غادر الرئيس السوداني عمر حسن البشير العاصمة السورية بعد زيارة قصيرة، لم تكن معلنة، استمرت عدة ساعات، عقد خلالها اجتماعًا مع نظيره السوري بشار الأسد، وهي أول زيارة لزعيم عربي منذ 8 سنوات. الزيارة فاجأت الأوساط السياسية والإعلامية حتى في السودان، حيث وصل البشير إلى مطار دمشق على متن طائرة ركاب روسية من طراز tu-154 بترقيم RA85155 وليس على متن الطائرة الرئاسية السودانية. وهو ما يؤكد أن الزيارة تمت بترتيب عالٍ مع روسيا المتحكمة في الأجواء السورية. وحرص الجانبان السوري والسوداني على عدم تسريب أي معلومة أو إعطاء أي مؤشر قبل وصول الرئيس السوداني الأراضي السورية، ولم تتكشف أنباء الزيارة وتفاصيل المحادثات لوسائل الإعلام قبل عودة البشير إلى الخرطوم بعد زيارته السريعة. كما كان لافتًا حضور اللواء علي مملوك، بيت سر الأسد، بشكل علني في استقبال البشير، خاصة وأن اسم مملوك ارتبط بزيارات خاصة وسرية كموفد للتفاوض مع دول عربية عدة، منها ما تم إعلانه لاحقًا كزيارة مملوك إلى السعودية ومصر وغيرها. العروبة وقضايا الأمة وأكد الأسد ونظيره السوداني، عقب جلسة في قصر الشعب بدمشق، أن “الظروف والأزمات التي تمر بها العديد من الدول العربية تستلزم إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وهذا بدوره كفيل بتحسين العلاقات العربية- العربية، بما يخدم مصلحة الشعب العربي”. وأضاف الأسد أن “سوريا وعلى الرغم من كل ما شهدته خلال سنوات الحرب، بقيت مؤمنة بالعروبة ومتمسكة بها، وأن تعويل بعض الدول العربية على الغرب لن يأتي بأي منفعة لشعوبهم، لذلك فالأفضل هو التمسك بالعروبة وقضايا الأمة”. ومن جانبه، أعرب البشير عن “أمله بأن تستعيد سوريا عافيتها ودورها في المنطقة في أسرع وقت ممكن، وأن يتمكن شعبها من تقرير مستقبل بلده بنفسه بعيدا عن أي تدخلات خارجية”، مشددا على “وقوف بلاده إلى جانب سوريا وأمنها” واستعداد بلاده “لتقديم ما يمكنها لدعم وحدة أراضي سوريا”. ووفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية السودانية، اعتبر البشير، خلال المباحثات مع الأسد، أن “سوريا دولة مواجهة.. وإضعافها إضعاف للقضايا العربية”. يذكر أن دولًا عربية كثيرة تجنبت الأسد منذ أن بدأ الصراع في 2011، بعد اندلاع الثورة السورية المطالبة بإسقاطه. وعلقت جامعة الدول العربية أنشطة سوريا في مؤسساتها، في نوفمبر 2011، ردًّا على هجمات الحكومة السورية العنيفة على الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. تطبيع العلاقات ورغم أن دولًا عربية كثيرة أغلقت سفاراتها أو خفضت علاقاتها مع دمشق، ثمة دعوات كثيرة في العالم العربي في الأشهر الأخيرة لتطبيع العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى مقعدها في جامعة الدول العربية. وكذلك ترتيبات سرية لإعادة افتتاح الإمارات سفارتها بدمشق، وكذلك إعلان وزارة الخارجية التركية استعدادها للتفاهم والحوار مع سوريا. وبحسب خبراء، فإن الزيارة السرية قد تكون بداية لكسر العزلة الدولية عن سوريا، خاصة وأنها جاءت بعد محادثات دولية لإنهاء الحرب في اليمن، تجري بالسويد، وهو ما يمكن أن يكون مؤشرًا على انسحاب السودان من التحالف الدولي في اليمن، والبعد قليلًا عن