توحيد جبهة كل القوى المعارضة لمبارك، وكان من نتائجها تشكيل الجمعية الوطنية للتغيير برئاسة محمد البرادعي، ثم ثورة 25 يناير 2011 بعد ذلك.