مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    توقعات برفع سعر الفائدة خلال اجتماع البنك المركزي المقبل    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    فلسطين.. المدفعية الإسرائيلية تقصف الشجاعية والزيتون شرقي غزة    الزمالك: هناك مكافآت للاعبين حال الفوز على دريمز.. ومجلس الإدارة يستطيع حل أزمة القيد    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    هاني حتحوت يكشف كواليس أزمة خالد بوطيب وإيقاف قيد الزمالك    إعلامي يفجر مفاجأة بشأن رحيل نجم الزمالك    مصر تسيطر على نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية (PSA 2024) للرجال والسيدات    «عودة قوية للشتاء» .. بيان مهم بشأن الطقس اليوم الجمعة وخريطة سقوط الأمطار    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    فيلم «النداء الأخير- Last C all» يختتم حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية القصير الدورة 10    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء وتراجع كرتونة البيض (أحمر وأبيض) بالأسواق الجمعة 26 أبريل 2024    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    أحمد أبو مسلم: كولر تفكيره غريب وهذا تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    عبقرينو اتحبس | استولى على 23 حساب فيس بوك.. تفاصيل    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    مجلس جامعة الوادي الجديد يعتمد تعديل بعض اللوائح ويدرس الاستعداد لامتحانات الكليات    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيت الحرام والمسجد الأقصى
نشر في مصر الجديدة يوم 11 - 10 - 2012


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فيقول الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ
رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
(الحج: 27).
الحج الركن الخامس في الإسلام وهو يذكرنا بيوم الدين، حيث يخلع المسلم
الدنيا من على جسده، ويطهره بالاغتسال، ويطهر القلب بالتوبة والاستغفار،
ويلف الجسم بثوب أبيض كالأكفان، ويعلن في تبتل وخشوع وخضوع التوحيد
الخالص، والإقرار التام بأن النعمة كل النعمة من الله تعالى؛ ومن ثَمَّ
فإن الحمد كل الحمد لله وذلك في تلبية الحجيج بصوت مرتفع: "لبيك اللهم
لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
الحج والتلبية قديم قدم التاريخ:
إن الحج رحلة تصل المسلم بأعماق التاريخ، وتربطه بالنداء الأول لأبيه
إبراهيم عليه السلام، وهذه التلبية يتوارثها الناس منذ أبي البشر آدم
عليه السلام، فقد رُوِيَ أنه أول من لبَّى ومن بعده لبَّى جميع الأنبياء
والمرسلين ومن اتبعهم من عباد الله الصالحين، إلى أن بعث الله إبراهيم
عليه السلام، وكان البيت قد اندثر، فأمره الله عز وجل برفع البيت وتطهيره
وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (البقرة: 125).
وبعد أن فرغ من بناء البيت، قيل له: "أذِّن في الناس بالحج، قال: يا رب!
وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعليَّ الإبلاغ. فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي
قبيس، وصاح: يا أيها الناس! إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به
الجنة، ويجيركم من عذاب النار، فحجوا، فأجابه من كان في أصلاب الرجال
وأرحام النساء، منادين ربهم من عالم الذر: لبيك اللهم لبيك!، فمن أجاب
يومئذ حج على قدر الإجابة، إن أجاب مرة فمرة، وإن أجاب مرتين فمرتين،
وجرت التلبية على ذلك"، على نسق الحنيفية السمحة، وبقيت من بعده آثار تلك
التلبية متوارثة، فقد كانت العرب إذا لبت وهللت قالت: "لبيك اللهم لبيك
.. لبيك لا شريك لك ... إلا شريك هو لك .. تملكه وما ملك" يحرفون التلبية
ويلبسون بها الشرك بالله.. تعالى الله عما يقولون عُلوًّا كبيرًا.
ثم كانت بعثة الرسول  وبحجه أكمل الله الدين، وأتمَّ علينا النعمة:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: 3).
إن لبيك لله لبيك معناها "إجابةَ محبٍّ لدعوة حبيبه؛ ولهذا كان للتلبية
قبول عند الله، وكلما أكثرَ العبدُ منها كان أحبَّ إلى ربه؛ ومن ثَمَّ
فهو لا يملك نفسه فيظل يهتف: "لبيك لبيك" حتى ينقطع نَفَسُه.
