هدوء بلجان تلقي طلبات الترشح للنواب بالشرقية    محكمة سوهاج الإبتدائية تتلقى أوراق 68 مرشحًا لانتخابات النواب    جامعة قناة السويس ضمن تصنيف التايمز البريطاني لعام 2026    الذهب يلمع من جديد.. خفض الفائدة الأمريكية وإغلاق الحكومة يشعلان الأسعار    محافظ كفرالشيخ ووزراء الزراعة الأفارقة يتفقدون معرض أصناف الأرز الحديثة    ندوة إرشادية للنهوض بالثروة الحيوانية بالزقازيق    إعلان عمان: ندين ما خلفه الاحتلال من أزمة صحية كارثية بقطاع غزة    وزير التنمية النرويجي يلاطف الأطفال الفلسطينيين خلال زيارته لمستشفى العريش العام    خاص| مسؤول بهيئة الأسرى: لا تأكيدات بشأن مصير مروان البرغوثي وسعدات في صفقة غزة حتى الآن    الرئيس ترامب يُقدر دور الرئيس السيسي في تسوية تلك الأزمة وفي المنطقة بصفة عامة    الاحتلال الإسرائيلي يطلق قنابل غاز مسيل للدموع وسط الخليل بعد إجبار المحلات على الإغلاق    بوتين يقر بمسئولية الدفاعات الجوية الروسية عن إسقاط طائرة ركاب أذرية العام الماضي    إسرائيل تمنع ناشطي أسطول الحرية من لقاء محاميهم    موعد مباراة مصر وغينيا بيساو في ختام تصفيات كأس العالم    الجزائر تقترب من حسم التأهل إلى كأس العالم 2026 بمواجهة الصومال    ياسين محمد: فخور وسعيد بذهبية بطولة العالم للسباحة بالزعانف    الزمالك يحدد موعد عودة الأجانب للتدريبات الجماعية والجزيري يظهر اليوم    حريق مستشفى راقودة بالإسكندرية.. إخلاء 17 حالة من العناية المركزة دون إصابات    أوبو A6 Pro 5G.. أداء خارق وتقنيات متطورة بسعر يناسب الجميع!    بعد فوزه بنوبل للأدب.. تعرف على أعمال الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي المترجمة إلى العربية    سمير عمر: اتفاق شرم الشيخ إنجاز تاريخى يفتح الباب أمام غد يسوده العدل والسلام    المركز القومي للسينما يشارك نقابة الصحفيين في الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر    كريم فهمي فى 2025 نجاح بالدراما وتوهج فى السينما    سحب «المشروع x» ل كريم عبد العزيز من دور العرض.. تعرف على السبب    وزير الصحة يشيد بجودة الخدمات ويتابع انتظام العمل بمستشفى جستاف روسى    أطعمة تضر أكثر مما تنفع.. احذر القهوة والحمضيات على معدة فارغة    هل أمم أفريقيا 2025 نهاية مشوار حسام حسن مع منتخب مصر؟ رد حاسم من هاني أبوريدة    نادي جامعة حلوان يهنئ منتخب مصر بالتأهل التاريخي لكأس العالم 2026    «المصري اليوم» تُحلل خارطة المقبولين في كلية الشرطة خلال خمس سنوات    بالأسماء تعرف علي أوائل الدورات التدريبية عن العام 2024 / 2025 بمحافظة الجيزة    عزيز الشافعي: شكرا لكل من ساهم في وقف هذه الحرب الظالمة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 9 اكتوبر 2025فى محافظة المنيا    استبعاد معلمة ومدير مدرسة بطوخ عقب تعديهما على تلميذ داخل الفصل    التضامن: مكافحة عمل الأطفال مسؤولية مجتمعية تتكامل فيها الجهود لحماية مستقبل الأجيال    وكيل صحة الدقهلية يوجه بوضع لافتات إرشادية لتيسير حركة المترددين على المجلس الطبي العام    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 134 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    بعد 24 ساعة من حكم الإعدام.. "القودة" تنهي خصومة ثأرية في أبو حزام بقنا    قسطنطين كڤافيس وشقيقه كيف يُصنع الشاعر؟    