الدعوة التي أطلقها، اليوم الإثنين، الدكتور محمد البرادعي، نائب المؤقت عدلي منصور الذي استقال من منصبه احتجاجًا على مذبحة رابعة العدوية، للقوى السياسية في مصر، والتي تضمنت نبذ الخلافات وتوحيد الصف للاتفاق حول سبل مواجهة إصرار نظام العسكر على “ترقيع الدستور” بإجراء تعديلات تفضي إلى بقاء زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي في الحكم مدى الحياة، تحمل عددًا من الرسائل والدلالات التي يتعين الوقوف أمامها بالقراءة لفهم أبعادها ومغزاها. وتهدف التعديلات الدستورية إلى استمرار السيسي في منصبه لمدة 12 سنة أخرى، بعد انتهاء ولايته الثانية في 2022، واستحداث مجلس أعلى لجميع الجهات والهيئات القضائية برئاسته، ومنحه صلاحية تعيين رئيس المحكمة الدستورية، ونائبه، واختيار النائب العام من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، فضلا عن اشتراط موافقة الجيش على تسمية رئيس الجمهورية لوزير الدفاع، وحمايته ل”مدنية الدولة” بما يعني تكريس وصاية الجيش على مفاصل البلاد السياسة والاقتصادية. «4» دلالات الدلالة الأولى: هي تأكيد عمق المأزق الذي تمر به مصر على كافة المستويات، فالنظام في ورطة ومأزق سياسي واقتصادي وأمني واجتماعي، ويسعى لتمرير الدستور بالطرق الأمنية المعروفة التي تؤكد أن مصر خرجت من دائرة البلاد التي تحكم بالقانون بعد أن تم الانقلاب على الدستور والقانون والديمقراطية بانقلاب 03 يوليو 2013م. كما أن القوى الرافضة للانقلاب كذلك في ورطة تتعلق بعدم وجود رؤية أو تصور واضح لكيفية التصدي لهذا النظام الدموي والإطاحة به، كذلك تأتي تغريدة البرادعي لتكشف عن عمق المأزق الذي يعاني منه أيضا الفريق الثالث الذي راهن على 30 يونيو، وحرّض العسكر على الانقلاب، ثم اكتشف الخديعة الكبرى، وهو الفريق الذي يقوده البرادعي وصباحي والقوى العلمانية، وهو ما عبرت عنه تغريدة البرادعي، اليوم، حيث كتب البرادعي، في تغريدة عبر تويتر: «رغم أنه لا يمكن الوقوف أمام الإرادة الشعبية، إلا أن المأزق هو كيفية التغلب على محاولات تغييبها، وكيفية التعبير عنها فى مناخ الترهيب وغلق المجال العام». الدلالة الثانية: هي تأكيد الدكتور البرادعي ضرورة نبذ الخلافات وتوحيد الصف أمام محاولات تعديل الدستور، حيث أضاف «البداية هى العقلانية ونبذ الخلافات وتوحيد الصف فى محاولة تعديل الدستور، مثلا عبر الاتفاق على المشاركة بكثافة أو المقاطعة التامة في الاستفتاء المحتمل حول تلك الخطوة». وهي بالطبع رسالة غامضة فهي موجهة لفريق العلمانيين؛ ذلك أن الإسلاميين بكل توجهاتهم باستثناء حزب النور القابع في أحضان الأجهزة الأمنية ليل نهار، لا يؤمنون أصلا بشرعية النظام ولا شرعية الإجراءات التي جاءت به أو تلك التي يقوم بها. لكن دعوة البرادعي لنبذ الخلافات ربما تشمل الإسلاميين؛ ذلك أن فريق العلمانيين الذين مثلوا غطاء مدنيا للانقلاب ليس بينهم خلافات كبرى فهم لا مشكلة لديهم في شرعية النظام بقدر ما ينتقدون ممارساته الاستبدادية، وإن كان تمرير هذه التعديلات سيجعل هؤلاء أقرب إلى الإيمان بعدم مشروعية النظام لانقلابه على دستور “2014”، وهو ما يقارب تصورات الإسلاميين حيال نظام الحكم