ساد الصمت أرجاء "برقاش" بعد أن اكتشف صاحب القصر كذب اتهاماته للإخوان بحرقها وسرقة محتوياتها. ولم يعد فيلسوف النكسة وكل نكسة ينطق بكلمة عن الحدث بعد أن ثبت أن محترفى إجرام وراء الحدث وليس الإخوان المسلمون. وكان ينبغى على أستاذ الصحافة وكاهن المهنة الذى لا يباريه أحد فى صنعتها أن يحترم أبسط قواعد المهنة فى الدقة والتحرى والمصداقية قبل كتابة الخبر أو النطق بمحتواه على الهواء مباشرة، لكنه احتقر كل ذلك واندفع على الهواء مباشرة متهما الإخوان بحرق مزرعته قائلا عبر واحدة من نوافذ إعلام العار التى تحتفى به: "إن تعليمات الهجوم على المزرعة ونهب المكتبة صدرت من رابعة"، يقصد المعتصمين فى رابعة العدوية ليصب الزيت على نار المحرقة التى جرت على أرض رابعة، وليشارك فى الزفة الكبيرة الكاذبة المنافقة التى يقوم بها الإعلام الموتور لشيطنة "رابعة" و"الإخوان" وكل معارضى الانقلاب، وتبرير حصدهم بالرصاص ثم حرقهم وجرفهم إلى أكوام القمامة! لم يتمعر وجه محمد حسنين هيكل لما جرى على أرض "رابعة" وأخواتها فى ميادين مصر من محارق يندى لها جبين الإنسانية، وإنما أقام مناحة على حريق مزرعته وقصره فى "برقاش" التى اعتبرها نهاية العالم ودنياه وعالمه وما بعدها الفناء. وهو حر فى مشاعره فمن حقه ارتباطه بالمكان الذى عاش فيه معظم ذكرياته، لكن هل يعقل أن يكون للمرء قلبان، قلب يفرح لحرق البشر هنا، وآخر ينفطر حزنا على حريق أشجار وحجارة وكتب؟! المفروض أن الجريمة واحدة لا تتجزأ، والمفترض أن المرء يحمل قلبا واحدا، لكن لله فى خلقه شئون!. لم يكفِ هيكل مشاركته فى هندسة الانقلاب والتخطيط له ليوقع مصر فى ورطة، الله وحده أعلم كيف ستخرج منها، ولم يكفه صمته غير الأخلاقى على ما جرى من المجازر بحق المعتصمين السلميين فى رابعة والنهضة وغيرها، بل لم يفوت فرصة حرق مزرعته ليحمل الإخوان فاتورتها. يا لكم من كذبة قساة قلوب تكرهون الإنسانية ولا تعرفون شيئا عن الرحمة والعدل وتكرهون من ينحاز للمشروع الإسلامى كما تكرهون الموت. لم يأبه "الأستاذ" بما أعلن من قبل السلطات بأن مجرمين محترفين وراء الجريمة، وبالتالى فالإخوان منها براء، وما حركه ودفعه للكلام مقال الأستاذ فهمى هويدى عن الواقعة، فكان رده الملىء بالكبر والغرور، مع استمرار بكائه على أطلال قصره بالقول موجها كلامه لفهمى هويدى: ".. وظنى أنك عندما تطل على الموقع، سوف ترى أن هناك شيطانا ما لعب دورا ما فيما جرى.." هكذا اتهم الرجل الكبير فى العقل والقيمة والسن "الشيطان" ليضع القارئ فى حالة من البلبلة لأن هيكل لم يحدد من هو ذلك الشيطان عنده! وسيظل مفهوم "الشيطان" الذى أطلقه هيكل كمفهوم "الإرهاب" الذى أطلقته أمريكا ولم تحدد معناه ولا معالمه لتعطى لنفسها الحق فى ضرب واحتلال أية بقعة وقتل أى إنسان بزعم محاربة "الإرهاب"، وهكذا أطلق مهندس الانقلاب اتهامه على "الشيطان" ليحتفظ بحق إشارته بإصبعه فى أى وقت أو مناسبة يشاء على من يشاء! لقد كتب البعض مبتهجا: هيكل اعتذر للإخوان عن اتهامهم بحرق مزرعته، وفى تفاصيل الخبر قرأت أن الاعتذار جاء ضمنيا خلال رده على هويدى باتهام "الشيطان" وذلك فى رأيى تحميل للنص أكثر ما يحتمل، وهو جرى وراء سراب من هيكل، وما كان ينبغى التوقف عند رسالته لهويدى، فهى رسالة صداقة كل ما يعنيه فيها توضيح الصورة لفهمى هويدى وإلا لو كان غير هويدى كتب ما أعاره هيكل اهتماما، بناء على قاعدة الكبر والمكابرة والنفخة الكدابة! أنا لا يعنينى مواقف هيكل السياسية فهو حر فيها تماما، ولكن ما يعنينى أن رجلا بلغ من الكبر ما بلغ وحاز من الشهرة ما حاز واستحوذ على نفوذ معنوى وسياسى لدى طبقات حاكمة وطبقات مثقفة بفضل أستاذيته فى الصحافة، ثم يدوس بهذا الشكل على أبسط مبادئ المهنة، والأنكى أنه تجرد من المشاعر والقيم الإنسانية تجاه ما جرى من مجازر بل ووجه الاتهام الظالم الكاذب ل"رابعة" الشهيدة وهى غارقة فى دمائها!