سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 20 مايو 2024    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    إعلام إيراني: العثور على موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    قلق خليجي بشأن الطائرة المروحيّة التي تقل الرئيس الإيراني    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    اليوم.. علي معلول يخضع لعملية جراحية في وتر أكيليس    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    درجة الحرارة تصل ل 41.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    د.حماد عبدالله يكتب: العودة إلى الماضى والنظر إلى المستقبل    عمرو أديب عن جلسة أوبر أمام البرلمان: احترموا مشاعر المصريين    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    أيمن يونس عن فوز الأبيض بالكونفدرالية: «الزمالك استعاد هيبته»    هيا نقرأ معاً.. قصور الثقافة تشارك معرض زايد لكتب الأطفال بفعاليات وورش إبداعية    لبيب: جمهور الزمالك كلمة السر في الفوز بالكونفدرالية وفخور بتهنئة الرئيس    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    فوز الزميلين عبد الوكيل أبو القاسم وأحمد زغلول بعضوية الجمعية العمومية ل روز اليوسف    جماهير الزمالك تحتفل بالكونفدرالية أمام مقر النادى بالشماريخ    حسام وإبراهيم حسن يهنئان نادي الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    شيخ الأزهر مغردا باللغة الفارسية: خالص تضامننا مع إيران    الشرق الأوسط بات على شفير الهاوية.. ومقاربة واشنطن المضلّلة    الأمم المتحدة: ما يحدث في غزة تطهير عرقي أمام العالم    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    العراق: المفاوضات مع الشركات النفطية الأجنبية بإقليم كردستان لم تحقق أي تقدم    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    مستشار اتحاد الصناعات: على الدولة إعادة النظر في دورها من مشغل إلى منظم    مقرر لجنة الاستثمار بالحوار الوطنى: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عمر الشناوي: لو تم تجسيد سيرة جدي سيكون الأقرب للشخصية إياد نصار أو باسل خياط    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    تقرير رسمى يرصد 8 إيجابيات لتحرير سعر الصرف    النائب أحمد الشرقاوي: قانون إدارة المنشآت الصحية يحتاج إلى حوار مجتمعي    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية.. الإفتاء توضح    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تروي تفاصيل يوم ونصف من المعاناة والحصار والاعتقال

نقلنا المباشر للصورة أنقذ مسجد الفتح ومن فيه من مذبحة جديدة
النساء ضربن أروع الأمثلة في الثبات والصمود ورفضن الخروج بدون الرجال
في أحداث حصار مسجد الفتح بميدان رمسيس يومي الجمعة والسبت الماضيين، نجحت الإعلاميات في غل أدي الانقلاب عن تنفيذ مخطط حرق المسجد وقتل من فيه، حيث نجحت "هبة زكريا"، و"شيماء عوض" في فضح الأكاذيب بأن المحاصرين معهم سلاح أو أنهم معتصمين بالمسجد، فأوضحوا الصورة علي حقيقتها بأنهم محاصرين، ولا يريدون سوي الخروج الآمن الذي يضمن عليهم حياتهم وكرامتهم.
وقد قضي الجميع – خاصة من أهالي المحاصرين- ليلة السبت الماضي في بالغ القلق والترقب؛ لما قد يلاقيه ذويهم وعدم معرفة ماذا سيكون مصيرهم في الدقائق المقبلة. ومع ذلك كانت هناك نماذج مشرفة من الثبات والصمود، ومن بينهم أهل الصحفية هبة زكريا، والتي أكدت والدتها في اتصال لنا معها في تلك الأوقات الحرجة :"أنها "هبة" وقد وهبتها لله"، وهو بالطبع أمر بالغ الشدة والألم علي قلوب الأمهات، خاصة وهي تشاهد بالبث المباشر، واحدي المحاصرات مع ابنتها تكتب لها اسمها علي جسدها، حتي إذا تمكنت ميليشيات الانقلاب من قتلها، يعثر أهلها عليها.