الذي انقلب على دستور 2012 والرئيس المنتخب، وعصف بالمسار الديمقراطي كله بقوة السلاح. لكن يبقى التساؤل الأكثر منطقية: «وهل يثق البرادعي في نتائج أي إجراء تشرف عليه السلطة وأجهزة السيسي الأمنية؟! الإجابة عن هذا التساؤل ربما تلغي تفكير البرادعي وما يسمى بالتيار الثالث في الرهان على المشاركة، ليبقى رهان المقاطعة هو الوحيد القائم في ظل انعدام ثقة الشعب في أي إجراء من جانب سلطة 30 يونيو. الدلالة الثالثة: هي تأكيد عمق الأزمة المصرية والتسويق عالميا لهذه الورطة لما يتمتع به البرادعي من حضور دولي ومكانة عالية لدى قطاعات واسعة، إما داخل الحكومات الغربية وصناع القرار أو لدى المؤسسات الإعلامية والدولية باعتباره خبيرًا سابقًا في الأمم المحدة وحائزا على جائزة نوبل. وهو ما يرسم صورة سلبية للأوضاع في مصر، وإن كانت أقل بكثير من الواقع الأكثر تدهورًا وانهيارًا على وقع قمع السلطة واستبدادها. وتأكيد أن مصر باتت دولة خارج القانون، حيث انتقد البرادعي، في وقت سابق اليوم الإثنين، المساس بالقانون في مصر، متسائلا: «لماذا الإصرار على التمسك بأهداب دولة القانون التي واريناها التراب؟” قبل أن يجيب “نضحك على أنفسنا والكل يضحك علينا”. الدلالة الرابعة: تأكيد الانفصال التام بين النظام القائم وبين مسار ثورة 25 يناير، حيث انتقد البرادعي، أمس الأحد، مساعي تعديل الدستور، وقال عبر تويتر: «إن المصريين ثاروا ضد نظام أنا ربكم الأعلى (في إشارة إلى نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أطاحته به ثورة 25 يناير 2011) الذي يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات تناقض أي نظام ديمقراطي ويبقى في الحكم إلى أبد الآبدين»، مضيفا: «تعديل الدستور في هذا الاتجاه إهانة لشعب قام بثورة لينتزع حريته وعودة سافرة إلى ما قبل يناير». وتابع «لا نتعلم أبدا وفي كل مرة ندفع ثمنا باهظا يُرجعنا للوراء». وأعلن مجلس نواب العسكر، مساء الأحد، عن بنود تعديلات مقترحة لتعديل الدستور تقدم بها ائتلاف دعم مصر، (317 نائبًا من أصل 596)، تشمل المقترحات تعديل المادة 140 من الدستور، بحيث تنص على انتخاب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات (بدلا من 4 سنوات وفق النص الحالي) تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين. كما شملت مادة انتقالية تنص على أنه يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور؛ بما يسمح للسيسي بالترشح فترتين أخريين مدة كل منها “6” سنوات ليبقى حاكما حتى “2034م”!. يأتي ذلك فيما انطلقت، الأحد، حملة إلكترونية تحت هاشتاغ (وسم) لا_لتعديل_ الدستور. ومنذ صباح الإثنين وحتى الساعة 11:10 ت.غ، نُشرت 500 تغريدة عبر هذا الهاشتاغ حصدت 7 ملايين و500 ألف مشاهدة، في تويتر فقط، واحتلت بذلك المركز الأول لترتيب الوسوم في البلاد. وحسب الدستور، تلزم موافقة خُمس أعضاء مجلس النواب (120 عضوا من 596) على مقترحات تعديله، قبل مناقشتها والتصويت عليها. ويجب موافقة ثلثي الأعضاء ثم موافقة الأغلبية في استفتاء شعبي لكي تصبح هذه التعديلات نافذة. وينص الدستور على أنه لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات.