الله سبحانه وتعالى نهى أن نؤتي السفاء أموالنا {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، لماذا؟ لأن السفيه يملك رصيدا من الحماقة كفيل بجلب الخراب والدمار للأوطان وتبديد الأموال ونشر روح اليأس والإحباط في كل مكان؛ والأمم التي يحكمها سفاء هي أمم محكوم عليها بالموت فهي أمم بلا حاضر أو مستقبل؛ وينتظرها خراب وكوارث لا حصر لها. إزاء هذا فإن نهم نظام عسكر 30 يونيو نحو التوسع الشديد في الاستدانة هو شيء من الجنون والسفاهة، الأكثر دهشة أن يتم التسويق بحجم الإنجازات (الوهمية) التي يزعمون أنها تحققت في 4 سنوات رغم أنها تستغرق 40 سنة بحسب مزاعمهم! فالجنرال السيسي عندما سطا على الحكم عبر انقلاب دموي في 03 يوليو 2013م، كان حجم الدين العام "1,7" تريليون جنيه(100 مليار دولار بسعر اليوم)، لكن البنك المركزي كشف في بيان مؤخرا أن حجم الديون بلغ في ديسمبر الماضي 2017م "4,8" تريليون جنيه (266 مليار دولار)! ونشر موقع "التحرير" الموالي للانقلاب في تقرير له أول من أمس أن وزارة المالية قدرت الاحتياجات المالية للموازنة الجديدة 2018/2019 ب714 مليار جنيه ستقوم باقتراضها عبر أدوات الدين المختلفة، وأرفقت جدولا منسوبا للوزارة دليلا على ذلك؛ ما يعني أن حجم الديون سوف يرتفع في يونيو 2019 إلى 5,5 تريليون جنيه! ماذا تعني هذه الأرقام؟ تعنى أن كل حكام مصر السابقين منذ الديكتاتور جمال عبدالناصر حتى انقلاب 30 يونيو، اقترضوا "100" مليار دولار؛ بينما السيسي بمفرده في 4 سنوات فقط بخلاف عشرات المليارات التي حصل عليها من الخليج دعما لانقلابه تبلغ حجم الديون التي اقترضها"166″ مليار دولار!. أرأيتم كيف تكشف هذه الأرقام الرسمية حجم السفاهة التي يتمتع بها نظام العسكر بعد انقلاب 30 يونيو الدموي الفاشي؟! وهل يمكن أن يتوقع أحد مستقبلا مشرقا لوطن أغرقه جنرالاته في بحار الديون في القطاع الاقتصادي وفي بحار الدم على المسار السياسي والمجتمعي؟! وبلغت الديون الخارجية فقط من إجمالي الدين العام نحو 81 مليار دولار، وفق تصريحات وزير المالية عمرو الجارحي في يناير/ كانون الثاني 2018.
رحلة مصر مع الديون وفي إطار التسلسل الزمني لتاريخ مصر في الديون الخارجية، فقد بدأت البلاد في الاستدانة منذ عهد الديكتاتور الراحل جمال عبد الناصر الذي ترك ديوناً بقيمة 1.7 مليار دولار، تزايدت في عهد الرئيس الراحل أنور السادات إلى 21 مليار دولار، قبل أن تقفز في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى 34.9 مليار دولار، بخلاف ديون داخلية بقيمة 962.2 مليار جنيه. وخلال فترة حكم المجلس العسكري منذ فبراير 2011، حتى منتصف 2012، انخفض الدين الخارجي بنحو 200 مليون دولار، مسجلاً 34.7 مليار دولار، لكن الدين الداخلي زاد إلى 1.23 مليار جنيه، لكن المجلس العسكري اعتمد على الإنفاق من الاحتياطي النقدي فنقص من 35 مليارا إلى 15 مليارا فقط، ما يعني أن المجلس العسكري أنفق 20 مليار دولار من الاحتياطي النقدي بدلا من اقتراض هذه الأموال، قبل أن تزيد في عهد الرئيس محمد مرسي حتى 30 يونيو 2013 إلى 1.55 تريليون جنيه كديون داخلية ونحو 43.2 مليار دولار خارجية، بينما واصلت الصعود في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، إلى 1.7 تريليون جنيه داخلياً و46 مليار دولار خارجياً. قفزات هائلة للديون مع السيسي لكن الديون المحلية والخارجية منذ وصول السيسي قفزت إلى مستويات وصفها محللون بالجنونية، وغير المسبوقة منذ عقود طويلة، في حين ببرر الرئيس الحالي السيسي زيادة الديون في كلمة له خلال مؤتمر "حكاية وطن" نهاية يناير الماضي، بدفع رواتب الموظفين التي زادت بعد ثورة يناير 2011. وبينما وصلت الزيادة في ديون مصر خلال عهد السيسي إلى 2.3 تريليون جنيه حتى منتصف 2017 الماضي، تشير بيانات وزارة المالية إلى أن الزيادة التراكمية في قيمة أجور موظفي الدولة بلغت منذ الثورة نحو 144 مليار جنيه، ما يعادل 6.2% من إجمالي الديون التي حصل عليها السيسي. وجاءت عمليات الاقتراض غير المسبوقة، على الرغم من حصول مصر على مساعدات خليجية، قدرها السيسي في مايو 2014، بنحو 20 مليار دولار (354 مليار جنيه وفق سعر الصرف حالياً). وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي: "وضع الديون في مصر كارثي، هذا يقود للمصير الأسود الذي تابعناه في اليونان وعدد من الدول الأخرى". كذلك توقع فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن يؤدي التوسع في الاقتراض إلى حرمان الأجيال المقبلة من أي مكتسبات للاقتصاد، لأن سداد الديون سيستنزفها.