في شهادتها علي تلك الأحداث، روت لنا "هبة زكريا" الصحفية، ومراسلة وكالة أنباء الأناضول، تفاصيل تلك الساعات، وما قد عاينته فيها بالضبط فيها من خطوب وصعاب.
مسرح الأحداث

بداية وحول سبب وجودها في مسجد الفتح يومها، تقول "هبة": كنت أقوم بتغطية مسيرة مدينة نصر، والتي خرجت من مسجد السلام في إطار تشييع عدد من الجنازات من بينهم جنازة "أسماء البلتاجي" نجلة محمد البلتاجي القيادي بحزب الحرية والعدالة، وهي المسيرة التي كانت وجهتها ناحية رمسيس في إطار أحداث جمعة الغضب الثانية.
وتضيف هبة:" وعندما وصلنا بالقرب من مسجد التوحيد وذلك بعد وقت طويل لاضطرارنا السير في طرق متعددة لأن الطريق المباشر قطعه الجيش، وعند وصولنا وجدنا الناس تقول أن "التحالف الوطني لدعم الشرعية" اتخذ قرارا بتوقف الفعاليات عند هذا الحد، والانصراف من حدود المكان، ولذا كان لابد من الوصول لمسجد الفتح حتي نسمع البيان من التحالف بأنفسنا- خاصة أني في المكان للتغطية- وعند حدود المسجد وقريبا منه كان الميدان شبه خالٍ من كافة المتظاهرين، ومع ذلك كان هناك صوت مدوي لإطلاق الرصاص من كل جانب، في حين اصطف كثيرون في حدود محيط المسجد، مع وجود مدرعات جيش وشرطة بالخارج في إطار المكان".
وتابعت : "كنت حريصة علي دخول المسجد لأن د.صلاح سلطان-عضو التحالف الوطني لدعم الشرعية- كان يتحدث في حين لم أعرف بالضبط ماذا يقول، ولذا اقتربت حتي سمعت بنفسي قرار التحالف بإنهاء الفعاليات وردود أفعال المحتشدين في محيط المسجد حول ذلك، ورغبتهم في الاستمرار والمتابعة، وحين دخلت المسجد وجدت المستشفي الميداني في الصالة الأولي له، وقد كانت بسيطة للغاية وبلا إمكانيات تذكر تقريبا، بخلاف بعض أدوات التضميد البدائية، وبضع كراسي لاستراحة المصابين، وللأسف أيضا لم يكن بها أطباء أو مسعفين كافيين لمواجهة كثرة الإصابات، حتي أن البعض سألني إذا كنت أستطيع أن أساعد".
وأكملت هبة شهادتها :" بعد دخولي بوقت قليل وبعد أن كان دوي ضرب النار في الميدان فقط، انتقل الرصاص إلي محيط المسجد، في الحديقة الملحقة وعند الأبواب، وعندها اضطر جميع من كان بساحة المسجد -وعلي سلالمه- أن يدخلوا صحن المسجد نفسه ليحتموا فيه من طلقات الرصاص، وفي وقت قصير وبين نصف ساعة إلي ساعة فقط من هذا المشهد بدأ المصابون يسقطون سريعا، كما ارتقي خمسة شهداء، ومن بينهم طفل صغير كانت أحشاؤه جميعا للخارج من جراء القصف، بخلاف ما يقرب من 15 مصاب تقريبا، وبعضها إصابات خطيرة، وهذا فقط منذ أن بدأ الضرب داخل محيط المسجد نفسه، بخلاف الشهداء الذين ارتقوا طيلة اليوم.
وقالت هبة :" لم يكن داخل المسجد أي تنظيم أو قدرة علي استيعاب الموقف، فالجميع بدأ في الهروع إليه، متظاهرين، باعة جائلين، وحتي المصابين، وذوي الإصابات الخطيرة، وما كان معدا كي يعمل كمستشفي ميداني طيلة اليوم لم يستوعب ما يحدث، ولم يترك له المتدافعون فرصة إخلاء مساحة أو تطويقها لتلقي المصابين وإسعافهم. أو حتي للإحسان للشهداء الذين جاء بعضهم في حالة مزرية بعضهم اشلاؤه خرجت عن جسده، والبعض الآخر مخه أيضا خرج عن رأسه".