البيت الحرام هداية وأمنًا للناس أجمعين:
إن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس أجمعين، وكل ما فيه خير
للعالمين، وما أجمل هذا الدين حين يعلن أن النبي  رحمة الله عز وجل
للعالمين: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
(الأنبياء: 107). وعن بيت الله الحرام يقول الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ
بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً
لِلْعالَمِينَ (الحج: 96). يُخْبر الله تَعَالَى أَنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضع لِلنَّاسِ، أَيْ: لِعُمُومِ النَّاسِ، لِعِبَادَتِهِمْ ونُسُكهم،
يَطُوفون بِهِ ويُصلُّون إِلَيْهِ ويَعتكِفُون عِنْدَهُ.
وهُدى للعالمين وليس هدى للمسلمين فقط، وهذه الهداية لا تتحقق إلا إذا
كان البيت موضعاً للطاعات، وقِبْلَةً للخلق، في الصلوات، وموضِعاً
للحجِّ.
أما شرف انتماء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقد حاول اليهود
والنصارى ضمه إليهم تشرفًا به، فرد الله تعالى عليهم بقوله الفصل، وبشرف
انتمائنا نحن لأبينا إبراهيم فهو الأب الذي سمانا المسلمين.. الاسم الذي
به نعرف بين كل الناس.
وحين يتحدث القرآن الكريم عما اختص الله به البيت من الأمن قال تعالى:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا (البقرة:
125). بل إن الكعبة قيام الناس وقوام العالم: جَعَلَ اللَّهُ
الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ (المائدة: 97).
لقد جعل الله بيته الحرام قياماً للناس، فهو عمود العالم الذي عليه
بناؤه، وإن سعادة العالم وأمنه واستقراره لن يتحقق إلا إذا ظللته شريعة
الإسلام الذي تكفل الله بحفظها؛ لتفيء إليها البشرية كلما أنهكتها الحروب
والاحتلال والسيطرة على مقدرات الشعوب ونهبها، كما أنه رحمة للشعوب من
طغيان الحكام واستبدادهم، وهو سبيلهم الوحيد لتحقيق العدل والمساواة
والكرامة والعزة والعدالة الاجتماعية.
الرباط القرآني والتاريخي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى:
إن المسجد الحرام قرين المسجد الأقصى، لا ينفك أحدهما عن الآخر، وإذا ذكر
المسجد الحرام ذكر الأقصى، قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (الإسراء: 1). ووصف الله البيت
الحرام بأنه: مُبارَكاً  ووصف المسجد الأقصى بقوله: بَارَكْنَا
حَوْلَهُ كما أن بناء المسجد الأقصى تم بعد بناء البيت الحرام، فعَنْ
أَبِي ذَرٍّ  قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ  عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ
وُضِعَ فِي الْأَرْضِ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قُلْتُ: ثُمَّ
أَيَّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى". قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: "أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا
أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ".
وجاء المسجد الأقصى تاليًا للمسجد الحرام في المساجد التي تُشَدُّ إليه
الرحال، فقال رسول الله : «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ لِثَلاَثَةِ
مَسَاجِدَ: المَسْجِد الْحَرَامِ، والمسْجِدِ الأقْصَى، ومَسْجِدِي
هَذَا».
إن المسجد الأقصى في حياة الأمة الإسلامية ليس مجرد ذكريات من التاريخ
يمحوها الزمن برياحه العاتية، أو ينساه المسلمون بطول الاحتلال، ولكن
القدس والمسجد الأقصى محفور في أعماق المسلمين، وحبه وتقديسه يسري في
شرايين المؤمنين، وعقيدة تملأ القلوب، ولا تقبل المساومة عليها، وتهون في
سبيلها كل التضحيات بالنفس والمال، ووالله إنها لأحب إلينا من نفوسنا
التي بين جنبينا، وفي سبيلها لن يبخل أي مسلم بروحه فداء لها..
