تبدأ اليوم الأربعاء 4 أبريل 2018م، جولة جديدة من المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة، بالعاصمة السودانية الخرطوم؛ حيث تشارك وفود كل من مصر وأثيوبيا والسودان. وتكتسب هذه الجولة أهمية كبيرة؛ لأنها الأولى بعد تولي أبي أحمد علي رئاسة وزراء أثيوبيا خلفا لمريام ديسالين الذي تقدم باستقالته منذ أسابيع قليلة. وكانت المفاوضات تأجلت منذ شهر ونصف حيث كان مقررا لها 24 فبراير الماضي؛ لأسباب تتعلق باتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية بأثيوبيا، والتي أفضت إلى استقالة ديسالين، ووافق مجلس النواب الإثيوبي، خلال جلسة عقدها أمس الإثنين، على تعيين رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد علي، خلفًا ل"هايلي ماريام ديسالين"، الذي تقدم باستقالة في 15 فبراير الماضي من رئاسة الائتلاف الحاكم والحكومة. تفاقم الأزمة وفي سياق متصل، يحذر الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الري والموارد المائية بحكومة الانقلاب، في اجتماعه مع أعضاء غرفة التجارة الأمريكيةبالقاهرة، أول أمس الإثنين، من تفاقم أزمة المياه، موضحا أن فقدان كل مليار م مكعب من المياه يساوي خسارة "200" ألف وظيفة؛ ما يفضي إلى تشريد مليون أسرة؛ الأمر الذي يؤدي إلى اضطرابات أمنية وظهور حركات إرهابية مسلحة على حد وصفه. وأضاف الوزير أن مصر تخطط لإقامة خط ملاحي يمتد حتى بحيرة فيكتوريا لربط حركة التجارة بين مصر وأوغندا وجنوب السودان ورواندا وبوروندي، وتسهيل عمل المستثمرين في القارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن مصر تأمل في حل الخلافات الدائرة حول سد النهضة عن طريق الشراكة. وتجدر الإشارة إلى أن خلافاً سبق واندلع، نهاية العام الماضي، حول التقرير الاستهلالي للمكتب الاستشاري الفرنسي لسد النهضة، الذي تضمّن بعض الملاحظات التي قدمتها الدول الثلاث. ومن المنتظر أن تقرر أديس أبابا، خلال اجتماع الخرطوم المرتقب، توضيحات حول مدة وسعة ملء السد. وزار وفد أمريكي رفيع المستوى، العاصمة السودانية الخرطوم، الأسبوع الماضي، في سياق جولة تشمل أيضاً مصر وإثيوبيا، للمساعدة في وصول الأطراف الثلاثة إلى التفاهمات المطلوبة بشأن قضية سد النهضة. وجاءت زيارة الوفد الأمريكي التي سبقت اجتماع الخرطوم غدا بين الأطراف الثلاثة، بحسب مصادر سودانية، بغرض التعرّف على مواقف الدول الثلاث حيال قضية سد النهضة، وتكوين وجهة نظر تسهم في تقديم المساعدات اللازمة، وتقود إلى خلق أرضية مشتركة للوصول إلى التفاهمات والحلول التي تُرضي جميع الأطراف. أبي أحمد: سد النهضة يوحد إثيوبيا وفي أول تصريح لرئيس الوزراء الجديد، أكد على أهمية سد النهضة بالنسبة لبلاده، وخلال احتفال الذكرى السابعة لبدء إنشاء السد قال أبي أحمد "إن سد النهضة هو الموحد للشعوب الأثيوبية". وفي منتصف مارس الماضي، أعلنت مديرة مكتب سد النهضة الإثيوبي، فقرتي تامر، أنه تم إنجاز 64 بالمائة من مراحل بناء السد. وقالت المسؤولة الإثيوبية، إنه تم تطوير قوة توليد الطاقة للسد من 5 آلاف و250 ميجاوات إلى 6 آلاف و450 ميجاوات؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون يمثل خطورة على القاهرة وتأزيما للمفاوضات الجارية. مفاوضات عبثية وبحسب مراقبين فإن أديس أبابا نجحت في استدراج عسكر 30 يونيو نحو فخ المفاوضات العبثية التي تقوم على اللقاءات والاجتماعات المتواصلة دون الوصول إلى حل عملي على غرار سياسات إسرائيل مع الفلسطينيين طوال العقدين الأخيرين منذ اتفاقية أوسلو 1994م والتي تأسست بمقتضاها السلطة الفلسطينية بدعم دولي ثم تحولت تدريجيا إلى شرطي لخدمة وحماية الكيان الصهيوني. وهناك وجهة نظر ربما تحتاج إلى تدقيق وتمحيص بحسب الخبير والمحلل السياسي الدكتور بدر شافعي، تربط بين الاتهامات الإثيوبية لمصر بدعم الأورومو (جبهة تحرير الأورومو) عبر إريتريا المجاورة، وتأجيلها التفاوض لإيصال رسالة عكسية إلى القاهرة، إن أي محاولات لاستغلال ورقة المعارضة للضغط عليها للاستجابة لطلباتها بخصوص السد وتمديد فترة الملء الأول للخزان إلى أقصى فترة ممكنة، والمشاركة في إدارة السد، لن تزيدها إلا صلابة وتعنتا، وليس استجابة ورضوخا. بمعنى آخر، ترغب إثيوبيا في عقاب القاهرة التي يزداد موقفها التفاوضي صعوبةً بمرور الوقت. وفي مقاله بعنوان « إثيوبيا ومفاوضات سد النهضة.. مجدّداً»، والمنشور غرة أبريل 2018 بصحيفة "العربي الجديد"، يضيف شافعي: «يلاحظ المتابع للسلوك التفاوضي الإثيوبي طوال 17 جولة منذ 2014 أنها تنهج النهج الإسرائيلي في التفاوض مع الفلسطينيين، من حيث عدم إلزامية التفاوض، وعدم وقف البناء إلى حين التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية، بل إنها حرصت على أن تكون آراء المكتبين الاستشاريين المعنيين بالدراستين الخاصتين بالأضرار المائية وغير المائية التي قد تلحق بدولتي المصب، آراء استشارية فقط. ومع ذلك، لم تلتزم بالمواعيد المحددة لانتهاء عملهما، المفترضة في أغسطس الماضي. وبدأت إثيوبيا عمليات بناء سد النهضة عام 2011. ورصدت مساحة واسعة من الأراضي له، حيث يمتد المشروع على مساحة تبلغ 1800 كيلو متر مربع. وقُدّرت التكلفة الإجمالية له بنحو 5 مليارات دولار أمريكي، (ما يُعادل 10 مليارات بر إثيوبي)- ما يقرُب 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتخشى مصر أن يؤدي بناء السد وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه لتدمير مساحات من الأراضي الزراعية لديها، فضلًا عن نقص مياه الشرب. في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضرورة لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول بما فيها دولتا المصبّ، مصر والسودان. ومن المُرجّح انتهاء عمليات البناء نهاية العام الجاري، في الوقت الذي تتوقّع فيه الأممالمتحدة أن تختبر مصر نقصًا في حصتها من مياه النيل، بنسبة 25 بالمائة، بسبب السد عام 2025.