كشف بيان البنك المركزي مساء الأحد الماضي عن ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى مستوى غير مسبوق؛ حيث وصل بنهاية يناير الماضي إلى (38,209) مليار دولار لأول مرة في تاريخ مصر، وبزيادة قدرها "1,2" مليار دولار، مقابل 37.020 مليار في ديسمبر الماضي، محققا أعلى زيادة منذ يوليو الماضي. لكن التناول الإعلامي لأبواق العسكر جاء باهتا على غير المعتاد؛ ففي المرة السابقة أبرزته كل الصحف في مانشيتات وعناوين بارزة وتناولته الفضائيات على مستوى واسع. فما السر وراء هذا التناول الباهت؟ يعزو بعض المحللين ذلك إلى عدة أسباب، منها أن الخبر جاء مقرونا في ذات اليوم بخبر آخر حول عزم الحكومة ونظام عسكر 30 يونيو اقتراض 5 مليارات دولار خلال شهر فبراير الجاري، بطرح سندات دولية في الأسواق العالمية. حسب التصريحات التي أدلى بها عمرو الجارحي وزير المالية بحكومة الانقلاب مساء الأحد أيضا. السبب الثاني وراء هذا التناول الباهت لارتفاع الاحتياطي النقدي هو ما تم نشره مؤخرا في كل صحف ومواقع العسكر حول توجهات الحكومة نحو اقتراض 132,5 مليار جنيه من أدوات الدين خلال فبراير الجاري فقط من البنوك والمؤسسات المالية، في صورة أذون وسندات وخزانة من إجمالي 415 مليار جنيه مقرر طرحها خلال الربع الثالث من العام المالي 2017/2018 الجاري والذي يضم شهور (يناير، فبراير، مارس) من العام الميلادي الجاري. ديون السيسي أكثر من ديون 50 سنة! لكن السبب الثالث ولعله الأهم على الإطلاق هو أن قروض السيسي وفقا للأرقام والإحصاءات الرسمية خلال ثلاث سنوات ونصف السنة أكثر من ضعف ديون مصر خلال ال50 سنة الماضية منذ العهد الملكي! وأظهرت بيانات رسمية أن حجم القروض التي حصلت عليها مصر منذ مسرحية الرئاسة في يونيو 2014 تجاوز ضعف الديون التراكمية لمصر منذ نحو 50 عامًا، وسط مؤشرات على تفاقمها خلال الفترة المقبلة في ظل الهرولة نحو الاستدانة، على الرغم من التحذيرات المتصاعدة من مغبة إغراق البلاد في ديون تعصف بالعديد من الأجيال. ووفق بيانات وزارة المالية، فإن إجمالي الدين العام المحلي والخارجي تجاوز 4 تريليونات جنيه (226 مليار دولار) نهاية العام المالي الماضي فقط 2017/2016، كان نصيب السنوات الثلاث للسيسي منها 2.3 تريليون جنيه (129.9 مليار دولار)، حيث تسلم الحكم وكانت ديون مصر تبلغ 1.7 تريليون جنيه. ومن المتوقع وصول الدين العام إلى 4.8 تريليونات جنيه وفق البيانات الخاصة بإصدار أدوات الدين المحلية والخارجية للعام المالي الجاري، الذي ينقضي في نهاية يونيو، فيما بلغت الديون الخارجية فقط من إجمالي الدين العام نحو 81 مليار دولار، وفق تصريحات وزير المالية بحكومة الانقلاب عمرو الجارحي في يناير2018. ديون مصر مع العسكر بدأت مصر في الاستدانة منذ عهد جمال عبد الناصر الذي ترك ديونًا بقيمة 1.7 مليار دولار، تزايدت في عهد أنور السادات إلى 21 مليار دولار، قبل أن تقفز في عهد حسني مبارك إلى 34.9 مليار دولار، بخلاف ديون داخلية بقيمة 962.2 مليار جنيه. وخلال فترة حكم المجلس العسكري منذ فبراير 2011 حتى منتصف 2012، انخفض الدين الخارجي بنحو 200 مليون دولار، مسجلاً 34.7 مليار دولار، لكن الدين الداخلي زاد إلى 1.23 مليار جنيه، لكن المجلس العسكري تراجع في عهده الاحتياطي النقدي من 36 مليار دولار إلى 16 مليارا فقط، ما يعني أنه أنفق 20 مليار دولار من الاحتياطي النقدي بدلا من الاقتراض الخارجي. وزادت الديون في عهد الرئيس محمد مرسي حتى 30 يونيو 2013 إلى 1.55 تريليون جنيه كديون داخلية ونحو 43.2 مليار دولار خارجية، بينما واصلت الصعود في عهد المؤقت عدلي منصور، إلى 1.7 تريليون جنيه داخليًا و46 مليار دولار خارجيًا. قفزة جنونية في الديون لكن الديون المحلية والخارجية منذ وصول السيسي قفزت إلى مستويات وصفها محللون بالجنونية، وغير المسبوقة منذ عقود طويلة، في حين ببرر السفيه ذلك بزيادة الديون في كلمة له خلال مؤتمر "حكاية وطن" نهاية يناير الماضي، بدفع رواتب الموظفين التي زادت بعد ثورة يناير 2011. وبينما وصلت الزيادة في ديون مصر خلال عهد السيسي إلى 2.3 تريليون جنيه، تشير بيانات وزارة المالية بحكومة الانقلاب إلى أن الزيادة التراكمية في قيمة أجور موظفي الدولة بلغت منذ الثورة نحو 144 مليار جنيه، ما يعادل 6.2% من إجمالي الديون التي حصل عليها السيسي. وبلغت مخصصات الأجور في موازنة العام المالي 2011/2010 نحو 96 مليار جنيه، لتصل في العام المالي الحالي إلى 240 مليار جنيه. وجاءت عمليات الاقتراض غير المسبوقة، على الرغم من حصول مصر على مساعدات خليجية، قدرها السيسي في مايو 2014، بنحو 20 مليار دولار (354 مليار جنيه وفق سعر الصرف حالياً). وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، بحسب صحيفة العربي الجديد، إن "وضع الديون في مصر كارثي، يقود للمصير الأسود الذي تابعناه في اليونان وعدد من الدول الأخرى". كذلك توقع فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن يؤدي التوسع في الاقتراض إلى حرمان الأجيال المقبلة من أي مكتسبات للاقتصاد، لأن سداد الديون سيستنزفها.