يرى خبراء أنه لم يرشح حتى الآن ما هو أهم من لقاءات الرئيس الصيني في الإمارات، إلا أن الأخيرة ستناور بالتأكيد، وقد تسعى إلى استخدام جميع الخيارات المتاحة في آن واحد، بالنظر إلى "مصيرية" الملف بالنسبة لها، وفي كل الأحوال، سيكون لتحدي العملاق الصيني أثمان باهظة. وأنه قبل زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينج؛ "التاريخية"، إلى الإمارات، ظهر على السطح صراع بين البلدين على النفوذ في جيبوتي، مبرزًا أهمية تلك الدولة الصغيرة، وأكثر منها منطقة القرن الإفريقي ككل، "استراتيجيًا" بالنسبة لبكين، و"مصيريًا"، إلى حد كبير، بالنسبة لإمارة دبي على وجه الخصوص. وتعنى الصين بامتلاك موطئ قدم بل مواطئ على امتداد هذا الطريق التجاري، الذي يعد الشريان الرئيسي لاقتصادها العملاق، وقد تنامى ذلك الاهتمام منذ إطلاقها استراتيجية "الحزام والطريق"، عام 2013. تتضمن الرؤية الطموحة تطوير عدة مشاريع في عشرات دول تشكل ممرات أو أسواق لمنتجاتها أو مصادر للمواد الخام، بتكلفة إجمالية تبلغ ترليون دولار، وأعمال قد تستغرق عقودًا، لتتحول الاستراتيجية إلى العمود الفقري لسياسة البلاد الخارجية. وظهرت أولى إشارات ذلك التحول المحتمل للصين في جيبوتي بالذات، التي استضافت العام الماضي أول قاعدة عسكرية تنشئها الصين خارج أراضيها. اصطدام إماراتي ويرى متابعون أن الإمارات امتلكت الجرأة لتحذير التنين الصيني وتهديد نفوذه المتسارع في البحر الأحمر وخليج عدن. في منتصف يوليو الجاري وقبل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات، ظهر على السطح صراع بين البلدين على النفوذ في جيبوتي. حيث هددت شركة موانئ دبي -الذراع الاقتصادية والإستراتيجية للإمارات- باتخاذ إجراءات قانونية ضد جيبوتيوالصين على خلفية إنشاء الأخيرة منطقة تجارة حرة دولية في محطة حاويات دوراليه على سواحل جيبوتي، حيث تزعم الشركة الإماراتية امتلاكها امتيازات تطويرها بموجب اتفاقيات سابقة. وتابع المراقبون أن التهديد بتقديم شكوى لدى القضاء الدولي لن يفلح في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة. وقد يكون الاستسلام بصيغة اتفاقية تضمن لدبي موقعا مهما على الطريق التجاري الصيني أمرا واردا وإن أدى إلى تقليص طموحات الإمارات الكبيرة، وأثار استياء لدى حلفائها الأمريكيين. عاقبة الاحتكار وجاء التحذير بعد أسبوع من إطلاق بكين المرحلة الأولى من أعمال إنشاء المنطقة التي يُخطط لها أن تكون الأكبر من نوعها في أفريقيا، وبعد أسابيع من إلغاء جيبوتي امتيازات الشركة الإماراتية التي تعود إلى عام 2004 وتمتد 50 عاما، بزعم أنها تنطوي على انتهاك صارخ لسيادة الدولة والمصالح الوطنية. وبدعم من الصين افتتحت جيبوتي مشروعا ضخما يتمثل في منطقة للتجارة الحرة هي الكبرى في إفريقيا، وبدا المشروع بمثابة رد على تحركات الإمارات في البحر الأحمر ومحاولاتها محاصرة موانئ جيبوتي وعزلها. ووفق خبراء فإن افتتاح المنطقة الحرة في جيبوتي سيحول ميناء جبل علي في مدينة دبي إلى شبه ميناء داخلي، وهو ما يعني الإضرار بشريان رئيسي لتجارة الإمارات الساعية لمد نفوذها التجاري والسياسي في القرن الأفريقي واليمن من بوابة السيطرة على الموانئ. معبر معتبر تجدر الإشارة إلى أن جيبوتي، وما تزال حتى اللحظة، تُشكّل معبرًا رئيسيًا لصادرات وواردات إثيوبيا، الدولة الإفريقية الكبرى، المحرومة من سواحل بحرية، نظرًا إلى الخلافات الحادة بين أديس أبابا وأسمرة، والاضطرابات في الصومال. إلا أن إعادة البلدين الجارين جسور التواصل بينهما، قد يفرز ظهور إريتريا كبديل للموانئ الجيبوتية، برعاية إماراتية، ولكن هذه المرة من خلال عمل حقيقي وكبير لمنافسة الحضور الصيني، وتعويض الخسائر المحتملة للموانئ المحلية، واستعادة ثقة دول المنطقة. ولكن هذا الخيار يواجه العديد من التحديات، أولها تمتع أديس أبابا بعلاقات جيدة مع بكينوجيبوتي، وقطع الأخيرة أشواطًا في إنشاء البنى التحتية الاقتصادية التي تفتقر إليها إريتريا، إذ أعلنت العام الماضي عن العمل على إنشاء ثلاثة موانئ جديدة وسكة حديد تربطها بأثيوبيا. يُذكر أن أبو ظبي تتمتع بالفعل بعلاقات جيدة مع أسمرة، وقد سمحت الأخيرة لها باستخدام ميناء "عصب" في إطار حرب اليمن، التي تخوضها إلى جانب السعودية ضد "الحوثيين"، منذ سنوات.