حبس المتهمين بقتل بلوجر المطرية    إطلاق قافلة زاد العزةال 47 من مصر إلى غزة بحمولة 3450 طن مساعدات    إصابة 12 شخصا فى حادث انقلاب سيارة بطريق العلاقى بأسوان    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    محمود مسلم: السيسي يستحق التقدير والمفاوض المصري الأقدر على الحوار مع الفلسطينيين والإسرائيليين    صبحي: لسنا راضين عما حدث بمونديال الشباب وسيتم تغيير الجهاز الفني    برشلونة يعلن رسميا إقامة مواجهة فياريال في أمريكا    لليوم الثاني، محكمة شمال بنها تتلقى أوراق المرشحين المحتملين لانتخابات النواب    9 أكتوبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    التقييمات الأسبوعية للطلاب فى صفوف النقل عبر هذا الرابط    هل يجب التوقف عن بعض وسائل منع الحمل بعد سن الأربعين؟ استشاري يجيب    السيسي يوفد مندوبًا للتعزية في وفاة الدكتور أحمد عمر هاشم    هل يجوز منع النفقة عن الزوجة لتقصيرها في الصلاة والحجاب؟.. دار الإفتاء تجيب    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تستهل مشاركتها بالنسخة الثانية من منتدى «البوابة العالمية 2025» ببروكسل بلقاء مديرة الشئون المالية والاقتصادية بالمفوضية الأوروبية    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    سما المصري توجه رسالة ل المستشار مرتضى منصور: «ربنا يقومه بالسلامة بحق صلحه معايا»    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    30 دقيقة تأخرًا في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 9 أكتوبر 2025    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد الريسوني يكتب: حجج الانقلابيين.. تحليل ومناقشة

الذين نفذوا الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنتخب في مصر، والذين تواطؤوا معهم، والذين ساندوهم من الداخل ومن الخارج، لهم شبهات يتحججون بها، ويرددونها بالأصالة أو بالتبعية.
وإسهاما في توضيح الرؤية ووضع النقط على الحروف، بغية الخروج من "تلبيس إبليس"، أُقدم فيما يلي عرضا ومناقشة علمية لأهم تلك "الحجج الانقلابية".
الحجة الأولى: ثورة شعبية نزعت الشرعية
هذه هي الحجة المفضلة عند مناصري الإطاحة بالرئيس المنتخب، من مدنيين وعسكريين. وهي كبرى حججهم وأقواها، ولذلك فهم لا يتوقفون عن ترديدها وشرحها صباح مساء. يقولون: إن السيادة للشعب، فهو الذي انتخب الرئيس ووكله وفوضه، ولهذا فهو يملك حق نزع هذا التفويض وهذا التوكيل متى شاء، وقد قام بذلك فعلا يوم الثلاثين من يونيو، وبذلك سقطت شرعية محمد مرسي، وأصبح معزولا من الشعب، فاقدا للشرعية، ثم تدخل الجيش فنفذ قرار الشعب. كلام جميل وسليم لغويا وشكليا.
لكن عمليا، يقال لهم: كيف تثبتون إثباتا قانونيا صحيحا أن "الشعب قرر عزل الرئيس"؟ سيقولون: 30 مليونا خرجوا في30 يونيو، فكان ذلك عزلا شعبيا للرئيس.
أقول لهم: هذا يحتاج إلى أمرين: أولهما إثبات العدد المزعوم إثباتا صحيحا لا ريب فيه. وثانيهما إثبات أن جميع من خرجوا يوم 30 يونيو قد خرجوا بنية عزل الرئيس وسحب شرعيته.
