تعرف على الحصر العددى لأصوات الناخبين بمجلس النواب بالدائرة الثانية فى أخميم سوهاج    حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    6417 جنيهًا لهذا العيار، أسعار الذهب صباح اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    سعر صرف الدولار في البنوك المصرية    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه بكفر الشيخ اليوم    الرى تحصد جائزة أفضل مشروع عربى لتطوير البنية التحتية عن تنمية جنوب الوادى    مودي: أثق في نجاح قمة نيودلهي مع بوتين    موعد مباراة الأهلي وإنبي فى كأس عاصمة مصر    علي ماهر: تدريب الأهلي حلمي الأكبر.. ونصحت تريزيجيه بألا يعود    تأهل مصر يمنح العرب إنجازًا تاريخيًا في المونديال    النيابة العامة تباشر التحقيقات في واقعة نشر أخبار كاذبة حول قضية "مدرسة سيدز"    أبرز البنود للمرحلة الثانية من اتفاق إنهاء حرب غزة    بوتين ومودي يبحثان التجارة والعلاقات الدفاعية بين روسيا والهند    الأنبا رافائيل يدشن مذبح الشهيد أبي سيفين بكنيسة العذراء بالفجالة    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    مراجعة فورية لإيجارات الأوقاف في خطوة تهدف إلى تحقيق العدالة    شوقي حامد يكتب: غياب العدالة    ضمن «صحّح مفاهيمك».. أوقاف المنيا تنظّم ندوة بعنوان «احترام الكبير»    آداب سماع القرآن الكريم.. الأزهر للفتوي يوضح    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    بالأسماء.. إصابة 9 أشخاص بتسمم في المحلة الكبرى إثر تناولهم وجبة كشري    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    أحمد سالم: مصر تشهد الانتخابات البرلمانية "الأطول" في تاريخها    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب يكتب: أَيُّهَا الأَحْبَاب.. لا تَنْسَوا الطَّاعاتِ فى شَهْرِ شَعْبَان والحَدَث العَظِيم تحويل القِبْلَة

لقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يدعو ويفرح بقدوم شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان، ويقول: "اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبَلِّغْنَا رمضان".
والمؤمن إنما يفرح بمواسم الطاعات ويترقبها ويستعد لها ويَحِنُّ شوقًا إليها، "إن لربكم فى أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"، وفى الحديث عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم فى شعبان؟ قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، وأُحِبُّ أن يُرْفَع عملى وأنا صائم".
اللهم بارك لنا فى هذه الأيام، وفى هذه الليالى، واجعلها فاتحة خير على الإسلام والمسلمين، اللهم ارفع عنَّا هذه الظلمات، ورُدَّ علينا حقوق المسلم والمسلمة، اللهم اكشف عنَّا البلاء، وفرِّج عن إخواننا فى سوريا وفلسطين، واربط على قلوب أهلهم وذويهم، وبارك فى حياتهم وارزقهم الصبر الجميل، وارحم شهداءهم، اللهم حَبِّب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، فضلًا منك ونعمة.. اللهم آمين.
إن تحويل القبلة حدث مهم وموقف خطير فى حياة المسلمين، يُعِدُّهم ويؤهلهم لابتلاءات بعد هذا الحدث، وتخبرنا الروايات أن المسلمين فى مكة كانوا يتوجَّهون فى الصلاة إلى الكعبة، ثم هاجروا إلى المدينة وأُمِرُوا بالتوجُّه إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى، وبعد ستة عشر شهرًا أُمِرُوا بالعودة إلى البيت الحرام.
لقد كان الاتجاه إلى المسجد الأقصى فى الصلاة فى الحقيقة لفت أنظار غير المسلمين إلى أن الإسلام دين عالمى لا يفرق أبدًا بين مسجد ومسجد، ولا بين أرض وأخرى، لكن اليهود كعادتهم وسفاهتهم استقبلوا الأمر بالعكس، فقالوا: إن اتجاه محمد ومن معه إلى قبلتنا فى الصلاة دليل على أن ديننا هو الدين وقبلتنا هى القبلة، ويقصدون أنهم هم الأصل، فأولى بمحمد ومن معه أن يفيئوا إلى دينهم لا أن يدعوهم إلى الدخول فى الإسلام.
وفى الوقت ذاته، كان الأمر شاقًّا على المسلمين من العرب الذين ألفوا فى الجاهلية أن يُعَظِّموا حرمة البيت الحرام، وأن يجعلوه كعبتهم وقبلتهم، لكنه الامتحان الربَّانى الذى يكشف عن الساحة كشفًا حقيقيًّا تظهر فيه النوايا وتتضح فيه الأغراض، وهذا هو الهدف الحقيقى من هذه الحادثة.
