الماء العكر قبيح عند البعض لكنه فرصة ذهبية لا تفوت لدى آخرين، وللصيد في الماء العكر فوائد، أن طرفا ما يكون مأزوما وليست لديه فرصة للرفض، ونقلت صحيفة سودانية عن قيادي في حزب المؤتمر الحاكم قوله إن دولة عرضت على بلاده مساعدتها في الأزمة الواقعة حاليا، “مقابل قطع العلاقات مع قطر وتركيا وإيران”. وبمجرد أن أعلن الرئيس السوداني، عمر البشير قبول عرضٍ من نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، لترميم جزيرة سواكن السودانية المطلة على البحر الأحمر، ووضعها تحت السيادة التركية مدة غير معينة، حتى فزعت دولٌ في المنطقة من ذلك وسارعت بالتحذير من تداعيات تلك الخطوة. وأشارت صحيفة “السودان اليوم” إلى أن القيادي محمد مصطفى الضو، نائب رئيس القطاع السياسي في الحزب الحاكم، قال إن الدولة، التي لم يكشف اسمها، عرضت تقديم “الوقود والدقيق للسودان، مقابل قطع العلاقات مع قطر وتركيا والإخوان المسلمين وإيران”، وبات السؤال هل يعود السودان للحضن السعودي الإماراتي مجددا؟ انتفاضة أم ربيع؟ يشهد السودان منذ الأربعاء الماضي احتجاجات واسعة على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، تصدت لها قوات الأمن السوداني بالقوة؛ ما أوقع حتى الآن ثمانية قتلى بحسب السلطات الرسمية، ودعا ما يعرف ب”تجمع المهنيين السودانيين” إلى المشاركة في ما سماه “الموكب الجماهيري” إلى القصر الرئاسي ل”تسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحي الرئيس فورا”. وشهدت مدن سودانية احتجاجات ليلية، في مقدمتها تلك التي حدثت في مدينة أم درمان بولاية الخرطوم للمرة الأولى، استخدمت فيها قوات الأمن قنابل الغاز لتفريقها، وأطلق عدد من المحتجين خلال المسيرات التي شهدتها البلاده الأيام الماضية دعوات لإسقاط النظام السوداني وتنحي الرئيس عمر البشير عن سدة الحكم. ويعاني الاقتصاد السوداني منذ سنوات من ضائقة مالية شديدة جعلت منه “فريسة سهلة” لدول التحالف العربي، خاصة السعودية والإمارات، حيث لجأت الدولتان إلى اللعب على الوتر الحساس وممارسة أساليب الضغط على الحكومة السودانية للخروج بنتائج تلائم موقفهما السياسي تجاه حصار قطر، والعسكري تجاه الحرب في اليمن. ولم تلبث الحكومة السودانية أن أعلنت موقفها بشأن سحب قواتها من اليمن حتى انهالت عليها العروض الاقتصادية المفاجئة من الرياض وأبو ظبي، بعد أيام قليلة من الحديث عن تقييم تجربة المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، لتصبح الخرطوم في مرمى الاهتمام الخليجي الكبير من جديد لأسباب تثير تساؤلات عما تخفيه الدولتان وراء الأيدي التي تمدها للسودان بعد سنوات من القطيعة. مسودة إذعان وتمثل التقارب الخليجي المفاجئ للخرطوم في أحد أكثر نقاط الضعف التي تؤرق الجانب السوداني، فعلى نحو مفاجئ، تداولت الأوساط السودانية أخبارًا عن زيارة غير معلنة لوفد سوداني رفيع إلى السعودية يرأسه وزير النفط والغاز ووزير الدولة بالمالية ومحافظ بنك السودان المركزي، وذكرت وسائل إعلام محلية أن الزيارة جاءت بناءً على دعوة من الجانب السعودي لبحث التعاون النفطي بين البلدين. وعقب عودة الوزير السوداني من الرياض، أعلنت الحكومة السودانية أنها توصلت مع السعودية إلى مسودة اتفاق للحصول على المواد البترولية بإجراءات سهلة الدفع لخمس سنوات مقبلة، ومن المقرر إتمام الاتفاق في الأيام المقبلة بعد استكمال الجوانب المالية للاتفاق، بحسب تصريحات مصدر في القصر الرئاسي السوداني لوكالة الأنباء السودانية. التحرك الإماراتي السعودي غير المعتاد جاء ردًا على الحكومة السودانية التي أعلنت إعادة النظر في موقفها من استمرار المشاركة في حرب اليمن، وذلك بعد أن تصاعدت دعوات من بعض الأحزاب وبرلمانيين السودانيين، مطالبةً بسحب القوات من اليمن، في ظل تطاول أمد الحرب وكلفتها الإنسانية الباهظة وخسائرها الفادحة على الصعد كافة بلا طائل. وكان وزير الدولة بوزارة الدفاع السودانية، قد صرح أن وزارته تجري دراسة لمراجعة وتقييم مشاركة القوات السودانية مع التحالف العربي في حرب اليمن الذي تدعمه الإمارات وتشارك فيه، كما نقلت صحيفة أخبار اليوم السودانية عن مصادر وصفتها بالمطلعة بروز اتجاه قوي لدى قيادة الدولة لسحب القوات المسلحة السودانية من التحالف العربي. انهيار.. وتجاهل سعودي يأتي تلويح الجانب السوداني بالانسحاب هذه المرة بعد تصاعد الغضب السوداني على خلفية التجاهل الخليجي للسودان، منذ فبراير الماضي، عندما دخلت البلاد في أزمة اقتصادية أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار العملة السودانية أمام الدولار، حيث تجاوز حاجز ال40 جنيهًا مقابل الدولار، لأول مرة في تاريخه. وعلت في الأيام الأخيرة أصوات ناقدة لقلة الدعم المالي الخليجي للخرطوم، وأشعل بعض البرلمانيين والصحفيين والكتاب المقربين من الحكومة الشرارة الأولى، حين وجهوا انتقادات للسعودية بدعوى تقاعسها عن دعم الخرطوم التي تعاني من أزمة خانقة في المواد البترولية، أصابت البلاد بالشلل منذ مارس الماضي. وأشعل بعض الصحفيين والكتاب المقربين من الحكومة الشرارة الأولى من خلال توجيه انتقادات للسعودية بدعوى “تجاهل” دعم الخرطوم، وتبع ذلك البرلمان السوداني، وطالب بعض نوابه بسحب الجيش من اليمن، مما دفع الحكومة إلى الإدلاء بتصريحات عن سحب القوات السودانية من اليمن. وحتى يومنا هذا لم تنجح جهود إقليمية ودولية في التوصل إلى حل للأزمة الخليجية التي بدأت في 5 يونيو 2017، عندما قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين، علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصارا دبلوماسيا واقتصاديا بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بدورها، مؤكدة أنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب. وتسعى دول الحصار، وخاصة الإمارات منذ بداية الحصار الجائر المفروض على قطر، إلى تقويض أي مبادرات لحل الازمة عن طريق الحوار القائم على احترام السيادة، وتشويه سمعة قطر في مؤتمرات وندوات مشبوهة مدعومة من اللوبي الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة بهدف إخضاع قطر للوصاية وتجريدها من استقلالية قرارها.