فأما رقم 30 مليونا من المتظاهرين، فيحتاج إلى إحصاء دقيق أمين، وإلى شهادات موثوقة، من أهل العدالة والنزاهة، وليس من الخصوم الذين لجُّوا في العداوة، وذهبوا فيها كل مذهب. فهلا أتيتم بمجموعة من القضاة النزهاء ليدرسوا دعواكم وأدلتكم، ويقولوا في وثيقة موقعة: قد خرج من الرافضين لمرسي عدد كذا وكذا.. والذي أعلمه أن تحرياتٍ وتدقيقات حسابية محايدة انتهت إلى أن عدد المتظاهرين ضد الرئيس يوم30 يونيو، يتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين، ولا يمكن أن يكون أكثر من ذلك.
ستقولون هذا كذب وهراء و و و...، نعم ممكن، ولكن ذلك كله يمكن أن يقال عن دعوى 30 مليون، سواء بسواء.
سيقولون أيضا: عندنا حجة موثقة مضبوطة على أن الشعب سحب الشرعية من الرئيس مرسي وعزَلَه، وهي التوقيعات التي جمعت لذلك، وقد بلغ عددها 22 مليونا. أقول: هذه حجة أقرب إلى القبول لو أكملتم خطواتها، بشفافية وبصفة قانونية. وما زال ذلك ممكنا أمامكم. فقدموا توقيعاتكم تلك إلى جهة قضائية مختصة، أو أي جهة محايدة موثوقة، ودعوها تفحص قوائم التوقيعات، ثم تحكم على مدى صحتها وحجيتها وعلى عددها الحقيقي...
فإذا أثبتُّم العدد الأول (وهو30 مليون متظاهر)، وأثبتم العدد الثاني (وهو22 مليون توقيع)، فسيكون عندكم (52 مليونا)، باعتبار أن الذين وقعوا وثيقة صحيحة لم يكونوا بحاجة إلى الخروج يوم30 يونيو، وأفعالُ العقلاء تصان عن العبث. بمعنى أن الذين خرجوا يفترض أنهم غير الذين وقَّعوا، لأن الذين وقعوا أصبحوا في غنى عن الخروج، وطريقتهم أصح وأصرح...
الأمر الثاني الذي تتوقف عليه صحة دعوى العزل الشعبي للرئيس المنتخب، هو إثبات أن من خرجوا ضده يوم 30 يونيو -سواء كان عددهم 30 مليونا أو أربعة ملايين، أو (30+22) أو غير ذلك- قد خرجوا فعلا لأجل عزله وسحب شرعيته، وليس لأي شيء آخر.
فلو أن بعضهم خرج لعزله فعلا، ولكن ثبت أن بعضهم خرج فقط للضغط عليه أو التشهير به، وبعضهم خرج لدعوته للاستقالة، وبعضهم خرج بمطالب سياسية أو اجتماعية، وبعضهم خرج ضده تكسبا أو تحسبا...، لو ثبت هذا التنوع في نيات المتظاهرين -وهو ثابت ومؤكد، بل هو من طبائع الأشياء- لما استقام القول بالعزل الشعبي.
بل حتى خروج من خرجوا لمطالبة الرئيس بالاستقالة من منصبه، أو بإجراء استفتاء على رئاسته، لا يعتبر خروجهم ذاك عزلا أو دعوة إلى العزل. لأن المطالبة باستقالة الرئيس تعني المطالبة بمسار دستوري حضاري منظم، وهي على كل حال تبقى مجرد مطالبة ووجهة نظر.
فمن يدعو إلى الاستقالة لا يكون بالضرورة داعيا إلى مسار انقلابي فوضوي لا دستوري، ولا يعني تفويضا لأحد بعينه بالاستيلاء على الحكم. ولذلك رأينا كثيرا ممن كانوا ضد الرئيس ويدعونه للاستقالة، عارضوا الانقلاب واستنكروه وتبرؤوا منه.
فإذاً الحاجة قائمة أولا لإثبات الأرقام المزعومة للمتظاهرين والموقعين، وثانيا إلى إثبات أن متظاهري30 يونيو جميعا أرادوا وقصدوا العزل الانقلابي العسكري للرئيس.
