سئلت في حوار مع قناة فضائية عن تعريف "المتطرف"، وكان المنتظر أن أفزع إلى إدانة المدان بحسب ما بدا لي، وهو أمر لا ينكر، ولكن حاولت أن أدخل المشاهد في سياق الحدث، فقلت: المتطرف هو كل من يصحح مواقف السلطة وفي جميع الأحوال، وهو بهذا التصرف مشروع متطرف، ومستصلح للفضاء ليكون صالحا لزراعة التطرف؟ ولهذا فإن من يقول في جميع الأحوال بأن السلطة الحاكمة على صواب متطرف بامتياز، ولا يصلح أن يكون فقيها مرشدا، فضلا عن أن يكون موثوقا في دينه، لأنه للأسف الشديد، يكتب حاشية على متن المتغلب طمعا في وظيف أو ترقية فيه، أو طلبا لرغيف او رغيف محسن، ومن كان هذا شأنه فهو عبد القرش لملْء الكرش، ومن كان همه بطنه فقيمته ما خرج منه. سمعت هذه الأيام أمورا هالتني من أشخاص ينسبون إلى علم، ولكن ما حفظوا له وقاره، ينسبون إلى أهل الفضل ولكنهم ضيعوا حسنه وبهاءه، فكانت تصريحاتهم مشينة بهم ومزرية بهم، فبعضهم يدعو للظالم لينصره الله على المظلوم، وآخر يدعو على المسحوق ويدعو للساحق السفاح في وضح النهار، حتى أن من به خلال كريمة ضيعها، ومن كان جامعا أصبح مفرقا، وبعضهم الآخر بلع لسانه، فلم يعد قادرا على مناصرة الحق ولا إنكار الباطل، وللدلالة على المراد - لن أتوقف عند الأسماء، لأنها ليست قضيتي - سأذكر نماذج من الترهات والجنون الذي سمح لنا بالتعرف على سخفاء ما رأينا مثلهم. قالوا عن المقاوم السلمي للظالم السفاح أنه خارجي، قلت فما الخارجي: الخارجي هو الذي يستحل دماء المسلمين وممتلكاتهم، فمن استحل دماء المسلمين المسالمين، وحرق ممتلكاتهم، وحرض عليهم تنظيرا وتدبيرا وتنفيذا؟ وقتلهم بلا شفقة، وبطريقة تستحي معها الهمجية أن تنسب إليها تلك الأفعال، وترفض أن ينسب إليه بشر من هذا الصنف، لأنهم فقدوا كل معاني الإنسانية، بل تنأى البهائم القائمة سياستها على المخلب والناب أن ينسب إليها، لأنها لا تستعمل الناب أو المخلب في غير ضرورة ملجئة، أما عسكرنا البواسل في مصر، فيقتلون بلا أدنى رحمة، بلا أدنى تردد، تنسف سيارات الإسعاف، وتدمر المساجد،...فأيهما خوارج، السلميون الذين بصدورهم العارية يواجهون أدوات القتل، أم من الذين اقترفوا المحرقة؟؛ فإذا كان لنا أن نقول من هم الخوارج في العرف الإنساني وليس في الاصطلاح الشرعي: لقنا بلا تردد أو تلعثم، الخارجي هو: كل من استحل دم وممتلكات أي معارض لا لشيء إلا لأنه معارض، وهؤلاء في الغالب فقدوا معنى الانتماء إلى الوسط الشعبي الذي يعيشون بينهم، فلا يعبرون عن آلامه ولا عن آماله، بقدر ما يعيشون لذواتهم وكل ما من شأنه أن يحفظ وجودها، فيكون خوارج هذا الزمان هم: - الذين مولوا القتلة، هم مصدر الطاقة المادية الباعثة على تنشيط القتل، وفروا المال، والوسائل، والإعلام، و...وهؤلاء فيهم العرب والعجم والغربيون، وكل يعرف باسمه ومملكته وإمارته ودولة وسوقه. - الذين نظَّروا للقتل، وسوغوا الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها بكل وسائل القوة الباطشة، وهؤلاء أيضا فيهم الليبراليون الذين- لا يؤمنون بحرية الآخرين، بالرغم من أن اللبرالية قيمتها الأساسية الحرية- ، فيعتبرون المجتمع غير المتوافق معهم في التوصيف ليس حريا بالحرية، والقتل حقه ونصيبه، ويلحق بهم يساريون وشعبيون