«تطوير التعليم بالوزراء» يعلن اعتماد أول 3 معامل لغات دولية    "علوم جنوب الوادي" تنظم ندوة عن مكافحة الفساد    مستقبل صناعة العقار في فيلم تسجيلي بمؤتمر أخبار اليوم    16 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    الذهب يتراجع من أعلى مستوياته في شهرين وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    وزير الإسكان من مؤتمر أخبار اليوم العقاري: ندعم الصناعات المرتبطة بالقطاع لتقليل الاستيراد    تداول 9 آلاف طن بضائع و573 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    إغلاق السفارة الأمريكية في إسرائيل بسبب القصف الإيراني    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    لاعب بورتو: الأهلي وإنتر ميامي خصمان قويان.. وسنقاتل حتى النهاية    صباحك أوروبي.. صدام في مدريد.. إنجلترا المحبطة.. وتعليق كومباني    بالمواعيد.. جدول مباريات ريال مدريد في كأس العالم للأندية 2025    مواعيد مباريات اليوم.. تشيلسي مع لوس أنجلوس والترجي أمام فلامينجو بمونديال الأندية    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    سقوط مروع لمسن داخل بئر بمصعد بعقار في «الهرم»    وزارة التعليم: ليس ضرورياً حصول الطالب على نفس رقم نموذج الأسئلة بالثانوية    رياح وأتربة وحرارة مرتفعة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الاثنين    تحرير 533 مخالفة لعدم ارتداء «الخوذة» وسحب 879 رخصة خلال 24 ساعة    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة نارية بمدينة 6 أكتوبر    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    شام الذهبي تطمئن الجمهور على نجل تامر حسني: «عريس بنتي المستقبلي وربنا يشفيه»    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    صيف 2025 .. علامات تدل على إصابتك بالجفاف في الطقس الحار    إصدار 19.9 مليون قرار علاج مميكن من خلال التأمين الصحي خلال عام    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    تفاصيل إنقاذ مريض كاد أن يفقد حياته بسبب خراج ضرس في مستشفي شربين بالدقهلية    تنسيق الجامعات.. اكتشف برنامج فن الموسيقى (Music Art) بكلية التربية الموسيقية بالزمالك    مدير جديد لإدارة مراقبة المخزون السلعي بجامعة قناة السويس    إعلام إسرائيلي: إيران أطلقت 370 صاروخا وأكثر من 100 مسيرة منذ بداية الحرب    مستشار الرئيس للصحة: مصر سوق كبيرة للاستثمار في الصحة مع وجود 110 ملايين مواطن وسياحة علاجية    سفير أمريكا بإسرائيل: ارتجاجات ناتجة عن صاروخ إيراني تلحق أضرارا طفيفة بالقنصلية الأمريكية    الميزان لا يزال في شنطة السيارة.. محافظ الدقهلية يستوقف نقل محملة بأنابيب الغاز للتأكد من وزنها    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    ب الكتب أمام اللجان.. توافد طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية لأداء امتحان "النحو"    السيطرة على حريق داخل شقة سكنية بسوهاج دون إصابات    يسرائيل كاتس: علي خامنئي تحول إلى قاتل جبان.. وسكان طهران سيدفعون الثمن قريبا    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    سعر جرام الذهب ببداية تعاملات اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    منتخب السعودية يستهل مشواره في الكأس الذهبية بالفوز على هاييتي بهدف    إيران: مقتل 224 مواطنا على الأقل منذ بدء هجمات إسرائيل يوم الجمعة    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    الأمن الإيراني يطارد سيارة تابعة للموساد الإسرائيلي وسط إطلاق نار| فيديو    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    تفاصيل اللحظات الأخيرة في واقعة شهيد بنزينة العاشر من رمضان    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب يكتب: أَيُّهَا الأَحْبَاب.. لا تَنْسَوا الطَّاعاتِ فى شَهْرِ شَعْبَان والحَدَث العَظِيم تحويل القِبْلَة

لقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يدعو ويفرح بقدوم شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان، ويقول: "اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبَلِّغْنَا رمضان".
والمؤمن إنما يفرح بمواسم الطاعات ويترقبها ويستعد لها ويَحِنُّ شوقًا إليها، "إن لربكم فى أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"، وفى الحديث عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم فى شعبان؟ قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، وأُحِبُّ أن يُرْفَع عملى وأنا صائم".
اللهم بارك لنا فى هذه الأيام، وفى هذه الليالى، واجعلها فاتحة خير على الإسلام والمسلمين، اللهم ارفع عنَّا هذه الظلمات، ورُدَّ علينا حقوق المسلم والمسلمة، اللهم اكشف عنَّا البلاء، وفرِّج عن إخواننا فى سوريا وفلسطين، واربط على قلوب أهلهم وذويهم، وبارك فى حياتهم وارزقهم الصبر الجميل، وارحم شهداءهم، اللهم حَبِّب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، فضلًا منك ونعمة.. اللهم آمين.
إن تحويل القبلة حدث مهم وموقف خطير فى حياة المسلمين، يُعِدُّهم ويؤهلهم لابتلاءات بعد هذا الحدث، وتخبرنا الروايات أن المسلمين فى مكة كانوا يتوجَّهون فى الصلاة إلى الكعبة، ثم هاجروا إلى المدينة وأُمِرُوا بالتوجُّه إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى، وبعد ستة عشر شهرًا أُمِرُوا بالعودة إلى البيت الحرام.
لقد كان الاتجاه إلى المسجد الأقصى فى الصلاة فى الحقيقة لفت أنظار غير المسلمين إلى أن الإسلام دين عالمى لا يفرق أبدًا بين مسجد ومسجد، ولا بين أرض وأخرى، لكن اليهود كعادتهم وسفاهتهم استقبلوا الأمر بالعكس، فقالوا: إن اتجاه محمد ومن معه إلى قبلتنا فى الصلاة دليل على أن ديننا هو الدين وقبلتنا هى القبلة، ويقصدون أنهم هم الأصل، فأولى بمحمد ومن معه أن يفيئوا إلى دينهم لا أن يدعوهم إلى الدخول فى الإسلام.
وفى الوقت ذاته، كان الأمر شاقًّا على المسلمين من العرب الذين ألفوا فى الجاهلية أن يُعَظِّموا حرمة البيت الحرام، وأن يجعلوه كعبتهم وقبلتهم، لكنه الامتحان الربَّانى الذى يكشف عن الساحة كشفًا حقيقيًّا تظهر فيه النوايا وتتضح فيه الأغراض، وهذا هو الهدف الحقيقى من هذه الحادثة.
لقد انكشف من وراء الستار، اليهود الذين قالوا غير المنتظر منهم فى العادة والعرف؛ لأنك تظهر لإنسان قربك منه، فإذا به ينقلب على عكس المأمول.
وكان للمسلمين درسٌ فى الاستسلام لأمر الله تعالى مهما شَقَّ على النفس، فالانقياد لأمر الله والرضا بما يأمر به هو الخير وهو الرحمة، وهو السعادة، وفى مثل هذه الأحداث وغيرها يظهر بوضوح الدرس الأول، وهو أن اتباع أمر الله عز وجل والاعتزاز بطاعته والرضا بها مهما كان الأمر مخالفًا لمألوف أو لمصلحة عاجلة أو آجلة أو أمانى وحظوظ هو أصل هذا الطريق.
وبعد ستة عشر شهرًا يأتى الأمر الإلهى بالعودة إلى البيت الحرام.. فما سِرُّ هذا؟ تلك محنة واختبار وابتلاء "ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ" (البقرة: 143).
ويقول الإمام الطبرى فى تفسيره: إن محنة الله تعالى لأصحاب رسوله فى القبلة إنما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التحويل، حتى قال البعض: ما بال محمد يُحَوِّلنا مرة إلى هنا ومرةً إلى هنا؟ وقال المسلمون فيمن مضى من إخوانهم وهم يُصَلُّون إلى بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت.
وقال المشركون: تحيَّر محمدٌ فى دينه، وقال اليهود: يتبع قبلتنا ويخالفنا فى ديننا، فكان كل ذلك فتنةً للناس، واختبارًا وتمحيصًا للمؤمنين، خاصة أنهم على أبواب معركة بدر الكبرى.