وأضافت:"حينها امتلأت ساحة المسجد وصحنه الأول بالدماء الكثيفة،والتي كنا نخوض فيها رغما عنا، وهنا-أتعجب-والحديث ل"هبة": ممن كانوا يقولون لنا عقب الاقتحام في اليوم الثاني- كيف تدخلون المسجد بالأحذية!!، وكأن الدماء وحدها وأشلاء الجثامين، ليس هذا من قبيل تدنيس المسجد في مقابل أحذية فارين مطاردين يخشون الرصاص من كل اتجاه.
وتستطرد "هبة" بعد برهة وجد من بالمسجد أنهم اصبحوا في مشكلة حقيقة فهم لا يستطيعون الخروج، وبدا الحصار علينا بشكل فعلي، لأن ضرب الرصاص كان مستمرا وبكثافة، ولا نستطيع الخروج إليه، ولذا فقد أغلقنا الأبواب، ووضعنا خلفها كل الأثاث المتاح في المسجد، وانشغلنا قليلا بالمصابين والشهداء، في حين أخذ الشباب في التأكد من غلق كافة الأبواب والنوافذ.
سيطرة الجيش
وتكمل "هبة" شهادتها علي ما حدث من حصار مسجد الفتح: "بعد حوالي ساعتين من هذا الوضع وبعد أن هدأ ضرب النار، طللنا من النوافذ فإذا بالجيش قد أحكم الحصار حول المسجد، وفي حدود الساعة الواحدة والنصف تقريبا من صباح السبت، عرض ضباط الجيش علي المحاصرين عن طريق الإعلامي شريف منصور الخروج الآمن للنساء والأطفال في عربات خاصة للجيش، وهنا رفض النساء بقوة هذا العرض، لأنه لم يكن هناك ما يضمن للنساء سلامتهن إذا خرجن في هذا التوقيت وأثناء حظر التجوال علي وعد لا يوجد ما يضمنه.
وتضيف : بعد ذلك فوجئنا بجموع البلطجية تملأ الساحة التي هي في الأساس تحت حصار الجيش، مما يعني الشك في الآلية التي دخل بها هؤلاء لمحيط المكان. ومنذ ذلك والبلطجية بدءوا في تكسير زجاج الأبواب والنوافذ، والصعود عليها، والتحدث إلينا في تهديد ووعيد، بالقتل أو الذبح، مع سيل عارم من الألفاظ النابية، وهو الأمر الذي استمر طويلا وعلي فترات متقطعة، مشمولا بالدق علي الأواب والنوافذ لإلقاء الرعب في قلوبنا، وهذا حتي قبيل الفجر بنصف ساعة تقريبا، حيث توالت في محيط المكان قوات الأمن المركزي مع البلطجية، ولم يعد الجيش ظاهرا في محيط الأحداث إلا قليلا، في حين كانت الغلبة للأمن المركزي والبلطجية، وهنا قال أحد ضباط الأمن المركزي إذا لم تخرجوا في غضون ربع ساعة فسوف نقتحم المسجد، أو نترك عليكم – من يسمونهم الأهالي- والبلطجية- ليحرقوكم ويحرقوا المسجد، وبالفعل وبعد ربع ساعة بدأ البلطجية في اقتحام المسجد، تحت غطاء كثيف من الغاز المسيل للدموع، وقبل ذلك بقليل كانت سيارات الإسعاف قد جاءت لتأخذ جثامين الشهداء، والمصابين إصابات خطيرة، وذلك ما عدا جثة واحدة، ظلت معنا بلا مبرر واضح لذلك، بخلاف المصابين بإصابات أقل خطورة. وبعد محاولة الاقتحام تلك اضطررنا للتراجع إلي صحن المسجد الثاني فقط، واحتل الصحن الأول البلطجية، ولم يعد يفصل بيننا وبينهم سوي بابين خشبيين. واستمرت -منذ ذلك وحتي طلوع الشمس- الحرب النفسية من البلطجية، تتمثل في المحاولة المستمرة لاقتحام الأبواب، والألفاظ النابية والتهديدات،وبالفعل نجحوا في تكسير جانبا خشبيا من إحدي البوابات.
