لم تتأثر معاملة الأتراك للمصريين منذ انقلاب السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وذلك لسبيين: أولا أن معظم الشعب التركي لا يتابع إعلام السفيه السيسي؛ لأنه إعلام مفضوح عالميا ولا يمكن لأحد الاعتماد عليه كمصدر للمعلومات، وثانيا أن هذه الأفاعيل تثبت بلا شك أن هذا الإعلام وراءه ديكتاتور فاشل، الأمر الذي يكسب المصريين في الخارج تعاطفا من الجميع، علاوة على هذا فإن الشعب التركي شعب واع ومحب للمصريين ولكل شيء عربي وإسلامي. ملايين الأتراك شاركوا بفعاليات الذكرى السنوية الثانية لإفشال المحاولة الانقلابية في يوليو 2016، تلك اللحظة الفارقة في تاريخ تركيا وشعبها والتي تحولت البلاد بعدها لقوة جامحة بالمنطقة ونقلت إلى مرحلة جديدة هي الأبرز في تاريخ البلاد، في المقابل سادت أجواء من الصدمة داخل الأوساط الإعلامية السيساوية المؤيدة لمحاولة الانقلاب الفاشلة؛ ففي سقطة مهنية فادحة أصرّت الصحف على الاحتفاء ب"الإطاحة بنظام أردوغان" رغم فشل الانقلاب. ومنذ الانقلاب العسكري في مصر، والإعلام في يد المؤسسة العسكرية، يسير وفق رؤيتها، وأصبح ذراعا لقائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، يستخدمه للهجوم على أي دولة ترفض انقلابه، ومن هذه الدول تركيا، التي رفضت وبشدة الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وتفنن الإعلاميون الموالون للانقلاب في الإساءة لتركيا مجاملة لقائد الانقلاب، واستغلوا أي حدث للهجوم على تركيا. إعلام العار وصدرت "الأهرام" بمانشيت "الجيش التركي يطيح بأردوغان"، وفور بث التلفزيون التركي الرسمي لبيان الانقلاب الذي قادته مجموعة من ضباط الجيش، انبرت فضائيات الانقلاب العسكري في مصر في التعليق على الأحداث التي تشهدها الساحة التركية، وبث أخبار ما كان من الوقت إلا القليل حتى ثبت عدم صحتها؛ من قبيل "مظاهرات في إسطنبول مؤيدة للجيش وهتافات معادية لأردوغان"، و"أردوغان يهرب لألمانيا ويطلب وساطة دولة كبرى لمنحه خروجا آمنا له ولأسرته"، و"أردوغان يهدد شعبه بحمامات دماء ليستعيد حكمه". وشارك في هذه التغطية المفضوحة قنوات "سي بي سي" و"القاهرة والناس" و"صوت البلد" و"النهار" وغيرها، ولوحظ لاحقا من متابعة إعلام العسكر تعليقا على أحداث تركيا تغير اللهجة بعد فشل الانقلاب، والانتقال إلى خط "دعم إرادة الشعب"، وربط مقدمي برامج "التوك شو"، بين المحاولة الانقلابية في تركيا والانقلاب على الرئيس محمد مرسي؛ أول رئيس مدني منتخب للبلاد، فنشروا عبر الفضائيات وعلى حسابتهم في مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات ساخرة وشامتة. وظهر الإعلامي أحمد موسى المقرب من بيادة الانقلاب، يقول مهللا "إن أردوغان أنفق ملايين الدولارات على التنظيمات الإرهابية، والجيش التركي تحرك في الوقت المناسب لإعادة تركيا لسابق عهدها وأن ما حدث ثورة وليس انقلاب"، وأضاف خلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي" على فضائية "صدى البلد"، "أردوغان يجب عليه تعلم درس وهو معرفة الفرق بين الانقلاب في تركيا والثورة في مصر، وأنه حاول كثيرا الترويج أن ما حدث في 30 يونيو انقلاب في مصر". آثار الصدمة ومع توالي الأخبار عن فشل محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، بدأ الإعلامي المقرّب من بيادة الانقلاب بث أخبار مغلوطة، من قبيل أن الانقلابيين لا يزالون يقاتلون وأن أردوغان مختف، ما يدل على نجاح الانقلاب، وعلق الإعلامي مصطفى بكري، على الأحداث في تركيا، في سلسلة تغريدات أبدى فيها سعادته بما حدث من انقلاب قائلاً "الجيش التركي يعلن سيطرته على البلاد.. إلى الجحيم يا أردوغان". وأضاف