لا يؤمنون بالعدالة الاجتماعية التي من معانيها الرئيسة الحق في اختيار المواطن من يحكمه، وهؤلاء يرغبون في الوصول إلى السلطة و الحفاظ عليها، فيستمرئون كل وسائل القتل في التعامل الشعوب التي لا تختارهم، ويلحق بهم بعض موظفي الإدارة الذين استمرأوا دفء المناصب، فمالوا عن كل عن مال اختيارهم، ولو أفضى الأمر إلى قبول تصفيته الجسدية، كما هو الحال في فسيفساء بلطجية جبهة الإنقاذ الوطني كل باسمه ورتبته. - العسكر الذين قبلوا التآمر على المجتمع، واستحلال دماء وممتلكات المسالمين لأنهم عارضوا الظلم المسلط عليهم، ومن هنا فإن رأس خوارج الزمان بالمعنى الإنساني السياسي العام هو الفريق السيسي، لأنه جاء لأجل تفادي الحرب الأهلية –كما ادعى- بتسريع إيجادها، من خلال مسرحية التفويض الشعبي باستحلال دماء المستضعفين وممتلكاتهم. - فقهاء بلا فقه، وهؤلاء لجهلهم بمقتضيات السياسة ومآلات التصرفات السياسية وتداعيات الزحام السياسي، أو لكونهم مكلفين بمهمة منع" الشرعية الشعبية من الوصول إلى السلطة"، وقد يكون البعض الآخر مورطا بأساليب ملتوية لصناعة وعي مزيف أو تزييف الوعي بواقع الصراع السياسي الذي تحول إلى قتل وليس تقاتل كما يريد تصوريه بعض الغافلين أو المتغافلين، وهؤلاء في الموقف من المسألة على آراء متباينة: 1- اعتبر بعضهم أن الذين انقلبوا على الشرعية هم أهل العقد والحل، ولا ندري وفق أي قاعدة شرعية أو سياسية أو منطقية أو عقلية أو نباهة سياسية، اعتبر من لا صلة لهم بالدين علما وفهما والتزاما جديرا بمنصب أهل العقد والحل، بل الأدهى أن يكون راهبا من أهل الحل والعقد؟ 2- اعتبر البعض الآخر السيسي إماما متغلبا (وإن كنت لا أوافق على الإطلاق مبايعة الإمام المتغلب)، والإمام المتغلب أصلا إمام اجتمعت عليه الكلمة، فهل اجتمعت الكلمة على السيسي، أم أنه جمع شذاذ الآفاق، وأرسل معهم الدبابة والطائرة لقتل كل معارضيهم، فالقول بأنه إمام متغلب فيه كثير من المجازفة المنهجية والعلمية، يستشف منها أن القائل عبد مأمور، وليس حرا منتجا للمعرفة السياسية الرصينة. 3- أجاز بعض المجانين من المنتسبين إلى علوم الشريعة للمنقلبين على الشرعية الشعبية قتل مخالفيهم لأنهم سدوا الطريق أو عطلوا المرور، لا ندري في أي شرع وجدتهم هذا الجنون، الذي ليس له إلا معنى واحد مفاده أن هذا "العالم" مأجور، يكتب حاشية على متن ولي نعمته، الذي ليس في مقدوره أن يفكر في رد طلبه، وفضلا عن هذا البشر الذين لا يميزون بين الشرع السياسي وأدبيات السياسة الشرعية، جاهلين للفروق الدقيقة بينها، فالأولى لا يمكن تسقط بأي حال من الأحوال، من نحو قيمة الشورى، من نحو ما اختاره الإمام أو من يقوم مقامه أو الجهة المفوضة من قبله في اختيار رأي سياسي، أما الثانية فيمكن أن تسقط وإنْ كانت مجمعا عليها في وقتها، لأنها في الغالب مؤسسة على المصلحة، فتتبعها وجودا وعدما، فما المصلحة مثلا في السكوت على متغلب (مع تحفظنا على الفهم والنظر والتدبير والتنزيل) منقلب على الشرعية الدستورية والشعبية؟ إن المفسدة المترتبة عليها مفسدة ما بعدها مفسدة. 