أيها الأحباب.. وقفة هنا:
لا تقرءوا السيرة النبوية بأحداثها كأنها من الأمور التى سبقت ومضت، بل اقرءوها واقتربوا منها وعيشوا فيها، وانظروا بهذه المرآة إلى واقعكم، فأنتم على الحق المبين الذى قامت عليه السماوات والأرض، والأبواق الموجَّهة نحوكم للتضليل والتشكيك من غيركم.. هى.. هى التى وُجِّهَت إلى أسلافكم فاستطاعوا بصبرهم وصدقهم ونفاذ بصيرتهم أن يتغلبوا عليها وأن ينتصروا؛ لأنهم صدقوا مع الله وآمنوا أن الحق لا يتعدد، وأن الباطل مهزوم، فتعمَّقوا فى هذه المناسبات وعايشوها وعلِّموها أولادكم وبيوتكم.
أيها الأحباب.. حين نعرض للسيرة والذين حملوها من الغرِّ الميامين الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه، وصدقهم مع ربهم وإخلاصهم فى دعوتهم وتجردهم لها، إنما نريد أن تعيشوا وأن تحبوا فى هذه الظلال المباركة الكريمة، وأن تنأوا بأنفسكم عن كل صغيرة، أو عن أى هدف لا يتناسب مع ما أنتم عليه.
إن رجال العقيدة يجب أن يتميَّزوا، وأن تبلغ العقيدة من نفوسهم مبلغ الاستيلاء الكامل، وعقيدة الإسلام ترفض أن يكون لها فى القلب شريك، فاتجاه المسلم يجب أن يكون حيث أمره ربه "قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (البقرة: 142).
هل عرفتم دورنا؟ وهل عرفنا حقيقة أمرنا؟ فالقرآن عرض فى سورة البقرة تحويل القبلة، ثم بعده مباشرة يقول الحق جل وعلا مبينًا دور هذه الأمة العظيم ومكانتها دائمًا فى الماضى والحاضر وفى المستقبل إلى يوم القيامة، مكان موصول وطريق واحد، يقول سبحانه: "وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة: 143).
إن الإسلام الحنيف والدِّين الخالد يريد استخلاص القلوب وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل عصبية، فالعصبيات مرفوضة والتعصُّب مرفوض فى الإسلام؛ لأنها أمراض وأغلال تشدُّ الإنسان بعيدًا عن الصراط المستقيم.
رأى أحد الصحابة بعض الناس يقول: أبى فلان وأبى فلان، فقال لهم:
أَبِى الإِسْلامُ لا أَبَا لِى سِوَاهُ *** إِذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ
إن الإسلام العظيم ربط قلوب المسلمين لا بهذا ولا بذلك، فروابطهم الإسلامية أعزُّ وأغلى من كل الروابط لقد ربط القلوب بحقيقة التوحيد، فربطهم بالمثل العليا، ورباط وثيق لا يتغير ولا يتبدل ولا يتلوَّن، بل هو صادق ومخلص للجميع، وربطهم أيضًا بحقيقة أن هذا البيت الحرام الذى بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ ليكون خالصًا لله تعالى وليكون ميراثًا لهذه الأمة المسلمة التى نشأت من بعدهما إلى يوم القيامة، يتوارثونه ويحملونه، كما حمله الأسلاف إلى العالم كله يُبَشِّرُونَهُم به، ويدعونهم إليه، وهم أمام الدنيا كلها يتخلَّقون بهذا الدين، ويلتزمون بكل كلمة يقولونها، وهكذا إلى يوم القيامة "قُلْ إنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* وأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ" (الزمر: 11، 12).
ويقول عز وجل آمرًا النبى صلى الله عليه وسلم أن يعلن هذا الأمر: "إنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا ولَهُ كُلُّ شَىْءٍ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ* وأَنْ أَتْلُوَ القُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَقُلْ إنَّمَا أَنَا مِنَ المُنذِرِينَ* وقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (النمل: 91-93).
إن من سمات هذه الأمة التى ننتمى إليها ونعتزُّ بانتمائنا إليها ونفخر بنسبتنا إليها، ونحاول أن نكون فى الطريق الذى سارت فيه وسار فيه أسلافنا؛ وهى الوَسَطِيَّة، والوسطيَّة ليست دعوى يُتَشدَّق بها، أو كلمات تُقَال على اللسان، لكنها تعنى الحقائق الكبرى لهذا الدين العظيم.