بكري عبر حسابه على "تويتر"، "هناك غموض حول مصير العملية العسكرية ومحاولات تجرى للقبض على الرئيس أردوغان"، وأشار إلى "أحاديث عن محاولات هروب جماعي لرموز إخوانية مصرية في تركيا"، وكانت أبرز تغريداته المثيرة للقرف والاشمئزاز قوله "ذهب أردوغان وبقي بشار، سبحان مغير الأحوال، النصر للجيش العربي السوري، عاشت سوريا العربية، وعاش الشعب السوري العظيم، أردوغان يجب أن يحاكم كمجرم حرب". هنا البيادة وعلى صعيد الصحف، فقد رحبّت صحف مقربة من البيادة ك"اليوم السابع" و"فيتو" و"الوطن" وغيرها بمحاولة الانقلاب في تركيا، وأفردت مساحة لتحليلات العسكريين السابقين والصحفيين الرافضين لحكم أردوغان أبدوا فيه شماته واضحة بالانقلاب. تقول الصحفية والباحثة الإعلامية هبة زكريا: إن هناك سؤالا يفرض نفسه، لماذا تتصدر تركيا أجندة اهتمام وسائل إعلام العسكر، التي سجلت مستوى غير مسبوق في السقطات المهنية؟ وتضيف أنه من الواضح لأي متابع أن وسائل الإعلام تقوم بالدور الذي رسمه لها العسكر، عندما وصفها السيسي من قبل بأنها مجرد "أذرع" يمكنه تحريكها وقتما يشاء، وبالتالي فإنها تقوم بدور يعبّر عن موقف العسكر الذي تعتبره تركيا انقلابا عسكريا على أول رئيس مدني منتخّب في تاريخ مصر الدكتور محمد مرسي. وتتابع زكريا: "لتركيا مواقف إنسانية مشرّفة من المجازر التي ارتكبها الانقلاب بحق المصريين، منذ 3 يوليو 2013 وحتى اليوم، وبالتالي من الواضح أن وسائل الإعلام تعبّر عن "التار البايت" بين العسكر وتركيا، وتقول الباحثة الإعلامية أن الإعلام سعى لبناء صورة ذهنية عند المصريين باعتبار تركيا دولة معادية لهم، وأنها دولة مضطربة وغير مستقرة، وأن قيادتها فاشلة وكاذبة ومستبدة، وأنها تناطح النظام الحالي في مصر، بينما هي أقل من ذلك وغالبا تفشل ولا يعيرها النظام أي اهتمام. وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، محاولة انقلابية فاشلة في 2016، نفذتها عناصر محدودة في الجيش، تتبع ل"منظمة الكيان الموازي" الإرهابية، حاولوا خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان شطري مدينة إسطنبول، والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، وفق تصريحات حكومية وشهود عيان. وقوبلت المحاولة الانقلابية، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية، حيث توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان، ومديريات الأمن، ما أجبر آليات عسكرية حولها على الانسحاب مما ساهم في إفشال المحاولة الانقلابية. إعلاميون كاذبون يقول الناشط الحقوقي "أحمد بهاء"، إن المتابع لإعلام العسكر منذ نشأته يعلم جيدا أنه يدور في فلك جنرالات الانقلاب، والمتابع أكثر يرى أنه لم يتم الانقلاب على رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي إلا بمعاونة الإعلام سواء الحكومي أو غير الحكومي. ويضيف، أنه يتم تحريك الإعلاميين من قبل عباس كامل مدير مكتب قائد الانقلاب السيسي، والتسريبات التي خرجت هي خير دليل على أن الإعلام المصري يتم تحريكه من قبل الانقلاب، وبما أن الحكومة التركية تلعب دورا محوريا في المنطقة وهي شوكة في حلق النظم الدكتاتورية، وخصوصا نظاميْ السيسي والأسد، فإن هذه الأنظمة لن تجد إلا التشويه والتطاول من خلال إعلامها الموجه، ومثل هذه الأفاعيل لا تعكس إلا شتات هذه الأنظمة وفقر ما لديها. ويشير بهاء، إلى أن الإعلام نجح في جذب شريحته المعتادة من الجاهلين وكارهي الديمقراطية ليس أكثر، فالإعلام المضلل يجد رواجا لدى الجهلة ومعدومي الضمير، لأن تشويهه وتطاوله يفتقر إلى دلائل وبراهين، بل إن كل حججه هي أكاذيب ومحض افتراء من الدول العظمى.