"لماذا لا تكون المعارضة محشية شوكولاتة؟"، تلك ليست نكتة عزيزي القارئ؛ بل إنها افتكاسة أخرى من أذرع السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، تفتّق عنها ذهن الكومبارس موسى مصطفى موسى، والذي كان المحلل أو المرشح في مسرحية انتخابات الرئاسة، إذ فكر وقدر ثم نظر ثم عبس وبسر، ثم أدبر بتصريح قال فيه "أعمل على تشكيل معارضة وطنية تقف مع السيسي، الدولة لا يمكن أن تستمر بجناح واحد، ولكنها في حاجة لمعارضة حقيقية تساندها"، في حين أن المعارضة في بلاد العالم هدفها السلطة وإزاحة الجالس عليها، إلا أن المعارضة تحت نعل البيادة تختلف؛ إذ يتلخص الغرض من وجودها في تمكين ودعم وحماية الجنرال الذي وجدت من أجله. وقال موسى: إن الائتلاف الذي أطلق عليه اسم "المعارضة المصرية الوطنية المستنيرة"، يسعى إلى ضم 30 حزبا و200 نائب برلماني على الأقل، مؤكدا أنه سيتم الإعلان عن وثيقة الائتلاف خلال الأسبوع المقبل في مؤتمر صحفي. وفي الثالث من يوليو 2013، انقلب وزير الدفاع في ذلك الوقت السفيه عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر محمد مرسي، واحتجزه في مكان غير معلوم، وعطّل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين أحيلوا لاحقا إلى المحاكمة، وصدرت أحكام بإعدام العديد منهم.
ضرب المعارضة بالجزمة! وبمقارنة العرض الذي طرحه الكومبارس موسى مصطفى موسى، مع دلالات كثيرة حملتها واقعة اعتداء البلطجية على إفطار "الحركة الوطنية المصرية"، الشهر الماضي، في أحد النوادي العامة في العاصمة القاهرة، حيث كان المعتدون يردّدون عبارات "يا جواسيس يا خونة"، وكانوا أيضا يقصدون إحداث إصابات في بعض رموز القوى التي أيدت الانقلاب، تماما كما حدث مع رئيس "الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي"، فريد زهران، الذي أصيب بجرح قطعي في رأسه استلزم "غُرَزًا" جراحية لوقف النزيف، نجد أن هذا هو النوع الذي يفضله السفيه السيسي، معارضة محشية بالخنوع والانبطاح، تلتزم بالخط المرسوم لها بدقة وتقنع بالفتات الذي تأكله من تحت موائد العسكر. وفي هذا الإطار، علّقت الحقوقية ومؤسسة مركز "النديم" لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، عايدة سيف الدولة، عبر حسابها على "تويتر"، على الحادثة، قائلةً: "اللي حصل في النادي السويسري النهارده سفالة… بس الغريب إن في ناس من القوى المدنية مستغربة أن تصل السفالة إلى هذا الحد… السفالة تجاوزت كل الحدود، بقى لها كده تقريبا 5 سنوات". بينما قدّم الناشط عبد الرحمن يوسف، عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، قراءة متعمّقة للمشهد، إذ رأى أنّه "رغم انحطاط وسفالة ضرب الناس وقت الفطار في يوم رمضاني وفي تجمّع سلمي فيه ناس كبيرة في السن، لكن السؤال الحقيقي إيه هو مصدر الدهشة، هيا ليه القوى والأحزاب دي مُصرّة تقع في نفس مشكلة وأزمة سقف التوقعات اللي مستمرين فيها من وقت تأييد الانقلاب والتمهيد له في 2013". وتابع "الناس دي كان سقف توقعاتها هو انقلاب ثمّ تنكيل بالإسلاميين والإخوان وربما سحقهم، وحيكون لينا مساحة نبرطع فيها، بعدها انخفض سقف التوقعات علشان يكون الجناح والورك الديمقراطي في حكومة (حازم) الببلاوي وما بعده، بعد كده انخفض علشان يكون مشاركة مشرفة ومشاركة على الهامش، وقال إيه بعضهم قرر يدخل انتخابات برلمانية وصدّق نفسه، وقالك نشكل جبهة حزبية". وأكّد يوسف أنّ "الأزمة أن كل الدم والتنكيل اللي حصل حتى بشباب من التيارات المدنية وغيره، مخلاش حد يفهم أن ده نظام يجيد البجاحة بعد الاستباحة، وطالما الدم جرى بهذه الكثافة مرة ومرّت، فلا مانع أن يجري ويسيل أكثر من مرة… والأخطر أن سلاح البلطجة واستخدامه جرى السكوت عليه وتعميم استخدامه بل والتطبيع معاه، وبالتالي أصبح سمة أساسية وملمح مهم حيكون في كل مشهد وأي مشهد، فليه في دهشة واستغراب؟ ما الكلام ده بيحصل وحصل من زمان". بدورها، علّقت الناشطة جيهان شعبان على ما حدث بالقول: "اللي حصل في النادي السويسري كان جنونا! أمّال اللي حصل في رابعة كان بمبي"!. انقلاب دموي وفي مقابل هذه القراءة للمشهد، لا شك أن عزم وتصميم السفيه السيسي لإكمال انقلابه وحسم الأمور في الثالث من يوليو 2013 كان تصميمًا أكيدًا، فقد اتخذ قرارًا ونفذه مباشرة وتحمّل نتائجه، وهكذا الفرص واللحظات الفارقة لا تحتمل تأجيلا أو مماطلة، واليوم في منتصف 2018 تعيش مصر نفس الحالة وذات الأجواء الشعبية الرافضة، والحياة السياسية قد تم تدمير ملعبها وتحويله إلى أرض خراب، بل هناك إرادة مُستبطنة لدى النظام أنه ولا بد أن يحرق الأرض وينسفها نسفًا، والاقتصاد الجشع يرزح المصريون تحت لكماته اليومية الموجعة؛ فجيب المواطن هو مصدر دخل الدولة، حيث 77% من إيرادات الدولة ما هي إلا ضرائب وجبايات يدفعها المواطن إجباريًا. يُصاحب هذا فشل على كافة المستويات؛ فسيناء صارت ساحة خلفية لقوى الشر جميعًا بداية من داعش التي صنعتها المخابرات الحربية مرورا بإسرائيل، ووصولا إلى قوات إماراتية، ولا يستطيع المدنيون أهلها العيش فيها، ويتهدد كيان البلاد بسد النهضة الإثيوبي، والذي يستطيع أن يُجفف منابع الحياة بمصر، والبحر الأحمر وخليج العقبة صارا ممرًا آمنًا للكيان الصهيوني بعد أن باع النظام جزيرتي "تيران وصنافير" المصريتين لآل سعود. أما المعارضة الحقيقية التي بات يخشاها السفيه السيسي، فدفعت ولا تزال تدفع ثمن تخليص مصر من الاحتلال العسكري، ونحو 60 ألف منهم معتقلون في سجون الانقلاب بحسب تقديرات منظمات حقوقية دولية ومحلية، بالإضافة إلى آلاف آخرين ماتوا شهداء برصاص الانقلاب في فض اعتصامي رابعة والنهضة، وما تلاهما من مجازر، والمئات قدموا إلى محاكمات صورية أشبه بالتي كانت تعقدها فرنسا أثناء احتلال الجزائر، وتم إعدام العديد من المحاكمين دون أي ضمانات ولا أي فرص في عدالة تُحصن دماءهم.