في كتابه “بين أيدي العسكر” فضح الصحفي الأمريكي المخضرم “كير كيباتريك” أدوار إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما و “إسرائيل” والسعودية والإمارات في تدبير مؤامرة انقلاب العسكر على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر منتصف سنة 2013م. لكن المحلل السياسي “علاء بيومي” تناول جانبا مختلفا في كتاب كير كيباتريك الأخير مسلطا الضوء على الدور الذي قام به الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق لوكالة الأممالمتحدة للطاقة النووية، والفائز بجائزة نوبل للسلام، في نجاح انقلاب العسكر ، عبر رصد كل ما ذكر عن البرادعي موثقا في كتاب مدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز ” السابق بالقاهرة، حيث اعتمد كيركباتريك، في كتابه على شهادات قيادات في جبهة الإنقاذ، كالأكاديمي المعارض عمرو حمزاوي، كما اعتمد على اتصالاتٍ هاتفية أجراها مع البرادعي نفسه. وتتميز شهادة كيركباتريك بوقوفها على مسافة واحدة من مختلف القوى السياسية المصرية والتزامها بالديمقراطية. وتحت عنوان “خطأ البرادعي القاتل” تناول بيومي هذه المواقف التي نستعرضها رغم أن دور البرادعي في نجاح الانقلاب من المعلوم من الحقيقة بالضرورة ولا يحتاج إلى دليل او برهان. البرادعي في الكتاب يرصد بيومي قلة ظهور البرادعي في كتاب كيركباتريك، عازيا ذلك لسببين، أولهما حديث كيركباتريك المباشر عن ضعف شعبية البرادعي بين المصريين، مقارنة بشعبيته بين الصحافيين الأجانب و”نخب القاهرة”، حيث يكتب الصحافي الأميركي أن “الاستطلاعات المتوفرة أكدت أنه أكثر شهرة بين الصحافيين الأجانب مقارنة بالمصريين”. والسبب الثاني تركيز الكتاب على الكيانات الكبرى التي تحكّمت في المشهد السياسي المصري بعد الثورة، وخصوصا القوات المسلحة والقوى الإقليمية، كالسعودية والإمارات وإسرائيل، والتي مارست ضغوطا كبيرة على العواصمالغربية لدعم الانقلاب العسكري، ودور العواصمالغربية نفسها. وهذا لا يعني التقليل من دور البرادعي، لكنه لا يظهر في الكتاب، كما يظهر شخص كالرئيس محمد مرسي، أو جماعة كالإخوان المسلمين، أو حتى القوى الجماهيرية غير المنظمة التي تظاهرات ضد المجلس العسكري في العام التالي للثورة. ثورة يناير يشير كيركباتريك في كتابه إلى دور البرادعي في ثورة يناير موضحا أنه لما انطلقت شرارة ثورة يناير المفاجئة، بعد مظاهرات الشباب في 25 يناير كان البرادعي في مكتبه في فيينا، عاكفا على كتابه مذكراته، ولما سأله كيركباتريك عن المظاهرات، قال له: “بصراحة، لا أعتقد أن الشعب جاهز (للثورة)”. ويشير كيركباتريك بعد ذلك لمشاركة البرادعي في مظاهرات 28 يناير في مسجد مصطفى محمود، وكيف تعرض للضرب بخراطيم المياه وقنابل الغاز، حيث وصف البرادعي ما يحدث بأنه “عمل بربري”، ثم “انسحب إلى فيلته في مجمعٍ محاط بالأسوار في الجيزة”. 7 محطات فاصلة ويستعرض الكتاب محطات البرادعي الفاصلة التي أسهمت في نجاح الانقلاب ومنها: أولا: على الرغم من نشاط البرادعي على “تويتر”، إلا إنه نادرا ما يدلي بتصريحات إعلامية، كما تخلو لقاءاته الإعلامية من النقد الجاد لذاته، ولا تكشف كثيرا عن الدور الذي لعبه قبيل الانقلاب العسكري، وكيف قبل المشاركة في إعلان خريطة الطريق والحكومة الانتقالية، وهي خطوات أسست لعودة الحكم العسكري إلى مصر، والقضاء على مكتسبات الثورة. حيث يؤكد “كيباتريك”: “لم يعترف البرادعي حتى الآن بدوره في الانقلاب، وكيف وقع في خطأ قاتل، وهو الوثوق في العسكر” سنوات الثورة المصرية، ثانيا: حول علاقات البرادعي بالخارج، يكشف الكتاب كيف تحول منزل البرادعي إلى مزار لكبار المسؤولين الغربيين، مثل وزير الخارجية