يعيش مليون مدرس مصري حالة احتقان كبيرة، قبل يوم من الاحتفال باليوم العالمي للمعلم؛ نظرا لدوره المؤثر والكبير في كافة المجتمعات، إلا أن الوضع فى مصر العسكر مختلف، حيث يعيش حالة سيئة بسبب ضعف راتبه الشهري وارتفاع الأسعار وتزايد معدل التضخم سنويًا، فضلا عن التهديد بالاعتقال والفصل والتنكيل، وبعد أن خرجت مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم. ويحتفل العالم، في 5 أكتوبر، سنويا باليوم العالمي للمعلم، والذى بدأ الاحتفال به عام 1994، بهدف تعبئة الدعم والتأكد من أن احتياجات الأجيال القادمة سيوفرها المعلمون بكفاءة، بالإضافة إلى الإشادة بدور المعلمين حول العالم. وبالنظر إلى أعداد المعلمين فى مصر؛ نجد أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعلن عن وجود مليون و23 ألفا و833 معلما بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى فى مصر بنهاية العام الدراسى (2017/ 2018)، فى حين أن نسبة المعلمات الإناث جاءت أكثر من نسبة المعلمين الذكور، حيث وصل عدد المعلمين الإناث 58% تقريبا من إجمالي عدد المدرسين فى مصر، كما أعلن الجهاز عن أن محافظة القاهرة تأتى في المركز الأول من حيث عدد المدرسين. خفض موازنة التعليم وندد اتحاد المعلمين المصريين بخفض الموازنة العامة الخاصة بالتعليم، واصفين إياها بالمخيبة للآمال، عقب تقليل ميزانية التعليم لتقل عما هو منصوص عليه فى دستور الانقلاب بالمادة 19، والتى تنص على تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، وتتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وقالت، في بيان لها، إن الخفض هو مؤشر فى غاية الخطورة على مستقبل التعليم فى مصر. وأضافت “من خلال هذه الميزانية لا يمكن تحقيق ما جاء فى بيان الحكومة عن رفع ميزانية هيئة الأبنية التعليمية لتقوم بدورها فى بناء مدارس جديدة تواجه الكثافات المرتفعة او إتاحة التعليم لجميع الأطفال فى سن السادسة، مما سيؤدى إلى ارتفاع نسب الأمية فى مصر، كما لن تستطيع الدولة تلبية مطالب المعلمين فيما يتعلق بالأجور التى تعتبر الأقل فى منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن المعلمين لن يستطيعوا الاحتفاظ بالقوة الشرائية لرواتبهم كما هى بفعل التضخم المتزايد، ما يعنى عمليا انخفاض أجور المعلمين إجمالا وانخفاض كفاءتهم بفعل التكدس فى الفصول”. رواتب المعلمين في مصر والعالم وبعد أن وصف وزير تعليم الانقلاب المعلمين بأنهم “حرامية”، حين قال في حواره مع “أخبار اليوم”: إن نصف العاملين في وزارته حرامية، والنصف الآخر حرامية وغير أكفاء”. ووفق تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، أشار إلى أن راتب البداية للمعلم من دون خبرة في لوكسمبورج يصل إلى 73 ألف دولار سنويا، ويصل راتبه عند التقاعد إلى 131 ألف دولار، فيما يقدر دخل المدرس المصري ب150 دولارا. وشهد المعلم في عهد الانقلاب إهانة ما بعدها إهانة، حتى وصل الأمر إلى تعدى أحد ضباط الجيش بالضرب على مدير المدرسة الثانوية الصناعية بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، إثر مشادة كلامية بينهما بخصوص نجله وتصرفاته غير اللائقة. وأكد شهود عيان أن الضابط قد صفع المدير بالقلم على وجهه أمام الطلاب والمدرسين، وأخرج سلاحه الميرى وهدد به مدير المدرسة بعد أن تعدى عليه، وسط حالة من الاستهجان والاستنكار بين أعضاء هيئة التدريس والعاملين بالمدرسة. توجيه متعمد وطوال 5 سنوات من