فهذه الأمة لها رسالة ولها أهداف ولها غايات لا تحيد عنها، إنها تردُّ الناس إلى ربهم، تُذَكِّرُهم بخالقهم، وتعمل على راحتهم.. يقول الإمام البَنَّا عليه الرضوان مكلفًا الإخوان: "هل أنتم على استعداد أن تجوعوا ويشبع الناس؟ وأن تشقوا ويسعد الناس؟ وأن تتعبوا ويستريح الناس؟ وأخيرًا.. لتموتوا وتحيا أمتكم؟".
هذا هو دورنا: خدمة الآخرين أيًّا كانوا، ورعايتهم، لقد كان لأبى بكر رضى الله عنه جارة عجوز، وليس لها أحد يرعاها سوى الله تعالى، فكان من عادته أن يمرَّ عليها فى كل صباح، وكان عندها شاة لا تملك سواها، فيحلبها لها ويعطيها لتشرب، وبعد أن تولَّى الخلافة دخل عليها فسمعها تقول: أين نحن من أبى بكر لقد شغل عنَّا بالخلافة؟ فإذا بها تسمع أبا بكر يُلْقِى عليها السلام ويقول لها: أَحْلب الشاة أم أصرها؟ أى أحفظ لك اللبن فى ضرعها إن كنت غير محتاجة إليه، لم تشغله رضى الله عنه مشاغل الخلافة على جسامتها عن جارته، وها هو عمر رضى الله عنه وهو خليفة يحمل إناء فيه زيت يداوى إبل الصدقة بنفسه، فيمرّ عليه أحد المسلمين ويقول له: يا أمير المؤمنين! هلا كلَّفت عبدًا يقوم بهذه المهمة؟ فوضع إناء الزيت على الأرض، ثمَّ أقبل عليه -وكان يلبس عباءة- وقال له: "ليس هناك على ظهر الأرض أحد أعبد منى ومنك، وأعطاه إناء آخر، وقال له: اعمل معى، وهذا هو عمر أيضًا يقول لعبد الرحمن بن عوف: هناك بجوار المسجد بعض الغرباء من التجار والذين يبيتون، فهل لك أن تحرسهم من السرقة؟ فقال له: نعم، والتجار من الأجانب الذين سمح لهم بعرض تجارتهم فى الأسواق وبيعها لفترة معينة، ثم يخرجون من الدولة، ووقف عمر يصلى وعبد الرحمن يحرس.. هذا فترة وهذا فترة، ثم سمع عمر رضى الله عنه طفلًا يبكى فى بيت قريب من المسجد، فذهب بنفسه إلى أمه وقال لها:
"أسكتى هذا الغلام.. وأرضعيه، ورجع، لكن الطفل عاد إلى الصراخ مرة أخرى، فعاد إليها عمر يطلب منها إسكات الطفل بإرضاعه، وفى المرة الثالثة قال لها: أراك أم سوء، لماذا يبكى هذا الغلام؟ فقالت المرأة وهى لا تعرفه رضى الله عنه: عمر يتولَّى أمرنا ويغفل عنا، لقد أمر بإعطاء الطفل المعونة بعد فطامه، فنحن نسارع بفطمه عن الرضاعة حتى نقبض له المعونة، وذهب عمر إلى المسجد وهو لا يستطيع أن يقرأ القرآن فى الصلاة من شدة البكاء، وبعد الصلاة سُمِع يقول: كم قتلت من أطفال المسلمين يا عمر؟
وأعطى أمرًا بأن تُعْطَى المعونة للطفل فورًا عند ولادته لا بعد فطمه.
أين نحن من هذا التاريخ؟ ومن هذه العظمة؟ ومن المراقبة لله عز وجل، ومن الخوف منه وحده؟ وهذا ما نحاول نحن كإخوان ومعنا على الطريق كل من فهم هذا الفهم واستقى من هذا النبع الخالد إلى يوم القيامة.. أن نعمل به، وكل واحد ينوى نيةً خالصةً أن يزداد وأن يقترب من هذا الجيل الكريم الذى سبقنا، ومن هذه الأجيال التى ربَّت البشرية بعد أن ردَّتها إلى ربها، وعلَّمتها وأنشأت المساجد العامرة، ودور العلم والمعرفة فى كل مكان، ورفعت شأن الإنسان طفلًا وشابًّا وشيخًا، رجلًا وامرأةً، مسلمين أو غير مسلمين.