4- والخوارج في الاصطلاح الإنساني العام وفق ما ألمحنا إليه أعلاه، له ذات معنى الإرهاب بمعناه السلبي المتداول لا بالمعنى الشرعي، والذي من مقتضياته استعمال وسائل "الإرهاب" لا لأجل الإرهاب الذي يعني التخويف ولا يعني القتل بالفعل، (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..) (الأنفال: 60 (أما لأجل التقتيل أو الحرمان من الحقوق، فيكون كل من شجع الانقلابيين على الشرعية، هؤلاء الذين حرقوا المساجد، وحرقوا الكنائس ووعدوا بترميمها، ممولين للإرهاب، ومن مول الإرهاب العسكري لا يكون إلا شريكا له في الوزر والعار والشنار، والمستقبل العاجل في الدنيا والمستقبل الآجل في الآخرة. 5- طلع علينا "فقيه" أزهري - في سياق تحليل الواقع السياسي بعد الانقلاب على إرادة الشعب - بالإغراق في التاريخ، متعاميا عن واقع الصراع السياسي الذي استعملت فيه وسائل الدولة من قبل العسكر لصالح الفاشلين سياسيا والفاشيين اجتماعيا، فعوض أن يركز على القضايا ذات الصلة بالموضوع المتنازع حوله، وهو استعمال وسائل الدولة من قبل الجيش لقهر خصم ظاهر في الانتخابات لصالح راسب بكل المعايير في العملية السياسية، قلت: عوضا عن التركيز على مناط النزاع، راح يغرق الساحة بمعلومات عن أحداث 1954، 1965،...كل ذلك ليصرف المستمع عن أصل المسألة المتنازع حولها، ومما تعلمناه في مقتبل العمر أن من غير مناط النزاع، وشغب على الموضوع، دل تصرفه على ضعف حجته، وقلة حيلته في تقديم تحليل قويم للمسألة ذا الصلة بصلب الموضوع، وقد طلع علينا هذا "العالم" في حوار مع قناة لا تحسن إلا تشويه صورة الجهة التي كلفت بإدانتها، حتى أن قنوات غير عربية وغير إسلامية تنأى بنفسها عن أن تكون على هذا النمط من التحريفية المقصودة والتشهير المفضوح بمن لا يروقه تحليلها ومواقفها المشبوهة، التي كثيرا ما تقر لها أعين أعداء الأمة في الغرب والشرق، وعالم هذه مواقفه وهذا تشغيبه لا يمكن أن يكون بلسما شافيا، بل سيكون سما قاتلا، يصب النار على الزيت، كأنه يقوم مقام إبليس وأعوانه في العرب والعجم في التحريش بين أهل البلد الواحد، وتحريض من امتلك السلاح على تصفية الآخر، وهذا بدوره عون من أعوان خوارج الزمان. 6- بعض "الفقهاء" الذين لا فقه لهم، وضمائرهم إما غائبة أو مستترة، أو لا يعرفون من الضمائر إلا ضمير المخاطب والغائب، فهو إما عبد مأمور أو مخاطب من خلف ستار، فلا يعرف ضمريي المتكلم الفرد أو الجماعة إلى قلبه سبيلا، إلا إذا كان في مقام نقل توجيهات أسياده كأنها صادرة عنه، ومن كان غير مالك لزمام أمره، كيف له أن يكون معبرا عن الشهادة الشرعية إن كانت مخالفة لخارجي متترس بقوة السلاح، مثل السيسي و أزلامه، للأسف أن تجد الرجل منتسبا للفقه لا ينبس ببنت شفة في معارضة القاتل، ولا يفزع إلا لإدانة الضحية، وهذا مما لا يرضاه أسوياء عامة الناس ، فكيف يرضى به من ينسب إلى الفقه؟ إذا رضي به ورافع عن الخارجي السفاح السيسي، فهو دعي علم أو منافق أفاك، ضيع زمام قيادة نفسه إلى الخير، فكيف يكون قائدا للآخرين إلى إصلاح أنفسهم. وأخيرا فإن الخوارج هم من خرجوا عن نوع عقد سياسي تم بموجب انتخابات حرة ونزيهة شهد الجميع على سلامتها من جميع الشوائب، هذا العقد الذي يعد مجاوزه بقوة السلاح خارجا عن القانون والشرعية، فإذا اجتمع هذا الخروج إلى التقتيل بدم بارد، فسيجعل من مقترفه رأس الخوارج في هذا الزمان، وليعلم