الأميركي الاسبق، جون كيري، وكيف قام بالتنسيق بين جبهة الإنقاذ والعواصمالغربية. ثالثا: أما الدور الأبرز للبرادعي (أو الملمح الأبرز وغير المألوف لصورته كما يرسمها الكتاب) فيظهر في قيادة جبهة الإنقاذ، والتي تأسست في نوفمبر 2012 اعتراضا على “الإعلان الدستوري”. ويفيد كيركباتريك بأن الجبهة ضمت، منذ بدايتها، بعض أبرز وجوه نظام حسني مبارك، وأنها هاجمت القصر الجمهوري، وهي تعلم أن الشرطة لا تحمي محمد مرسي، كما عرف بعض أعضائها بعلاقاتهم الوثيقة بالمخابرات، وأن دبلوماسيين غربيين اشتكوا له دائما من أن مرسي رفض تقديم أي تنازلاتٍ كبرى، وأن المعارضة رفضت الجلوس معه للحوار. رابعا: يوضح الكتاب أن “أعضاء في الجبهة عرفوا من بداية 2013 أن المخابرات تعمل على إسقاط حكم مرسي”، وكانوا يقولون في اجتماعات الجبهة إن “مؤسسات الدولة معنا”. وظل البرادعي في البداية يرفض الانقلاب العسكري بشدة، مؤكدا أن الغرب لن يقبله، كما قابل قادة حزب الإخوان المسلمين في منزله في فبراير 2013 للنقاش بشأن الانتخابات البرلمانية. خامسا: جرى تطور كبير في موقف البرادعي مع بداية أبريل 2013، وراح يدعم فكرة الانقلاب بعد أن كان يرفضها ؛ كما تزامن ذلك مع إعلان ما تسمى بجبهة الإنقاذ مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وتراجع قلق البرادعي من الانقلاب العسكري، ومن موقف الغرب من الانقلاب. ويكشف كيركباتريك، مستشهدا بلقاءات أجراها مع عمرو حمزاوي، الذي ذكر للصحافي الأميركي أن الجبهة تمسّكت، بعد أبريل/ نيسان، بدعوة الجيش إلى التدخل، وأن “الخطة كانت واضحة للجميع، تعبئة جماهيرية، يعقبها نزول الدبابات للشوارع، ثم انتخابات رئاسية”. وفي مايو، طلب البرادعي من حمزاوي (المعارض للانقلاب) التنحي جانبا، لأن “بدون الجيش، ليس لدينا أي فرصة”. سادسا: يكشف كيركباتريك أن البرادعي تردّد على مكتب الصحافي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، والذي نقل الرسائل بين البرادعي وحركة تمرد وعبد الفتاح السيسي، وأن البرادعي سأل هيكل في أحد اللقاءات: “أين السيسي؟ ماذا ينتظر؟”. وفي أواخر مايو/، اتصل قادة كبار في القوات المسلحة بأعضاء في جبهة تمرّد، لتشجيعهم على التظاهر ضد مرسي، مؤكدين أن الجيش سيحمي المظاهرات. وفي بداية يونيو، أعطي الجنرالات إشارات واضحة للجبهة بأنهم ينوون عزل مرسي. سابعا: يشير كيركباتريك إلى محتوى اتصال مهم، أجراه البرادعي معه في اليوم التالي للانقلاب، حيث بادر بالقول إنه انتهى لتوه من الحديث مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، وأنه بذل جهدا كبيرا لإقناعهما بأن عزل مرسي يعني “بداية جديدة” للتحول الديمقراطي في مصر، وأن “الثورة” لديها فرصة ثانية لعمل كل شيء بالأسلوب الصحيح. وأكد البرادعي أنه “سيكون أول من يرفع صوته، ويتحدث بوضوح إذا رأى أي علامة على تراجع الديمقراطية”، وأنه متأكد من احترام الجنرالات حكم القانون والمدنيين، كما عبر عن ثقته في النائب العام (وهو أحد رجال حسني مبارك) وأن “من يقبض عليهم يكون بناء على أمر من النائب العام، وليس لكونهم أعضاء بالإخوان”، وأن مرسي سيعامل “بكرامة واحترام”، وتحدث كأنه يمتلك السلطة قائلا: “أكدت لكل السلطات الأمنية هنا أن كل شيء يجب أن يخضع للقانون”. وينتهي كيباتريك في كتابه إلى التعبير عن الأسف لموقف البرادعي حيث كتب أنه شعر “بالأسف من أجل” البرادعي بعد الاتصال، لأنه كان “فائزا بجائزة نوبل، ولكنه صدّق كل ما يقوله له الجنرالات”. كما يشير إلى أن البرادعي لم يعترف حتى الأن بدوره في الانقلاب، وكيف وقع في خطأ قاتل، وهو الوثوق في العسكر، ما جعله يشارك في تدمير ما كان يحاول الحفاظ عليه والدفاع عنه.