شهيدة الحصار
وتقول "هبة": بعد الفجر بقليل ونتيجة لاختناقها بالدخان الكثيف للغاز المسيل للدموع، استشهدت "هبة أحمد عبد الفتاح"-من محافظة البحيرة 36 عاما- سقطت فجأة، وحاول الأطباء الموجودون اسعافها لما يقرب من ساعة ونصف أو ساعتين، ولكن مع قلة الإمكانيات، والأدوية، حتي أن الأطباء طلبوا من محتجزيهم دواء معينا بالحقن، ولكن قوات الحصار لم يأتوا به، وبالطبع لم يكن متاحا أجهزة الصدمات القلبية أو غيرها من الأجهزة، وهذا كله بالطبع قد أودي بحياتها.
وتشير إلى أنه بعد شروق الشمس بقليل سمعنا أن عرض التفاوض لخروج النساء تم تجديده ثانية، وهنا استجاب البعض، ولكن عند خروجهن طللنا عليهن من النوافذ فوجدناهن يتعرضن لتفتيش بالغ مهين، في حين أننا لم نعلم بالضبط إلي أين ذهبن.

أما رفضنا الخروج فقد كان بشروط حتي نضمن أن نذهب لبيوت أهلنا لا إلي المعتقلات، وهو ما علمنا أنه حدث بالفعل للمحاصرات داخل مسجد التوحيد في نفس الوقت، حيث قبلت النساء هناك الخروج الذي عرضه الجيش، في حين أنهن خرجن علي المعتقلات، ومن بينهن أخت إحدي الفتيات التي كانت محتجزة معنا، ولذا فقد طالب المحاصرين بوجود شخصيات يرضي بها كافة الأطراف تكون موجودة حين خروجنا، بخلاف أجهزة إعلامية لتسجل وتؤكد للعالم كله خلو المكان من الأسلحة ومن أية ادعاءات أخري. وكان مما بدا أن تلك المقترحات قد تم رفضها.
لحظات الاقتحام
وعن لحظات الاقتحام تقول هبة : بدأت قوات الشرطة باقتحام المسجد في حدود الساعة الواحدة والنصف تقريبا، حيث بدأت في إطلاق قنابل الغاز بكثافة، وقنابل الصوت، والطلقات النارية، حتي تم حصارنا في غرفة إدارية ملحقة، والرصاص يأتي علينا من نوافذها المرتفعة، فوق الرؤوس، حتي أن المحاصرين لم يكونوا يستطيعوا الوقوف ,وإنما ظللنا جالسين علي الأرض حتي لا يطالنا الرصاص الكثيف.
وتضيف : قد استمر ضرب الرصاص فوق الرؤوس من بداية الاقتحام حتي خروجنا تماما. وبالرغم من محاولة –أمن الانقلاب- اقناع المحاصرين بأنه يخشي عليهم من أسماهم-الأهالي- وفي الحقيقة هم "بلطجية"- إلا أنه من الواضح كذب ذلك الزعم علي الإطلاق، لأن الجيش والشرطة كانت مسيطرة علي ميدان رمسيس فمن أين أتي هؤلاء الناس، أيضا من سيخرج من بيته في ظل حظر التجوال لحصار بعض الناس في مسجد، كذلك كيف لكل تلك القوات ألا تتمكن من السيطرة علي بعض البلطجية أو –الأهالي- علي حد زعمهم رغم آلتهم الحربية الباطشة التي فضت اعتصامات رابعة والنهضة في بضع ساعات.