التحالف مع السعودية، في ظل الإدانات الحقوقية الدولية التي قد تتسبب بعقوبات دولية مستقبلا، قد يكون البشير في حاجة للابتعاد عنها. كما تأتي الزيارة قبل القمة الاقتصادية التي تستضيفها بيروت، في 16 يناير المقبل، والتي قد توجه فيها الدعوة لبشار الأسد. أهداف سودانية بينما اعتبر أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد خير العكام، الخبير في الشئون السياسية والدولية، في لقاء مع وكالة “سبوتنيك”، أن “زيارة الرئيس السوداني إلى سوريا فيها رسالة واضحة، مفادها أن العرب هم الذين يطرقون باب سوريا”. وأضاف: “قد يكون للسودان أهداف من هذه الزيارة. قد يكون السودان يريد تقديم رسالة إلى الدول العربية الأخرى كمصر والسعودية وغيرها، يمكن أن يكون للسودان أهداف من هذه الزيارة أكثر من سوريا”. وأشار المحلل السياسي إلى أن “أسباب الزيارة قد تكون سودانية أكثر من كونها سورية، ويعود ذلك لعلاقات الرئيس السوداني المضطربة مع معظم الدول وبمحيطه العربي وعدائه للغرب، رغم بعض التنازلات التي قدمتها السودان في حرب اليمن، كل هذه المؤشرات يمكن الوقوف عندها كثيرًا، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تضرب السودان. ويرى بعض المطلعين على الشأن السوداني، أن زيارة البشير هي محاولة للبحث عن دور إقليمي مؤثر يُمكّن الأطراف الدولية والإقليمية من التعاطي مع أزمات السودان الاقتصادية والمعيشية التي فاقمها الحصار الاقتصادي الدولي، واستمرار العقوبات الأمريكية الاقتصادية والسياسية على السودان لعقود، رغم وفاء السودان باشتراطات دولية قاسية، وهو ما تسبب في الكثير من الأزمات الاقتصادية الداخلية، وانهيار العملة المحلية، وتفاقم أزمة السلع الغذائية بالبلاد. التعديلات الدستورية في 11 ديسمبر الجاري، شكل البرلمان السوداني لجنة لدراسة تعديلات دستورية تتيح للبشير الترشح لدورات مفتوحة في انتخابات الرئاسة. وناقش البرلمان السوداني مقترحًا تقدم به عدد من الأحزاب لتعديل الدستور بما يتيح للبشير الترشح لدورات مفتوحة في انتخابات الرئاسة، وخلال الجلسة، أعلن رئيس البرلمان السوداني، إبراهيم أحمد عمر أن البرلمان بغرفتيه سينظر في تقرير اللجنة حول التعديلات في 8 أبريل المقبل. ومن أهم ما تشمله التعديلات، المادة 57 الخاصة بمدة دورات رئاسة الجمهورية، بأن تكون مفتوحة دون تحديد أكثر من دورة، خلافا للنص الحالي الذي يحدد دورات رئاسة الجمهورية بدورتين فقط للمرشح، وذلك على الرغم من إعلان البشير في أكثر من مناسبة أنه زاهد في السلطة، ولا يعتزم الترشح في انتخابات الرئاسة عام 2020. أدوار بالوكالة كما يذهب فريق من المتابعين إلى أن البشير بزيارته لسوريا، يقوم بأدوار بالوكالة عن نظم عربية وإقليمية، للتمهيد للتعايش مع نظام بشار الأسد الذي قتل ما يقرب من مليون سوري، وشرد الملايين خارج البلاد، حيث تريد الإمارات افتتاح سفارتها بسوريا، كما تريد تركيا تأمين أراضيها وتحييد الجانب الروسي تجاه الأزمات التركية الإقليمية والدولية، وهو ما بدا في تصريحات وزير خارجيتها مؤخرًا بقبول التعاون مع النظام السوري. وعلى أي حال، فإن قادم الأيام سيكشف الكثير مما تخفيه زيارة البشير لسوريا واجتماعه بالجزار والقاتل بشار الأسد.