إذا ثبت ذلك ثبوتا يُعتد بمثله قانونيا وقضائيا، فسيكون عزل الرئيس المنتخب صحيحا لا غبار عليه، قانونيا وفقهيا ومنطقيا. وأما الادعاءات فيحسنها كل واحد، وقد جاء في الحديث الشريف: "لو يُعطَى الناسُ بدعواهم لادَّعى رجالٌ أموالَ قوم ودماءهم، ولكن: البينة على المدعي واليمين على من أنكر". وإذا كان هذا في الخصومات والدعاوي الفردية، فما بالكم إذا تعلق الأمر بدولة وبرئيس دولة؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: متى كان رؤساء الدول يعزلون بالمظاهرات؟ وكيف إذا كانت تلك المظاهرات ملتبسة، وليوم واحد فقط؟ وأي رئيس دولة في التاريخ عُزل بهذه الطريقة؟ أفيدونا هدانا الله وإياكم.
في عالم اليوم لا يخلو شهر واحد من مظاهرات ضد رئيس من الرؤساء أو ملك من الملوك، بل أصبحت مشروعية التظاهر ضد الرؤساء وحرية انتقادهم، ومشروعية التظاهر ضد الحكومات وسياساتها من علامات التحرر والتحضر، وهو ما تحقق بدرجة عالية وتامة في فترة حكم الرئيس محمد مرسي.
وأنا أعفيكم من سجلات التاريخ التي لن تسعفكم بأي حالةٍ عُزل فيها رئيس منتخب بمظاهراتِ يوم واحد، ولكني أضع عليكم تحديا من نوع آخر، وهو ما يلي: إذا كنتم تؤمنون بهذه الطريقة التي اتبعتموها في الإطاحة بالرئيس المنتخب، وتعتبرونها طريقة شرعية صحيحة لعزل رئيس الدولة، فاكتبوها في دستوركم الذي تقومون بإعداده الآن. وحينئذ سيكون لكم فضل التوصل إلى اختراع دستوري غير مسبوق، وستقدمون بذلك خدمة دستورية فريدة، تهدونها إلى شعوب العالم التي لم تهتد إليها بعد.
الحجة الثانية: أَخْوَنَة الدولة
ويقصدون بها أن الرئيس المنتخب كان يعين أعضاء من حزبه وجماعته في وظائف الدولة ومناصبها. وهذه التهمة لا تقل غرابة وغوغائية عن سابقتها...
فأولا: المعروف والمعهود في جميع الدول قديما وحديثا، أن الرؤساء يُعيِّنون -بحسب صلاحياتهم- من يرونهم ذوي أهلية وكفاءة، ثم يحاسَبون بعد ذلك ويُحَمَّلون نتائج تعييناتهم.
وأما في الدول الديمقراطية الحديثة، فرئيس الدولة المنتخب -أو رئيس الحكومة- ملزم بأن يعتمد أساسا على حزبه وفريقه، حتى لا يبقى له عذر في أي فشل أو تقصير، وحتى يكون حزبه الذي رشحه وزكاه وأيده شريكا معه في نجاحه أو فشله. ثم يكون الحكم عليه وعلى فريقه في الانتخابات الموالية.
وثانيا: كم هي نسبة هذه "الأخونة" التي تتحدثون عنها؟ ها أنتم الآن -يا خصوم مرسي- تملكون الدولة كلها، من رأسها إلى أخمص قدميها، فقدموا للشعب القائمة الكاملة بأسماء من عينهم الرئيس من حزبه وجماعته، ثم قولوا لنا بعد ذلك: كم نسبتهم إلى غيرهم من أصحاب الوظائف والمناصب في الدولة المصرية؟
لا شك أن تهمة "أخونة الدولة" إنما هي فرية مخترعة، ومجرد فكرة دعائية تحريضية، فهي أولا ليست صحيحة بتاتا، وثانيا لو أنها صحت لكانت هي عين الصواب.