لقد انكشف من وراء الستار، اليهود الذين قالوا غير المنتظر منهم فى العادة والعرف؛ لأنك تظهر لإنسان قربك منه، فإذا به ينقلب على عكس المأمول.
وكان للمسلمين درسٌ فى الاستسلام لأمر الله تعالى مهما شَقَّ على النفس، فالانقياد لأمر الله والرضا بما يأمر به هو الخير وهو الرحمة، وهو السعادة، وفى مثل هذه الأحداث وغيرها يظهر بوضوح الدرس الأول، وهو أن اتباع أمر الله عز وجل والاعتزاز بطاعته والرضا بها مهما كان الأمر مخالفًا لمألوف أو لمصلحة عاجلة أو آجلة أو أمانى وحظوظ هو أصل هذا الطريق.
وبعد ستة عشر شهرًا يأتى الأمر الإلهى بالعودة إلى البيت الحرام.. فما سِرُّ هذا؟ تلك محنة واختبار وابتلاء "ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ" (البقرة: 143).
ويقول الإمام الطبرى فى تفسيره: إن محنة الله تعالى لأصحاب رسوله فى القبلة إنما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التحويل، حتى قال البعض: ما بال محمد يُحَوِّلنا مرة إلى هنا ومرةً إلى هنا؟ وقال المسلمون فيمن مضى من إخوانهم وهم يُصَلُّون إلى بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت.
وقال المشركون: تحيَّر محمدٌ فى دينه، وقال اليهود: يتبع قبلتنا ويخالفنا فى ديننا، فكان كل ذلك فتنةً للناس، واختبارًا وتمحيصًا للمؤمنين، خاصة أنهم على أبواب معركة بدر الكبرى.
أيها الأحباب.. وقفة هنا:
لا تقرءوا السيرة النبوية بأحداثها كأنها من الأمور التى سبقت ومضت، بل اقرءوها واقتربوا منها وعيشوا فيها، وانظروا بهذه المرآة إلى واقعكم، فأنتم على الحق المبين الذى قامت عليه السماوات والأرض، والأبواق الموجَّهة نحوكم للتضليل والتشكيك من غيركم.. هى.. هى التى وُجِّهَت إلى أسلافكم فاستطاعوا بصبرهم وصدقهم ونفاذ بصيرتهم أن يتغلبوا عليها وأن ينتصروا؛ لأنهم صدقوا مع الله وآمنوا أن الحق لا يتعدد، وأن الباطل مهزوم، فتعمَّقوا فى هذه المناسبات وعايشوها وعلِّموها أولادكم وبيوتكم.
أيها الأحباب.. حين نعرض للسيرة والذين حملوها من الغرِّ الميامين الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه، وصدقهم مع ربهم وإخلاصهم فى دعوتهم وتجردهم لها، إنما نريد أن تعيشوا وأن تحبوا فى هذه الظلال المباركة الكريمة، وأن تنأوا بأنفسكم عن كل صغيرة، أو عن أى هدف لا يتناسب مع ما أنتم عليه.
إن رجال العقيدة يجب أن يتميَّزوا، وأن تبلغ العقيدة من نفوسهم مبلغ الاستيلاء الكامل، وعقيدة الإسلام ترفض أن يكون لها فى القلب شريك، فاتجاه المسلم يجب أن يكون حيث أمره ربه "قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (البقرة: 142).
هل عرفتم دورنا؟ وهل عرفنا حقيقة أمرنا؟ فالقرآن عرض فى سورة البقرة تحويل القبلة، ثم بعده مباشرة يقول الحق جل وعلا مبينًا دور هذه الأمة العظيم ومكانتها دائمًا فى الماضى والحاضر وفى المستقبل إلى يوم القيامة، مكان موصول وطريق واحد، يقول سبحانه: "وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة: 143).
إن الإسلام الحنيف والدِّين الخالد يريد استخلاص القلوب وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل عصبية، فالعصبيات مرفوضة والتعصُّب مرفوض فى الإسلام؛ لأنها أمراض وأغلال تشدُّ الإنسان بعيدًا عن الصراط المستقيم.
رأى أحد الصحابة بعض الناس يقول: أبى فلان وأبى فلان، فقال لهم:
أَبِى الإِسْلامُ لا أَبَا لِى سِوَاهُ *** إِذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ
إن الإسلام العظيم ربط قلوب المسلمين لا بهذا ولا بذلك، فروابطهم الإسلامية أعزُّ وأغلى من كل الروابط لقد ربط القلوب بحقيقة التوحيد، فربطهم بالمثل العليا، ورباط وثيق لا يتغير ولا يتبدل ولا يتلوَّن، بل هو صادق ومخلص للجميع، وربطهم أيضًا بحقيقة أن هذا البيت الحرام الذى بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ ليكون خالصًا لله تعالى وليكون ميراثًا لهذه الأمة المسلمة التى نشأت من بعدهما إلى يوم القيامة، يتوارثونه ويحملونه، كما حمله الأسلاف إلى العالم كله يُبَشِّرُونَهُم به، ويدعونهم إليه، وهم أمام الدنيا كلها يتخلَّقون بهذا الدين، ويلتزمون بكل كلمة يقولونها، وهكذا إلى يوم القيامة "قُلْ إنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* وأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ" (الزمر: 11، 12).