أهمية المسجد الأقصى:
أيها العالم أجمع: اعلموا أن المسجد الأقصى يستمد أهميته عندنا من ثوابت
عديدة، منها:
أولا: هو القبلة الأولى للمسلمين، وظل الرسول  والمسلمون يتجهون إليه
بعد الهجرة ما يقرب من ستة عشر شهراً حتى نزل قوله تعالى: قَدْ نَرَى
تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام (البقرة:
144).
ثانياً: المسجد الأقصى بوابة السماء، فكان إليه مسرى رسول الله ، ومنه
كان معراجه إلى السماوات العُلى.
ثالثاً: صلاة النبي  في المسجد وإمامته للأنبياء، عن أنس  أن رسول الله
 قال: "أتيت ليلة أُسْرِيَ بي بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند
منتهى طرفها.. كانت تسخر للأنبياء قبلي، فركبته معي جبريل فسرت، فقال:
انزل فصَلِّ. ففعلت.. فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهجر إن
شاء الله. ثم قال: انزل فصَلِّ. ففعلت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور
سيناء حيث كلم الله موسى، ثم قال: انزل فصَلِّ. فصليت فقال أتدري أين
صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى. ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء
عليهم السلام، فقدمني جبريل فصليت بهم".
رابعاً: المسجد الأقصى من المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرحال.
وهذا يعطي الحق لكل مسلم على ظهر الأرض بأن يشدّ إليه الرحال، ويحج إليه،
كما يشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإن هذا ليوجب على
المسلمين أن تكون هذه المنطقة في حماية ورعاية المسلمين، وفي حوزتهم حتى
يكون طريق المسجد الأقصى آمنة، ومفتوحة أمامهم، يشدون الرحال إليه، ولا
يصدهم عنه أحد.. وإذا كان لهؤلاء في تلك الديار مقدسات يعظمونها ويحجون
إليها، فإن الإسلام يحترمها، ويحافظ عليها؛ فإن الإسلام هو الدين الوحيد
الذي تعيش في كنفه بقية الأديان دون إكراه لها على غير ما تعتقد؛ لأنه
يُقِرّ بها، ويسمح لأصحابها بآداء شعائرهم.
خامساً: القدس وفلسطين أرض وبلاد إسلامية فتحها المسلمون الأوائل، والقدس
خاصة قد تسلم مفاتيحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب  وصلى فيها،
وائتمنه كل القساوسة والرهبان على كنيسة القيامة، وضرب من آيات التسامح
ما سجلته كتب التاريخ، حيث إنه رفض أن يصلي في كنيسة القيامة، خوفًا من
أن يأتي يوم يقول المسلمون: «إن عمر الفاروق صلى هنا»، فيقتطعون من
الكنيسة مسجدًا لهم، فخرج عمر من كنيسة القيامة وصلى خارجها.
وبقيت تلك البلاد في حوزة المسلمين حتى عصرنا هذا، ولم تكد تخرج من تحت
سيطرتهم إلا بضع عشرات من السنين على فترات متباعدة، ثم لم يلبث أن
يستردها المسلمون ويرتاح ويسعد جميع أهل هذه البلاد بعدل وسماحة الإسلام.
لكل ما سبق فإن إجماع علماء المسلمين على أن القدس إسلامية وملك لجميع
المسلمين، ولا يملك أحد الصلاحية في التنازل عن شيء منها، وأن الجهاد فرض
على جميع المسلمين لاستردادها يستوي في ذلك المسلم العربي وغير العربي،
فالجميع مطالب بصيانة مقدساته، وفي مقدمتها أولى القبلتين وثالث الحرمين
ومسرى النبي  ومعراجه.
ولا ينس العالم ولا الصهاينة بشكل خاص موقف السلطان عبد الحميد رحمه الله
من أنه لا هو ولا غيره من الملوك أو السلاطين أو الأمراء يملك التنازل أو
بيع شبر من أرض فلسطين ولو بكنوز الدنيا؛ لأنها وقف إسلامي عالمي .
أيها العالم أجمع..
أيها المسلمون في كل مكان..
أيها الصهاينة الغاصبون والمعتدون على مقدساتنا..