يا معشر الديمقراطيين سابقا: لماذا لا تتهمون -مثلا- الرئيس باراك أوباما ب"دمقرطة الدولة"، أي أنه قام بتعيين وزرائه وكبار معاونيه وكبار مسؤولي الدولة من حزبه الحزبِ الديمقراطي؟ ولماذا لم تتهموا مِن قبلُ جورج بوش ب"جمهرة الدولة"، مع أن تعييناته كانت في معظمها من الحزب الجمهوري ومن المحافظين الجدد؟
الحقيقة أن جميع الأحزاب الحاكمة ديمقراطيا، وجمع الرؤساء المنتخبين ديمقراطيا، يقومون -في أول ما يقومون به- بأخونة الدولة والحكومة، لكي يتأتى لهم تحمل مسؤولياتهم، وتنفيذ سياساتهم وبرامجهم التي انتخبوا على أساسها وسيحاسبون على مدى تنفيذها. ثم بعد ذلك يجدد لهم أو يطاح بهم عبر الطرق الديمقراطية المتحضرة.
فبقي أن الاستثناء الديمقراطي الوحيد هو الرئيس محمد مرسي. فهو الوحيد الذي لم يقم بالأخونة إلا بنسبة ضئيلة جدا، تعتبر هزلية ومهزلة في عرف الأنظمة الديمقراطية. وهو الوحيد الذي اعتبرت شبهة الأخونة في حقه جريمة لا تغتفر. وهو الوحيد الذي أطيح به بتهمة الأخونة التي لم تقع.
الحجة الثالثة: ارتكاب أخف الضررين
هذه الحجة اختص بها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. فقد برر تأييده للانقلاب العسكري بكونه أخفَّ الضررين. بمعنى أن تنحية الرئيس المنتخب واعتقاله، وإلغاء الدستور المعتمد من الشعب، وحل مجلس الشورى المنتخب، واستيلاء قائد الجيش على الدولة وعسكرتها، وما رافق ذلك منذ ساعاته الأولى من اعتقالات وإغلاق للقنوات الإسلامية.. وما تبعه من أحداث ومظالم رهيبة ما زلنا نعيش أطوارها وآلامها.. كل ذلك عند شيخ الأزهر يعتبر أخف الضررين، ولا ندري ما هو الضرر الأشد الذي تم درؤه؟ وهل هناك ضرر أشد من هذا الذي نراه يتناسل ويتواصل؟
السؤال هنا هو: كيف تأتى لشيخ الأزهر أن يعرف ويقدر أخف الضررين، مع أن الأمر يتعلق بدولة وشعب وأجيال قريبة وبعيدة، ويتعلق بالأمن والاستقرار وشرعية الحكم، وبالاقتصاد والدين والأخلاق، وله انعكاسات على الأمة العربية والإسلامية بأسرها؟
نعم يستطيع الشيخ تقدير أخف الضررين بسهولة إذا كان المقصودُ أخفَّ الضررين في حقه هو شخصيا، في منصبه ومصالحه الدنيوية وانتمائه السياسي.. فمن هذه الناحية لا شك أن أخف الضررين عنده هو التنكر للرئيس مرسي، ومبايعة الجنرال السيسي.
أما تقدير أخف الضررين على مصير دولة وشعب وأمة، في الحال والمآل، فشيخ الأزهر الحالي من أبعد الناس عنه وأعجزهم عن البت فيه. ولو كان أحمد الطيب فقيها أو مارس القضاء مثلا، لكان أقرب إلى المسألة، لكننا نعلم أن تخصصه إنما هو علم الكلام، وعلم الكلام -كما هو معلوم- مجاله الغيبيات وما فوق السماوات، ولا صلة له بالأرض ومشاكلها.
ولو أن شيخ الأزهر أراد -حقا وصدقا- أن يقدر أخف الضررين فيما بين عزل الرئيس وحبسه، أو إبقائه ومساندته، وأن يستصدر في ذلك فتوى أزهرية أو موقفا أزهريا يَسترشد به المعنيون بالأمر، لكان قد جمع لذلك هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو جبهة علماء الأزهر، أو مكتب الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، بدل أن يهرول بمفرده إلى الانخراط في المؤامرة وتزكية هذا المسار الدموي المظلم الذي أدخلوا فيه البلاد والعباد.
____________________
عالم مغربي متخصص في فقه المقاصد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.