مازال مسلسل هروب الكوادر المصرية، يلقي بظلاله على الساحة، ويهدد مستقبل البلاد التي دمرها فساد العسكر، بعد أن فقد الشباب الأمل في تحسين الظروف المعيشية ، واضطر الكثير للبحث عن فرصة أفضل خارج القطر المصري، تساعده على الإبداع واستغلال الطاقات الكامنة بداخله. أخطر ما في مسلسل "الهروب الكبير" ، هو هروب الأطباء، وهم المقياس الحقيقي بالإضافة إلى المعلمين، لقياس نهضة أي امة، حيث تقاس نهضة الأمم بالتعليم الجيد والصحة الجيدة. تقول الدكتور منى مينا، أمين عام نقابة الأطباء، إنه لا يمكن النهوض بالمنظومة الصحية دون حل مشاكل الأطباء، وهىي عديدة ومستعصية، مؤكدة أن نصف الأطباء المصريين تقريبًا يعملون فى الخارج ، نتيجة صعوبة أوضاعهم التي دفعتهم إلى الهجرة بغرض تحسين أوضاعهم. يذكر أن عدد الأطباء المقيدين بالنقابة بعد حذف الموتى والمحالين إلى المعاش يبلغ 220 ألفا، منهم 120 ألف طبيب خارج مصر. وأرجعت منى مينا هذه الهجرة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر، وانهيار الحالة المعيشية، مضيفة أن مشاكل الأطباء عديدة ومتعددة ويمكن تلخيصها فى خمس نقاط. وجاءت النقطة الأولى خلال حوار صحفي لمنى مينا مع إحدى الصحف الخاصة، فى ضعف الأجور والمرتبات، موضحة أن الطبيب متوسط مرتبه 2000 جنيه فقط، وبعد سنوات عديدة من الخدمة، وعند خروجه إلى المعاش يكون مجمل ما يتقاضاه 6000 جنيه. واعتبرت الصحيفة ما قالته الدكتورة منى مينا، يدخل فى دنيا العجائب! وقالت لها: معروف أن كشف الأطباء يصل إلى مئات الجنيهات يوميًا يعنى فى أقل من عشرة أيام يمكن أن يكسب 6000 جنيه.. فكيف تقولين إن الأطباء فقراء؟. وأجابت: هؤلاء الذين يتقاضون آلاف الجنيهات قلة ضئيلة جدًا وعددهم 1%، وأنا لا ألومهم، فالدكتور إذا أقبل عليه الناس فلا بد من رفع أجرته، لكننى ألوم المنظومة الصحية كلها فهى التى تسمح بذلك؛ لأن الناس ليس عندها ثقة فيها فيقبل القادرون منهم على هؤلاء الأطباء أصحاب الدخول العالية والكشف الغالى، أما غالبيتهم العظمى فإنهم من الغلابة!!. وعزت منى مينا الهجرة إلى الحرمان من الدراسات العليا، وقالت إن "هذه مشكلة بالغة الخطورة، فالجامعات فى مصر لا تستوعب أكثر من 5000 سنويًا، بينما الراغبون فى إكمال دراستهم العليا يبلغ 9000 !!، والدكتور ولا حاجة إذا لم يحصل على الماجستير والدكتوراه، بعكس الكليات الأخرى. ويؤدى ذلك إلى بلوى أخرى، هى الارتفاع الباهظ فى رسوم تلك الدراسات، ولا يقدر عليها أغلبية الأطباء!! وتقول "منى مينا" للأسف ليست هناك أى خطوة من أجل حل هذه المشكلة، وهذا أمر يؤسف له بالطبع". وأشارت إلى الظروف بالغة القسوة، التي يمر بها الأطباء، فالمعروف أن الإنفاق الصحى ثالث أغلى بند فى إنفاق المصريين بإجمالى 10% من الدخل بعد الطعام 34.4% والمسكن 17.5% ولا نتحدث عن جودة الخدمة أو سعرها بل عند مجرد وجود مكان أصلاً حين تظهر أى صورة لمستشفى حكومى ينام به المرضى على الأرض يكون التفسير السهل أن الأطباء مقصرون، بينما التفسير الحقيقى أنه لا يوجد مكان، وتشير الإحصاءات إلى انخفاض عدد أسرة المستشفيات الحكومية والخاصة فى مصر من 149.9 ألف سرير عام 2004 إلى 108 آلاف سرير عام 2014 وفى نفس الفترة ارتفع عدد السكان من 70 إلى 90 مليونًا. وحذرت من الاعتداء على الأطباء، وقد تكرر كثيرًا لسوء الرعاية الصحية المقدمة للأهالى فى المستشفيات الحكومية، بسبب نقص الإمكانيات فيغضب هؤلاء ويصبون غضبهم على الأطباء الذين هم فى الخط الأمامى من الخدمة، أو الشماعة التى يعلق عليها الجميع أخطاءهم!!. وأشارت مينا إلى تفشى العدوى بين الأطباء نتيجة النقص الفادح فى النظافة والتعقيم وإجراءات السلامة، وأدى ذلك إلى إصابة العديد منهم بأمراض قاتلة، خاصة فى الجهاز التنفسى والدم وأمراض الكبد، وصدق أو لا تصدق يحصل الدكتور على بدل عدوى قدره 19 جنيهًا فقط، وبعد سنوات عديدة من الخدمة يرتفع المبلغ إلى 30 جنيهًا. يشار إلى أن الهجرة الخارجية لم تتوقف على الأطباء، ولكن انتشرت بين لاعبي كرة اليد وألعاب القوى، والمصارعة، وكان آخرهم محمود فوزي – نجم منتخب مصر السابق للمصارعة الذي كشف عن أسباب قراره الخاص بالحصول على الجنسية الأمريكية لتمثيل الولاياتالمتحدة في البطولات القادمة . وقال فوزي في مداخلة مع برنامج "العاشرة مساءً" الذي يقدمه إعلامي الانقلاب وائل الإبراشي إن المنتخب استبعده مجاملة للاعب يُدعى أحمد عجينة بعد وساطة من المهندس محمد فرج عامر ، رئيس نادي سموحة . وأضاف: "أنا أتكلم الآن لأنني أتألم على حال لاعبين يلعبون باسم منتخب مصر ويتعرضون للتجاهل ، أما بالنسبة لي فلن ألعب باسم مصر مرة أخرى .. انتهى الأمر".