إن كل قطرة دم أريقت بيد الصهاينة على أرض فلسطين الحبيبة، سوف يقتصّ
الله تعالى منهم بسببها مهما تطاول الزمن، أو مرت عليها السنين: دم مذبحة
دير ياسين، ومذبحة الحرم الإبراهيمي، وقانا في جنوب لبنان، ودماء أسرى
سيناء، والدماء على هضبة الجولان، وفي غزة والضفة، فما من شبر على أرض
فلسطين إلا وقد رُوِيَ بدماء الشهداء، وإن هذه الدماء لا تضيع عند الله
عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الأَبْصَارُ (إبراهيم: 42). وإذا أملى الله لهم حينا من الدهر، لكنهم
لن يفلتوا من يد القدرة، بعد أن يطف الصاع، كما فُعِل بأسلافهم من قبل..
وإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلَى يَوْمِ
القِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ (الأعراف : 167).
الشرائع تقرر دفع الظلم والتخلص من المحتل:
أيها المسلمون: لقد أذن الله لعباده المؤمنين بأن يدفعوا عن أنفسهم الظلم
ويرفعوا الضيم، ووعد بنصرهم: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ
يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 39
-40).
لقد آن الأوان للأمة الإسلامية أن تجتمع على قلب رجل واحد من أجل القدس
وفلسطين بعد أن طغى اليهود في البلاد وأكثروا في العالم الفساد، وأراقوا
دماء العباد، وداسوا الحرمات والمقدسات، ودنسوا بأفعالهم حتى مقدساتهم
هم، وزادوا في طغيانهم بأن جعلوا من المسجد الأقصى مُصلّى لليهود،
ويريدون أن يقتسموه مع المسلمين، فإن قبلنا ذلك كانت الخطوة التالية
بهدمه وبناء الهيكل عليه، ومكرهم هذا إلى بوار، وسيرتد إلى نحرهم ويخلص
الله الأرض من رجسهم وفسادهم.. فأين هذا الإجرام من محافظة عمر بن الخطاب
 على مكانة المسجد الأقصى الحبيب.
وليعلم المسلمون وليستيقن المؤمنون أن استرداد المقدسات وصون الأعراض
والدماء من أيدي يهود لن يتم عبر أروقة الأمم المتحدة، ولا عبر
المفاوضات.. فالصهاينة لا يعرفون غير أسلوب القوة، ولا يرجعون عن غيهم،
إلا إذا أُخِذُوا على أيديهم، ولن يكون ذلك إلا بجهاد مقدس، وتضحيات
غالية وكل صور المقاومة.. ويوم أن يستيقنوا من أننا سنسلك هذا السبيل،
ونرفع علم الجهاد في سبيل الله، وسنتقدم إلى ميدان الجهاد، إن ذلك سوف
يكفّ أيديهم ويمنع طغيانهم.. ولذلك قال ربنا عز وجل أن إعداد صور القوة
"قوة الإيمان، وقوة الوحدة، ثم قوة الساعد والسلاح" هو الردع وأَعِدُّوا
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ
لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ (الأنفال: 60).
أيها المسلمون: كونوا على يقين في وعد الله عز وجل مهما كانت العقبات،
وتأكدوا من وعيد الله تعالى مهما كان إجرام وطغيان أعداء هذا الدين مهما
كانت الشدائد، واعلموا أن بزوغ الفجر وإشراقة الشمس آتية، والأمل في الله
سبحانه وتأييده لنا ونصره قريب، ولننشد معًا هذه الأبيات:
ستشرق الشمس لا تجزع لغيبتها ويبزغ الفجر فوق السهل والنجد
وترجع القدس تزهو في مآذنها وعد الإله الكريم المنعم الصمد
فكما أن سنن الله تعالى في الفجر بعد الليل سنة كونية لا تتبدل، فللَّه
سنن في التدافع وتبادل السلطة وإيتاء الملك ونزع الملك قُلِ اللَّهُمَّ
مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنزِعُ المُلْكَ
مِمَّن تَشَاءُ وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ
الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 26)
وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ  (يوسف: 21).
والله أكبر ولله الحمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.