رفعت شأن البشرية جميعًا، فهى امتداد لعمل رسولها ونبيها صلى الله عليه وسلم ومن جاء من قبله من الأنبياء والرسل عليهم السلام: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِى وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ" (يوسف: 108).
والوسطية أيضًا هى الاعتدال الكامل، وهى الالتزام الدقيق بمنهج الله عز وجل، يقول أحد الدعاة: "إنها الأمَّة الوسط بكل معانى الوسط، سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه الحسِّى المادى".
هذا جانب من دور هذه الأمة المباركة فى العدل والإنصاف والاعتدال، وهى أمة على منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم: الرَّحْمَة المهداة، والنِّعْمَةُ المُسْدَاة، والسِّرَاج المنير.
أيها المسلمون.. أيها الناس جميعًا.. يا أمم الأرض:
ألا تسمعون عما يحدث فى سوريا من بلاء وشهداء وتدمير وتخريب وسفك للدماء؟! ألم تعرفوا حق المسلم على المسلم والواجبات التى عليكم؟! أفيقوا.. فعاقبة التقصير أن يحل بكم ما حلَّ بهم لا قدر الله.. ألا تقرءون وأجهزة الإعلام تعرض كل شىء وأنتم ترونها.. ماذا ينتظر المسلمون؟ وماذا يريد حكامهم من السكوت عن طغيان اليهود وربيبهم حزب البعث؟ وإجرام اليهود؟ وتبجح اليهود، وسفالات اليهود فى وضح النهار، وفى مرأى ومسمع منكم؟ ماذا يريد حكام المسلمين؟ وماذا ينتظرون؟ وما المآل لهذا الموقف؟ هل فكَّروا فى هذا؟ ماذا فعلت الجامعة العربية؟ وماذا قدَّمت الهيئات والمنظمات العالمية؟ أليس على الساحة رجلٌ رشيد؟ أو أمة تقف لتقول لعصابات اليهود كفاكم، وتعلن مقاطعتها ومخاصمتها ليهود؟
حسبنا الله ونعم الوكيل..
أما أنتم أيها الأحباب.. فدوركم أن تُحْسِنوا الصيام والإكثار منه لا فى شعبان ولا رمضان، لكن صوموا كثيرًا، ووفِّروا الجنيهات القليلة لإخوانكم فى فلسطين وسوريا، ولكل الذين يُعْتَدى عليهم ظلمًا وعدوانًا فى أى جزء من أجزاء العالم.
ربُّوا أبناءكم على هذا، على الصيام والتبرع والعطاء للمغلوبين والمقهورين، وأكثروا فى هذه الأيام من الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.. أن ينقذ الأمة الإسلامية من الذئاب والوحوش والسَّفلة الذين لا خلاق لهم ولا دين لهم.
واحذروا دائمًا.. أن يراكم الله حيث نهاكم، وأن يفقدكم حيث أمركم، واعلموا أن قضية الإنفاق والعطاء قضية خطيرة عند الله.. يقول سبحانه وتعالى: "هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ومَن يَبْخَلْ فَإنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ واللَّهُ الغَنِى وأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: 38).
هذا التهديد والوعيد من الله عز وجل على مجرَّد عدم الإنفاق، فكيف بحال المسلمين إذا قعدوا عن أمور كثيرة من نصرة الذين يحتاجون إلى مدِّ الأيدى والمعونة والمساعدة والجهاد؛ لتخليص المظلوم، والضرب على يد الظالم، ونزع أنياب السفَّاحين من اليهود.
إن اليهود خانوا الله ورسوله وقتلوا الأنبياء وسفكوا دماءهم، فماذا تنتظرون منهم؟
نسأل الله تعالى أن يمنَّ على الأمة كلها بالنصر فى رمضان على أعدائها، فابذلوا واصدقوا مع الله، وانتظروا النصر القريب من الله عز وجل.
والله أكبر ولله الحمد..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.