وتتابع "هبة" أنه ورغم محاولة –ميليشيات الانقلاب –تلك وقت الفض بأنهن رفاق بنا ويتعاملون بالذوق خاصة مع النساء وكبار السن، فهؤلاء كبار السن والضعفاء من الرجال هم أنفسهم من شاهدناهم مضروبين معذبين في معسكر طرة بعد أن ذهبنا إليه.
وبالعودة للحظة الاقتحام والتمهيد لاعتقالنا، فقد آثر المحتجزون رغم جلوسهم الاضطراري علي الأرض، ورغم المحاولات من قبل-قوات الانقلاب- بإظهارهم بمظهر الضعفاء الأسري المقبوض عليه، حيث أخذوا في تصوير المحتجزين وإلقاء بعض الطعام القليل عليهم من النوافذ وكأنهم في معسكر للاجئين، ولذا فقد آثروا الكرامة ولم يلتقفوا من هذا شيئا بل أعلنوا الاضراب عن الطعام، كما آثروا الظهور في التصوير بشكل يوحي بالعزة والقوة، مع إعطاء العلامات الموحية بذلك، والتكبير بتكبيرات العيد وبالهتاف المضاد للسيسي وللانقلاب، حتي يرفعوا من روح الجميع المعنوية، وهو ما حدث بالفعل حيث تبع الرجال مبادرات النساء تلك، واستجابوا لها وأخذوا في الهتاف بقوة، وبرفض الطعام الملقي عليهم. وربما كان سبب أن المبادرات من هذا النوع تأتي من النساء والفتيات، هو علم الرجال بأنه من ينبث ببنت شفة منهم سوف يلقي أشد العقاب، في حين أن النساء كان بداخلهم يقين باستبعاد أن تمتد أي يد إليهن بسوء.
وفي تلك الأثناء التي طالت بلا مبرر واضح، حتي رتبنا في الأمر، وجدنا بعض الضباط الكبار يتجولون في أنحاء المسجد المختلفة، وبدا لنا أنهم يدبرون أمرا للإيهام بأن المحاصرين كانوا يحملون أسلحة وأنهم كانوا معتصمين بالمسجد وليسوا محاصرين به.
وعقب ذلك شاهدت بعيني- والحديث ل"هبة"، أحد الضباط يقوم بتوزيع حبوب لا أعلم ما هي علي المجندين، وهو الأمر الذي أثار الريبة بالطبع بشكل ملحوظ.
ورغم أنه وحتي تلك اللحظة قد استمرت فكرة خروج النساء فقط، إلا أن المحاصرات ظللن علي ثباتهن ورفضهن لذلك مطلقا، حتي أن بعض الأهل كانوا يتوافدون علي المسجد من الخارج لينادوا علي بناتهن، اللاتي رفضن بدورهن الخروج إليهم مطلقا حتي يخرج الجميع سويا. وهو مع غيره من المواقف قد سجل بطولات نادرة للنساء في تلك المحنة، خاصة في ثباتهن وصمودهن طيلة تلك الفترة رغم ما بها من ضغط عصبي ونفسي وجسدي شديد.
عقب ذلك وقبل الخروج أيضا تم تفريق النساء عن الرجال داخل المسجد وتم تفتيش حقائبهن جميعها، وقامت قوات الانقلاب بمحاصرة الرجال بكاردون كبير، وعلمنا بعد ذلك أن الرجال جميعهم قد تم ضربهم داخل المسجد.
وفي حين استمرت تهديدات البلطجية من النوافذ إلا أن قوات الانقلاب قد اكتفت بالقول لهم:"يا رجالة وسعوا من هنا" في رد الفعل من قبلهم الذين يزعمون فيه أنهم يقدمون للمحتجزين الحماية والأمن.