ويقول عز وجل آمرًا النبى صلى الله عليه وسلم أن يعلن هذا الأمر: "إنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا ولَهُ كُلُّ شَىْءٍ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ* وأَنْ أَتْلُوَ القُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَقُلْ إنَّمَا أَنَا مِنَ المُنذِرِينَ* وقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (النمل: 91-93).
إن من سمات هذه الأمة التى ننتمى إليها ونعتزُّ بانتمائنا إليها ونفخر بنسبتنا إليها، ونحاول أن نكون فى الطريق الذى سارت فيه وسار فيه أسلافنا؛ وهى الوَسَطِيَّة، والوسطيَّة ليست دعوى يُتَشدَّق بها، أو كلمات تُقَال على اللسان، لكنها تعنى الحقائق الكبرى لهذا الدين العظيم.
فهذه الأمة لها رسالة ولها أهداف ولها غايات لا تحيد عنها، إنها تردُّ الناس إلى ربهم، تُذَكِّرُهم بخالقهم، وتعمل على راحتهم.. يقول الإمام البَنَّا عليه الرضوان مكلفًا الإخوان: "هل أنتم على استعداد أن تجوعوا ويشبع الناس؟ وأن تشقوا ويسعد الناس؟ وأن تتعبوا ويستريح الناس؟ وأخيرًا.. لتموتوا وتحيا أمتكم؟".
هذا هو دورنا: خدمة الآخرين أيًّا كانوا، ورعايتهم، لقد كان لأبى بكر رضى الله عنه جارة عجوز، وليس لها أحد يرعاها سوى الله تعالى، فكان من عادته أن يمرَّ عليها فى كل صباح، وكان عندها شاة لا تملك سواها، فيحلبها لها ويعطيها لتشرب، وبعد أن تولَّى الخلافة دخل عليها فسمعها تقول: أين نحن من أبى بكر لقد شغل عنَّا بالخلافة؟ فإذا بها تسمع أبا بكر يُلْقِى عليها السلام ويقول لها: أَحْلب الشاة أم أصرها؟ أى أحفظ لك اللبن فى ضرعها إن كنت غير محتاجة إليه، لم تشغله رضى الله عنه مشاغل الخلافة على جسامتها عن جارته، وها هو عمر رضى الله عنه وهو خليفة يحمل إناء فيه زيت يداوى إبل الصدقة بنفسه، فيمرّ عليه أحد المسلمين ويقول له: يا أمير المؤمنين! هلا كلَّفت عبدًا يقوم بهذه المهمة؟ فوضع إناء الزيت على الأرض، ثمَّ أقبل عليه -وكان يلبس عباءة- وقال له: "ليس هناك على ظهر الأرض أحد أعبد منى ومنك، وأعطاه إناء آخر، وقال له: اعمل معى، وهذا هو عمر أيضًا يقول لعبد الرحمن بن عوف: هناك بجوار المسجد بعض الغرباء من التجار والذين يبيتون، فهل لك أن تحرسهم من السرقة؟ فقال له: نعم، والتجار من الأجانب الذين سمح لهم بعرض تجارتهم فى الأسواق وبيعها لفترة معينة، ثم يخرجون من الدولة، ووقف عمر يصلى وعبد الرحمن يحرس.. هذا فترة وهذا فترة، ثم سمع عمر رضى الله عنه طفلًا يبكى فى بيت قريب من المسجد، فذهب بنفسه إلى أمه وقال لها:
"أسكتى هذا الغلام.. وأرضعيه، ورجع، لكن الطفل عاد إلى الصراخ مرة أخرى، فعاد إليها عمر يطلب منها إسكات الطفل بإرضاعه، وفى المرة الثالثة قال لها: أراك أم سوء، لماذا يبكى هذا الغلام؟ فقالت المرأة وهى لا تعرفه رضى الله عنه: عمر يتولَّى أمرنا ويغفل عنا، لقد أمر بإعطاء الطفل المعونة بعد فطامه، فنحن نسارع بفطمه عن الرضاعة حتى نقبض له المعونة، وذهب عمر إلى المسجد وهو لا يستطيع أن يقرأ القرآن فى الصلاة من شدة البكاء، وبعد الصلاة سُمِع يقول: كم قتلت من أطفال المسلمين يا عمر؟
وأعطى أمرًا بأن تُعْطَى المعونة للطفل فورًا عند ولادته لا بعد فطمه.
