أستغرب هذا الصمت من قضاة مصر على انتهاك حقوق الإنسان وحقوق الجثث وحقوق النساء المعتقلات وحقوق المسجونين فى مقابر جماعية داخل المعتقلات، مع أنهم كانوا من أوائل من وقفوا مع ثورة 25 يناير وخرجوا يرتدون أوشحة القضاء ضد ظلم نظام مبارك وضد التعذيب وضد تزوير الانتخابات حتى نجحت الثورة. أفهم أن يكون "بعض" القضاة لهم عداء وصراع مع الرئيس والإخوان وكل التيار الإسلامى والثورى؛ لأنهم كانوا يخشون خسارة نفوذهم، وكانت بعض مكاسبهم فى مهب الريح لو استمر هذا النظام الثورى.. وأفهم أن يكون "بعض" القضاة لديهم ثأر مع مؤيدى الرئيس محمد مرسى ومع الثورة ككل، ولكن ما لا أفهمه هو صمتهم على هذا الخرق للقانون والدستور وكل الأعراف الإنسانية وما يدافعون عنه من مبادئ القانون .. فلم أسمع من أحدهم احتجاجا أو نقدا أو دعوة للالتزام بالقانون ولو الإنسانى!!. ألم تسمعوا يا قضاة مصر أن 3000 مواطن مصرى قُتلوا فى رابعة العدوية وجرفتهم جرافات الجيش، وقبلهم قُتل 500 فى مجازر الحرس الجمهورى والنهضة والمنصورة ورمسيس ولم يقدَّم مسئول واحد للتحقيق؟ ألم تسمعوا أن مشرحة زينهم بها 54 جثة لمصريين متفحمين أحرقتهم قوات الجيش والشرطة التى فضت الاعتصام بالقوة؟ ألم تسمعوا عن نساء وفتيات وأطفال قُتلوا دون ذنب؟! لو قلتم إن الشرطة كانت تحارب الإرهابيين .. فهل تعتبرون قتل زهرة البنات "أسماء البلتاجى" ذات ال14عاما بالرصاص هى وحبيبة وهالة أبو شعيشع ذات ال19 عاما وغيرهن من الإرهابيين؟ ألم تسمعوا عن 38 شابا قتلوهم داخل عربة ترحيلات السجن لأنهم أزعجوا الضباط بالخبط على الباب بعدما اختنقوا من حشرهم فى العربة مدة 7 ساعات كاملة فى الحر الشديد ودون ماء أو حمام أو هواء؛ فألقوا عليهم قنابل غاز قاتلة وأغلقوا الأبواب ليرتاحوا منهم وهم يتضاحكون؟! ألم تسمعوا أن المحاكم العسكرية تحاكم المدنيين المعارضين للانقلاب، وأصدرت أحكاما بالمؤبد والسجن على 52 من المتظاهرين السلميين؟ هل ستقولون إن هذه حالة طوارئ وتبررون هذه المحاكمات التى تخالف الدستور والقانون؟. هل سمعتم رئيس حكومة فى العالم يقول إنه اضطر لقتل 3000 مواطن مصرى كما فعل الأمريكان مع الفيتناميين، معتبرا نفسه قوة احتلال والمصريين الذين قتلهم محتلين؟! رئيسكم المؤقت عدلى منصور قال إن الرئاسة السابقة لم تكن تحترم دولة القانون فهل يحترمها هو أو حكومته أو قادة الانقلاب العسكرى عندما يسوقون الأبرياء من منازلهم فجرا بعد تحطيم وسرقة محتويات شققهم إلى السجون مباشرة؟ وهل من القانون أن تحقق النيابة مع المتهم داخل زنزانة وهو مهدد بالقتل داخلها لو قال ما يغضب السجان؟ ودون حضور محاميه؟ وهل ينص القانون على أن المتهم.. أكرر المتهم "غير المحكوم عليه" يوضع فى غرفة سجن المحكوم عليهم بالإعدام؟! قضاة المحكمة الدستورية انتفضوا لأن الرئيس مرسى أصدر إعلانا دستوريا، وغضبوا على تأسيسية الدستور، وقالوا إن هذا يخالف الثورة.. فما موقفهم الآن من لجنة العشرة غير الشرعية ومن لجنة الخمسين مقارنة بالتأسيسية؟ أى دستور وأى قانون يبيح عزل رئيس منتخب وقيام قائد الجيش بتعيين رئيس المحكمة الدستورية -لا رئيس مجلس الشعب أو الشورى- ليكون رئيسا بدلا منه، ويلغى الدستور الذى صوت عليه 64% من المصريين؟! وأى دستور معدل هذا الذى يريدونه وينص على أنه ليس من حق رئيس الدولة تعيين وزير الدفاع ويترك الأمر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ وأى دستور معدل هذا الذى يعتبر موازنة القضاة رقما واحدا لا يجوز مناقشة تفاصيلها -مثل الجيش- كأن موازنة القضاء سر حربى لا يجوز كشفها؟!. يا قضاة مصر.. هل ستتركون التاريخ يحكم عليكم بأنكم فى هذه الحقبة السوداء من تاريخ الانقلاب العسكرى فى مصر صمتّم وتركتم الحق يضيع؟ هل ستتركون التاريخ يحكم على صمتكم على محاكمة قضاة آخرين زملائكم وتصفيتهم لمجرد أنهم أعلنوا رفضهم للانقلاب "قضاة من أجل الاستقلال"؟ وهل ستسمحون للنائب العام السابق بأن يفلت بفعلته عندما أخذ هدايا من الصحف وهو فى المنصب؛ ما يعتبر رشوة قضائية وتحاكمون النائب الشريف طلعت عبد الله لأنه حاول اجتثاث الفساد؟!. يا قضاة مصر، ماذا تقولون فى حيثيات حكم محكمة القضاء الإدارى بغلق الفضائيات التى تظهر أن القضية سياسية لا قانونية؟ هل من الطبيعى أن تقول محكمة فى تبرير غلق قناة فضائية إنها:"شيطان مريد سقطت عنه ورقة التوت بمجرد سقوط الأنظمة الفاشية"، وإنها "شريك فى مؤامرة دولية تهدف إلى تقسيم الوطن وبث الفرقة بين أبنائه، وبينهم وبين الجيش والشرطة، وصولا إلى تمكين جماعة مرفوضة شعبيا من رقاب شعب مصر وحكمه وفقا لما يرونه"!! وهل من الطبيعى أن يتم غلق 10 قنوات وتشميعها دون صدور أحكام عليها واعتقال من فيها دون لتهامات؟ القضاء هو ضمير مصر، ولو ضاع أو تشكك المصريون فى نزاهته أو قوله الحق دون خوف فستضيع مصر كلها. لم يحدث فى تاريخ مصر القديم أو الحديث أن صمت قضاة مصر على عمليات التعذيب والقتل والحرق وتزوير إرادة الشعب ومصادرة حقوق التعبير وحرية الرأى.. فأين أنتم يا قضاة مصر مما يجرى؟! يا قضاة مصر "الشرفاء".. حكم التاريخ قاس؛ فاحزموا أمركم، وقولوا للحق أنت حق، وللباطل أنت باطل، كما عهدناكم.