وحين خروجنا وسط صفين من الجنود، إلا أن البلطجية كانوا كذلك بالمرصاد بلا دفع أو مقاومة من قوات الانقلاب، حيث أخذ البلطجية في ضربنا-نحن النساء- بشدة وغلظة، وبجنازير أو عصي أو حجارة وغيرها من الأشياء، في حين ساد المكان إطلاق نار كثيف جدا لكي نضطر أن نسير محنيين طوال الطريق، عن نفسي-هبة- حين رفضت تلك الإهانة ورفعت رأسي، عالجني أحد البلطجية بضربة يد قاسية في عيني. كل ذلك ومن المفترض أن الأمن المركزي كان حائلا بيننا وبين البلطجية، بل علي العكس بعض هؤلاء الجنود حاول التحرش بالنساء في ادعاء الانقاذ لهن.
عربة الترحيلات
تتابع –هبة- عندما وصلنا إلي الخارج كانت سيارة الترحيلات بانتظارنا، فانتظرت للنهاية ومعي سيدة أخري، نساعد بقية النساء في الصعود، وحين هممنا نحن بالصعود انطلقت السيارة مما أدي إلي سقوطنا من عليها وهي السيارة الضخمة المرتفعة، بعدها ساعدت السيدة علي الصعود مرة أخري، وحين بدأت أنا في الصعود انطلقت السيارة أيضا، فسقطت علي الأرض، وحينها تكالب عليّ البلطجية بالضرب وأنا ملقاة علي الأرض، واختطفوا حقيبة يدي بطريقة مريبة لأني كنت قد أحكمت وثاقها عليّ "كروس حول الرقبة"، وهي من أقمشة "الجينز" التي لا يفلح معها الشد في تمزيقها، مما يوحي بأن أحدهم قام بقصها، كما حاولوا نزع حجابي، ولكنهم لم يستطيعوا.
وفي موقف الحقيبة هذا تعجبت حين تذكرت قول الضابط حين خروجنا :"إذا حاول أحدهم جذب حقيبة أحداكن فاتركوها، فما يهمنا هو حمايتكن". بعدها بفترة جاء الجنود وكأنهم يحمونني من البلطجية، وساعدوني ومعهم رجل فاضل بزي مدني جاء ليساعدني، حتي ركبت سيارة الترحيلات.
وداخل العربة كان العدد كبيرا للغاية، وكان من ضمن المتواجدين معنا الإعلامي شريف منصور، ومراسل القناة التركية، وإمام مسجد الفتح، وثلاثة فتيات أخوات أيرلنديات من أصل مصري، وأيضا د.حنان أمين عضو مجلس الشعب السابق، وأستاذ طب الأطفال. بخلاف فتاة في الثالثة عشر من عمرها،وآخرون كُثر.
وهنا بدأت رحلة "التكدير" داخل السيارة، ومن ذلك السير بطريقة ملتوية تضر بالحشد الراكب، ويسقط بعضنا علي بعض، فضلا عن السير في مسافة طويلة في الحر الشديد، ثم الوقوف مدة طويلة في الطريق بحجة أن السيارة بها عطل، ومع ذلك لم يفتح لنا الباب حتي يتجدد الهواء في السيارة حتي أن بعض الناس قد بدأ يشعر بالاختناق، خاصة أن بينهم المريض بالسكر وبالأزمات القلبية، فضلا عن أنهم في شدة الوهن من عدم الطعام مدة 24 ساعة تقريبا بخلاف الضغط النفسي الشديد، ولم يكن مع الجميع زجاجة مياه واحدة لري العطش، ولم نجد سوي زجاجة "جلوكوز" كانت مع إحدي الطبيبات، وأخذ كل منا يرتشف منها رشفة كي يستطيع المواصلة. وهي المرة الأولي التي أتناول فيها "جلوكوز" عن طريق الشرب، وأظن الكثيرين مثلي. ثم أُنزلنا ووُضعنا في سيارات أخري بعد فترة طويلة. ومع هذا كله فمعنويات الجميع كانت مرتفعة ومشغولة داخل سيارة الترحيلات بالذكر والتسبيح.