عمر الانقلاب، وجه نظام العسكر إداراته التعليمية بالمحافظات بتأييد سلطة الانقلاب فى أي مناسبة، وهو ما ظهر جليا فى الطلب الإجباري من الإدارات التعليمية التى طالبت جميع المدرسين والعاملين بالمدرسة بعمل توكيلات لتأييد السفاح عبد الفتاح السيسي إبان مسرحية الانتخابات الرئاسية. تفاقم عجز المدرسين وفى الحديث عن المعلم، طالبت حركة “حقي فين”، وزير التعليم في حكومة الانقلاب بالاستقالة من منصبه، بعد فشله في حل مشكلة عجز المعلمين في كافة المحافظات. وقالت الحركة، في بيان لها مؤخرا، إن “منظومة التعليم في مصر تواصل انهيارها لتصل إلى القاع السحيق. وأشارت الحركة إلى وجود عجز في الكوادر التعليمية بلغ 300 ألف معلم، وسط فشل حكومة الانقلاب في محاولة سد العجز عن طريق الاستعانة بخريجي الجامعات، في مشروع “الخدمة العامة” مقابل أجر شهري 4 جنيهات. رفض الضبطية وشهدت مصر العسكر قرارًا غريبًا، بعد أن تم منح الضبطية القضائية من وزارة العدل في حكومة الانقلاب لأعضاء الشئون القانونية بالديوان والمديريات والإدارات التعليمية، بذريعة غلق مراكز الدروس الخصوصية في المحافظات. وجاء رفض آلاف المدرسين للأمر خشية من سوء استخدام موظفي الإدارات التعليمية بالمحافظات لهذه الضبطية في تصفية الحسابات؛ الأمر الذي سيؤدي إلى اشتعال الصراعات والوشايات داخل أروقة المدارس. وجاءت إحدى كوارث الانقلاب فى وجه المدرسين، بعدما قررت وزارة العسكر الفصل التعسفى لآلاف المدرسين، حيث سرى تسريب قرار باستبعاد أي مدرس يثبت انتماؤه إلى جماعة الإخوان المسلمين. كانت إخطارات سرية قد طالبت وكلاء الوزارة بالمحافظات بجمع بيانات عن مدرسى المدارس الحكومية والتجريبى وإرسالها للوزارة، وزعمت الوزارة أنها خاصة بمن ينتمى لجماعة الإخوان، وأنه سيتم فصله واستبعاده من التدريس فى حال تقديم شكوى من المدرسين بالمدارس ضده. الهوية العربية كما سعى النظام العسكري لتغريب المجتمع، حيث قرر تعليم النشء اللغات الأجنبية قبل أن يعلمهم لغتهم الأصلية “اللغة العربية”، فتوسع في إنشاء المدارس التجريبية فضلا عن مدارس اللغات الخاصة والمدارس الدولية وجميعها لا تدرس باللغة العربية، في نفس الوقت الذي أهملت فيه المدارس الحكومية العربية والتي تدرس اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو كليهما جنبا إلى جنب مع اللغة العربية، بل راح يخنق التعليم الأزهري خنقا ويخربه، تارة بكثافة المناهج واعتماده على الحفظ، وتارة بسوء الإدارة وإهماله وتعيين مدرسين غير أكفاء له، وأخرى بنشر ثقافة الغش ثم بمحاصرة خريجيه وعدم إيجاد وظائف حكومية لهم وغيرها، وذلك نظرا لما به من مناهج تربط الطلاب بالهوية القومية للدولة. الخاتمة وفيما يحتفل العالم بالمدرسين، ينتهى دور المعلم فى مصر عند الحملة الممنهجة التي تشنها وسائل الإعلام التابعة للعسكر علي المدرس، حيث لم تُطرح أي مناقشة جادة لحل قضية التعليم في مصر. فكثير من المدارس الخاصة تمنح المدرس فيها راتبا غاية في التدني يقل كثيرا عن الألف جنيه مصري شهريا، وتمارس ضده شروطا تعسفيه تتيح لها فصله في أي لحظة، مع جعل رضا الطالب عنه هو المعيار الأول لاستمراره في عمله، ما يجعله ينصرف عن تقويمهم إلى إرضائهم، فقضى هذا الوضع علي المدرس الجاد وأبقى على الأقل كفاءة منهم. وتسببت تلك الحالة في تنامي الشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأمان الوظيفي لدى المدرس، وانعكس ذلك بالقطع على سلوكياته التعليمية.