وسط صخب وضجيج ما يجري في كأس العالم في روسيا، يختفي أو يتوارى إجرام سلطات الانقلاب ضد البشر والشجر والحجر في سيناء، حيث أعلن الجيش، اليوم الثلاثاء، عن قتل 3 مدنيين وصفهم بالمسلحين، أثناء عمليات ما تسمى ب"الخطة الشاملة" المعلنة تحت عنوان "سيناء 2018". جاء ذلك في البيان رقم 25، الذي يرصد إجرام العسكر المتواصل منذ فبراير الماضي، والمجازر التي يرتكبها الجيش بتكليف من السفيه عبد الفتاح السيسي. وقال بيان العسكر، مفتخرًا بالإجرام الذي تقوم به سلطات الانقلاب في سيناء، إن "العمليات على مدار الأيام الماضية أسفرت عن القضاء على 3 عناصر تكفيرية، والقبض على 59 شخصًا من المشتبه بهم بشمال ووسط سيناء"، واستنادًا إلى بيانات الإجرام العسكرية السابقة، يرتفع عدد من قتلهم الجيش من المدنيين إلى 321، بخلاف مقتل 37 عسكريًا في استهداف كمائن ومعسكرات بطرق غامضة، إلا أن الغموض بات أكثر وضوحًا بعد تكشف مشاركة قوات إسرائيلية وإماراتية فيما يجري في سيناء. ويتكشّف الغموض أكثر فأكثر، بعدما سلّطت صحيفة "الواشنطن تايمز" الأمريكية الضوء على صفقة القرن التي يسعى إليها الرئيس دونالد ترامب، وتتضمّن إقامة دولة فلسطينية على شبه جزيرة سيناء المصرية، متسائلة: هل السفيه السيسي سيقبل بذلك أو سيكون قادرا على تنفيذه؟. صفقة القرن الأمريكية وتعود الصحيفة إلى العام الماضي، عندما خرج الآلاف من المصريين للشوارع رافضين قرار السفيه السيسي منح جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للسعودية، ولكن هذا الاحتجاج النادر في ظلّ القمع الذي يمارسه السفيه ضد معارضيه السياسيين سيكون لا شيء؛ وذلك بالقياس مع أي خطوة قد يُقدم عليها السفيه السيسي بمنح جزء من شبه جزيرة سيناء للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها مقابل تخلّيهم عن أجزاء من الضفة الغربية للمستوطنين اليهود، وهي التي يتردّد أنها جزء من صفقة القرن الأمريكية. المنسّق العام لقبائل شمال سيناء نعيم جبر، 50 عاما، يُعرب للصحيفة عن رفضه لمثل هذا المقترح، ويقول إن تجمّعهم القبلي الذي يضمّ 11 عشيرة يبلغ تعدادها 400 ألف شخص لا يتنازلون عن أرضهم، ويضيف جبر: "إنها أرض أجدادنا يمكن للاجئين الفلسطينيين أن يعيشوا في الأردن، هذا هو الحل الذي لن يزعج أو يقوّض وجود القبائل المصرية في سيناء"، مبيّنا أن "غياب التنمية الحقيقية أسهم في وجود وتوسّع داعش، الذي نجح بتجنيد المواطنين المهمّشين الذين عانوا على مرّ السنين". سيناء مغلقة عسكريًا شبه جزيرة سيناء مغلقة عسكريا منذ ما يقارب 6 سنوات بحجة محاربة الإرهاب، وتتواجد بها قوات عسكرية تم الدفع بها على دفعات متتالية حتى وصل عددها حسب بعض المصادر إلى 25 ألف مقاتل، بكافة أسلحتهم ودعم جوي ولوجيستي متعدد الأوجه. وأن كل هذا يتم بتعاون استخباراتي وتنسيق أمني عالي المستوى بين الجانبين السيساوي والإسرائيلي، بعد تعليق الملحق الأمني لمعاهدة "كامب ديفيد"، والذي ينص على عدم تواجد قوات عسكرية مصرية فيما يعرف بالمنطقة "ج"، واقتصار التواجد المصري على قوات الشرطة المدنية بأسلحتها الخفيفة. لن نترك سيناء وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم حول الارتفاع المطرد لأعداد الضحايا وعدد الهجمات تزامنا مع زيادة القوات العسكرية في سيناء، في حين أنه من المفترض طبقا للمنطق وآليات التعامل الأمني، أن تنخفض وتيرتها وليس العكس، والقاعدة الذهبية تقول "فتش عن المستفيد"، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالحوادث التي تخلف عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى، على غرار الحادث الإرهابي المروع الذي وقع بمسجد "الروضة" ببئر العبد بمحافظة شمال سيناء، والذي خلّف نحو 305 شهداء بينهم 27 طفلا وعشرات الجرحى، مما يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول ما يحدث في سيناء. وعاود المئات من أهالي سيناء التدوين على هاشتاج #لن_نترك_سيناء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، بعد التوقف عن التدوين لأشهر، وذلك على إثر التحركات العسكرية والأمنية، وتساءل أحد نشطاء سيناء: "ماذا يجب أن يحدث لأهل محافظة سيناء أكثر من هذه الكوارث التي أنزلها هذا النظام الغاشم على رؤوسنا طيلة أربع سنوات؟ مضيفًا "ذقنا مرارة التهجير من بيوتنا، وما زلنا نتجرع قسوة تجريف أراضينا التي عمرناها بالعرق والدم والدموع، والآن ينسفون بيوتنا بالمتفجرات ويهدمونها على ما فيها من متاع العمر وذكريات الكفاح، لا لسبب إلا دعاوى هزلية لمحاربة الإرهاب". تهميش وقتل على الهوية وتابع "أربع سنوات من تهميش وقتل على الهوية وطلقات عشوائية وتضييق على معابر قناة السويس، ومنع البضائع من دخول المحافظة لتجويعها، ومنع المواطنين الذين لا يحملون إثبات شخصية من خارج المحافظة من دخولها، علاوة على كمائن عبثية داخل المدينة حولتها إلى سور للفصل العنصري، واعتقالات عشوائية". استخدام القوة الغاشمة في سيناء كما أمر السفيه السيسي لا يفرق بين مدنيين ومسلحين، بل إن غالبية الضحايا هم من المدنيين المسالمين من أبناء سيناء الذين ضاقت عليهم أرضهم بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وأجبروا على ترك أرضهم وديارهم بغير حق لإفساح سيناء أمام تنفيذ صفقة القرن التي تواجه عثرات كبيرة، لكن السفيه السيسي يرى فيها أكسير حياة لبقائه في السلطة لفترة أطول. هذا القمع والقتل والتنكيل والتهجير بحق أهل سيناء لن يقضي أبدا على الإرهاب، بل الأصح أنه يصنع بيئة وتربة خصبة له، ويوفر له حاضنة شعبية من غضب المكلومين والثكالى والمظلومين، وليعلم الجميع الآن أن السفيه السيسي فشل فشلا ذريعا في حربه ضد الإرهاب، وهي الحرب التي يستند إليها لتبرير ما يفرضه على المصريين من معاناة، وما يلهي به المؤسسة العسكرية حتى يحتفظ بولائها له.