معسكر طرة
بعد مدة وصلنا معسكر الأمن المركزي بطرة، وعندها لم نعد نعلم شيئا عن الرجال الذين كانوا معنا، وهنا بدأت بعضا من الأخلاق السيئة في الألفاظ والمعاملة تظهر، ومن ذلك التهديد إذا لم نقم جميعا بتسليم أي أجهزة لوحية أو هواتف معنا، وإلا من وجدنا معه شيئا في التفتيش-والكلام لأحد الضباط-:"نزعلها جامد، وانتوا عارفين نزعلها يعني ايه"، وجاء لنا الجندي بالمياه لنشرب من "دلو"، أيضا إغلاظ القول لمن لا تستطيع الجلوس علي الأرض. وبعد ذلك تم تسليمنا للمعسكر من الداخل، وهناك رأينا بعضا من الرجال الذين كانوا محتجزين معنا وخرجوا في الدفعة التي سبقتنا، وقد نالهم الضرب والتعذيب علي أشده. وفي غرفة مجاورة للتي أجلوسنا فيها، كان هناك مجموعة أخري من الرجال بدا أن هؤلاء ذوي الإصابات الخطيرة، بعضهم شج واضح بالرأس، وآخر كسر في الرباط الصلبيبي، وغيرها من الإصابات.
وفي الغرفة التي جلسنا بها، بعد أن تعرضنا للتحقيق الأولي والذي شمل البيانات الأساسية، كانت الغرفة التي قيل أنها للعساكر يعلو أرضيتها البلاط الأتربة من كل جانب، فضلا عن بقايا أطعمة علي الأرض، وبقايا زجاج مهشم. حتي كدنا نجد صعوبة في الجلوس علي الأرض. وكانت معنا سيدة كُسرت قدمها أيضا وهي تحاول ركوب سيارة الترحيلات، فوضعوا لها قدمها في الجبس.
وحين عرضوا علينا أن نذهب لدورات المياه، فقد كانت شيئا لا يتحمله بشر، فضلا عن عدم صلاحيتها للاستخدام ليس فقط لعدم النظافة، وإنما البعض منها بلا أبواب، أو بلا مياه، أو بلا صنبور..وهكذا. أما الطعام فقد كان خبزا ببعض الجبن.
بعدها تعرضنا للتحقيق مرة ثانية وهو ما اقتصر أيضا علي أخذ البيانات، ثم ما لبثنا أن ذهبنا للغرفة لكي ننام، فلم نتمكن، فقد نادوا علينا ثانية، للإفراج عنا، ولكنهم أخذوا في "تكدير" العد، فبحجة أن يعدنا ما يقرب من ساعة ونصف، يعيد ذلك أكثر من مرة، ومن غرفة لغرفة. وفي هذه الأثناء كان من أمامنا الرجال يتعرضون لتحقيق حقيقي، ولكن بعد أن نراهم يذهبوا للتعذيب ثم يأتوا وعليهم آثاره، وقواهم منهكة منه تماما. ومن اللفتات المؤلمة في ذلك أن من بين النساء التي كانت معنا، من كانت تري أخيها أو زوجها أو ابنها وسط هؤلاء الرجال المعذبون، وقلوبهن كادت تنفطر عليهم، في حين لم تملك أن تقدم لهم شيئا. وحين انصرافنا، وعندما هممنا باستلام متعلقاتنا، لم نجد خمسة من الهواتف، وهي من الأنواع مرتفعة الثمن، من بينهم هاتفي الشخصي، وحين شكونا ذلك، استنتج ضباط المعسكر أن ضباط المباحث هم الذين أخذوا تلك الهواتف، وأكدوا أنهم سيسألون لنا عليها لاحقا، في حين شددوا علي أنه من قبلهم كل ما استلموه موجود ولم يفقد.
ثم خرجنا في صحبة ثلاثة من مشايخ الأزهر حتي نذهب معهم للجامع الأزهر، وننتظر هناك حتي انتهاء موعد حظر التجول، فيأتي أهلنا لاستلامنا، وهذا بالفعل ما تم.