أين نحن من هذا التاريخ؟ ومن هذه العظمة؟ ومن المراقبة لله عز وجل، ومن الخوف منه وحده؟ وهذا ما نحاول نحن كإخوان ومعنا على الطريق كل من فهم هذا الفهم واستقى من هذا النبع الخالد إلى يوم القيامة.. أن نعمل به، وكل واحد ينوى نيةً خالصةً أن يزداد وأن يقترب من هذا الجيل الكريم الذى سبقنا، ومن هذه الأجيال التى ربَّت البشرية بعد أن ردَّتها إلى ربها، وعلَّمتها وأنشأت المساجد العامرة، ودور العلم والمعرفة فى كل مكان، ورفعت شأن الإنسان طفلًا وشابًّا وشيخًا، رجلًا وامرأةً، مسلمين أو غير مسلمين.
رفعت شأن البشرية جميعًا، فهى امتداد لعمل رسولها ونبيها صلى الله عليه وسلم ومن جاء من قبله من الأنبياء والرسل عليهم السلام: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِى وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ" (يوسف: 108).
والوسطية أيضًا هى الاعتدال الكامل، وهى الالتزام الدقيق بمنهج الله عز وجل، يقول أحد الدعاة: "إنها الأمَّة الوسط بكل معانى الوسط، سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه الحسِّى المادى".
هذا جانب من دور هذه الأمة المباركة فى العدل والإنصاف والاعتدال، وهى أمة على منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم: الرَّحْمَة المهداة، والنِّعْمَةُ المُسْدَاة، والسِّرَاج المنير.
أيها المسلمون.. أيها الناس جميعًا.. يا أمم الأرض:
ألا تسمعون عما يحدث فى سوريا من بلاء وشهداء وتدمير وتخريب وسفك للدماء؟! ألم تعرفوا حق المسلم على المسلم والواجبات التى عليكم؟! أفيقوا.. فعاقبة التقصير أن يحل بكم ما حلَّ بهم لا قدر الله.. ألا تقرءون وأجهزة الإعلام تعرض كل شىء وأنتم ترونها.. ماذا ينتظر المسلمون؟ وماذا يريد حكامهم من السكوت عن طغيان اليهود وربيبهم حزب البعث؟ وإجرام اليهود؟ وتبجح اليهود، وسفالات اليهود فى وضح النهار، وفى مرأى ومسمع منكم؟ ماذا يريد حكام المسلمين؟ وماذا ينتظرون؟ وما المآل لهذا الموقف؟ هل فكَّروا فى هذا؟ ماذا فعلت الجامعة العربية؟ وماذا قدَّمت الهيئات والمنظمات العالمية؟ أليس على الساحة رجلٌ رشيد؟ أو أمة تقف لتقول لعصابات اليهود كفاكم، وتعلن مقاطعتها ومخاصمتها ليهود؟
حسبنا الله ونعم الوكيل..
أما أنتم أيها الأحباب.. فدوركم أن تُحْسِنوا الصيام والإكثار منه لا فى شعبان ولا رمضان، لكن صوموا كثيرًا، ووفِّروا الجنيهات القليلة لإخوانكم فى فلسطين وسوريا، ولكل الذين يُعْتَدى عليهم ظلمًا وعدوانًا فى أى جزء من أجزاء العالم.
ربُّوا أبناءكم على هذا، على الصيام والتبرع والعطاء للمغلوبين والمقهورين، وأكثروا فى هذه الأيام من الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.. أن ينقذ الأمة الإسلامية من الذئاب والوحوش والسَّفلة الذين لا خلاق لهم ولا دين لهم.
واحذروا دائمًا.. أن يراكم الله حيث نهاكم، وأن يفقدكم حيث أمركم، واعلموا أن قضية الإنفاق والعطاء قضية خطيرة عند الله.. يقول سبحانه وتعالى: "هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ومَن يَبْخَلْ فَإنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ واللَّهُ الغَنِى وأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: 38).
هذا التهديد والوعيد من الله عز وجل على مجرَّد عدم الإنفاق، فكيف بحال المسلمين إذا قعدوا عن أمور كثيرة من نصرة الذين يحتاجون إلى مدِّ الأيدى والمعونة والمساعدة والجهاد؛ لتخليص المظلوم، والضرب على يد الظالم، ونزع أنياب السفَّاحين من اليهود.
إن اليهود خانوا الله ورسوله وقتلوا الأنبياء وسفكوا دماءهم، فماذا تنتظرون منهم؟
نسأل الله تعالى أن يمنَّ على الأمة كلها بالنصر فى رمضان على أعدائها، فابذلوا واصدقوا مع الله، وانتظروا النصر القريب من الله عز وجل.
والله أكبر ولله الحمد..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.