أبناؤنا في قوات الأمن في الداخلية أو الجيش أن القتل قضية شخصية، يحاسب المباشر للقتل أمام الله، ولا تبرأ ذمته بنسبة الفعل إلى غيره، مهما كان الآمر، لأن الذي أُمِر بالقتل أولى له عند الله أن يلقى الله مقتولا من أن يلقاه قاتلا. وبعد هذا كله فإن الخوارج هم الذين استحوذوا على الحكم بالإجهاز المادي على خصومهم السياسيين، وحافظوا على سلطانهم بذات الوسيلة، لهذا فكل من وصل إلى الحكم بغير إرادة المجتمع، وحافظ على الحكم بغير تلك الإرادة هو خارجي في السياسية وخارجي في النظام الدستوري، فضلا عن النظام الاجتماعي والأخلاقي، الذي معناه عدم الاعتراف بحق المجتمع في تقرير مصيره السياسي، كأنه يقول بحاله قبل مقاله، أصواتكم ليست لنا حاجة بها، وأنتم لستم أهلا لتقرير مصيركم، لأن مصيركم بيد خوارج العصر الذين وصلوا إلى الحكم بالانقلاب ويحافظون عليه بالدبابة، ومن ناصرهم من الملوك والأمراء والرؤساء والدول الغنية والفقيرة هم على شاكلتهم أنصار خوارج العصر. ويستشف من كل ما سبق أن التظاهر السلمي في مصر هو كشف لخوارج الزمان، الخوارج الذين لا يشبهون قيد أنملة المحكمة "خوارج " الذين عرفناهم في تاريخنا، فهؤلاء كانوا يحرمون الكذب، أما خوارج زماننا فقد نشأوا بكذبة (30/6) و كذبة (30 مليون في مساحة لا تسع في أحسن الأحوال لأكثر من800 ألف نسمة) واستمروا بكذبة (التفويض الشعبي)، وكذبة (القضاء على الحرب الأهلية، فأسس لها)، ويُشْهرون بالانقلاب بالكذب الصريح، الذي كان له مفعول التشهير بناقله وناشره، وقد لاحت تباشير الفجر، وقد تأكد المغرر بهم في جيشنا وقوات أمننا والبسطاء من مواطنينا بأن خوارج العصر الكذب ديدنهم والكذب وسيلتهم، والكذب قُوتُهُم، وليعلم هؤلاء الخوارج بأن الكذب لا يؤسس إلا لتخصيب أوهام، تلك الأوهام التي إذا خصبت تطهرت من كل حقيقة، وكلما تصفت من الحقيقة أكثر كانت في الخبث أظهر، وأيامها أقصر، لهذا نقول لخوارج الزمان الذين استحوذوا على سلا ح شعبنا وحالوا توريط جشينا إن أيامكم مهما طالت فهي قصيرة، وإن السلمية ستسحقهم بسلميتها وإصرارها على السلمية كإصراركم على العسكرة، لأن شعبنا يعلم يقينا أن خوارج الزمان يستمدون عناصر بقائهم من عسكرة النزال السياسي، فالحذر الحذر الحذر من العسكرة، لأن السلمية مُبِيدٌ فعال لعسكرة الحياة السياسية، ومستأصل مجرب نافع للقضاء على خوارج الزمان، وسيخرجون من الواقع المصري بلا أدنى شك، هذه ثقتنا في الله، فالسلمية بلا عنفيتها تكتسح الأرض، فتحافظ على تجنيد النابه الفاهم، وتقضي على تردد المترددين، وتوضح الصورة للمغرر بهم من أبنائنا في كل طبقات المجتمع، وبهذا يسترجع المجتمع حضوره في ميدان الشراكة السياسية الحقيقة وتحمل تبعاتها، ويؤكد المجتمع أن السلاح لا يملك التعبير عن إرادته ولا الحيل السياسية يمكن أن تصرفه عن حقه في تقرير مصيره، ولا شيطنة الخصم السياسي يمكن أن تغير صورة خوارج الزمان في وعي المصريين، يسقط خوارج الزمان، يسقط أنصارهم في المشهد السياسي والإعلامي، ويسقط معهم كل من خذل الحق وناصر الباطل، ولن يسكت أهلنا على هؤلاء الخوارج الذي ليسوا إلا قطاع طرق بسلاح الشعب أرادوا أن يحكموا شعبنا بغير إرادته، أي بلا انتخاب. _________________ مفكر جزائري