وما علمناه لاحقا –والحديث ل"هبة"-أن مشايخ الأزهر الثلاثة كانوا معنا من قبل ذلك ومن قبل اقتحام المسجد، حيث اتفقوا مع قوات الانقلاب بعدم الاقتحام وبخروج الجميع بأمان ودون اعتقال أو التعرض لأحد، حتي من الرجال، إلا من كانت عليه قضايا من قبل، وهو ما لم يحدث تماما وتم النكوص عن هذا التعهد بالكلية، فبمجرد دخول المشايخ المسجد تم الاقتحام، أيضا تعرض الرجال لهذا القدر الشديد من التعذيب والسحل، حتي رآهم مشايخ الأزهر داخل المعسكر والدماء قد أغرقت ملابسهم. وأعتقد أن ضمير هؤلاء المشايخ لابد أن يجعلهم يفضحون هذا الأمر، خاصة أنهم دخلوا المسجد بالفعل ورأوا أنه لا وجود لأسلحة تماما فيه، وشهدوا بأعينهم كذب الانقلابيين وقادة أمنهم.علي الأقل فهذا الفضح قد يحافظ علي حياة من جاءوا هم خصيصا وتعهدوا بالحفاظ علي حياتهم.
أهم الملامح
ما شهدته في هذا الإطار وعن قرب-تتابع هبة- هو وجود آيات من الإيثار من قبل الفتيات والسيدات بشكل كبير، فضلا عن الصمود والثبات الكبير، خاصة حين التعرض لمواقف منها الإغماء أو الدوار للبعض نتيجة ضرب البلطجية أثناء الخروج، وحينها تبادر الجميع بالمساندة لمن تعرضت لأذي حتي العبور بها وسط هؤلاء البلطجية، فضلا عن الإبتسامة الدائمة ونظرة التحدي. ورغم الشائعات التي كانت تروج ونسمع بها-عن طريق القنوات الفضائية التي كانت تتصل بنا- مثل حرق المسجد بما كان يمهد لإحراقه بالفعل، أو بالزعم بقبول المحاصرات لمبادرة الخروج التي كان يعرضها الجيش، إلا أنه من فضل الله لم تتسرب تلك المخاوف إلي نفوسنا ، بل علي العكس تمكنا من دحضها بالحجة وبالدليل أمام الرأي العام عبر القنوات الإعلامية المختلفة. أما أصعب المواقف فكان عجزنا عن إسعاف الأخت التي ارتقت روحها من أثر الاختناق بالغاز، وظللنا نري بأعيننا روحها وهي تفيض إلي خالقها، وحينها أمسكت إحدي الموجودات بالهاتف واتصلت بخطيبها، وقالت له:"هبة-الفتاة التي استشهدت- كانت بتقول إنك ستصبح زوجها، لكن هبة ماتت يا أحمد".
ومع كل ذلك –تضيف هبة زكريا- أن الجميع كان يشعر بالفخر لدحض ذلك الانقلاب عن طريق الإعلام، وغل أيديه عن إنفاذ مخططه عن طريق كشف الحقيقة أمام العالم كله، وهو ما جعله يهدد الإعلاميين بالاسم، ويبحث عن "هبة زكريا" و"شيماء عوض" علي وجه الخصوص، فضلا عن تعرض الإعلامي "شريف منصور" للتعذيب والتهديد بالقتل، وتصويب فوهة بندقية الليزر عليه لإخافته. كل ذلك يعني القدر الذي حققه لهم الإعلام من الذعر.
تتابع "هبة"- أننا كنا بالضبط 33 سيدة، في ذلك الفوج الأخير الذي خرج من المسجد في النهاية، بخلاف الرجال، وعندما وصلنا للجامع الأزهر كنا 27 فقط، لأن ثلاثة تسلمهم قريب لهم ضابط شرطة، لمعرفته بضابط هناك بمعسكر الأمن المركزي، ويبقي حتي الآن الثلاثة فتيات الأيرلنديات من أصل مصري، فلم يخرجوا معنا، ولا نعلم أين ذهبوا، ولذا فالجميع يحمل قوات أمن الانقلاب المسئولية عن هؤلاء الفتيات الثلاثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.