"لا صوت يعلو الآن داخل الشارع السياسى فوق صوت الانتخابات البرلمانية" التى ستكون حاسمة فى تاريخ ثورة 25 يناير، خاصة بعد حكم المحكمة الدستورية العليا باستمرار مجلس الشورى لحين إجراء انتخابات مجلس النواب القادم؛ وهو الحكم الذى جعل الكثيرين يطالبون بسرعة إجراء انتخابات النواب فى أسرع وقت. وبنظرة سينمائية تاريخية عن علاقة السينما بالبرلمان، نرى كيف تغيرت العلاقة بين الطرفين تغيرا جذريا؛ حيث ظهر البرلمان فى حياة المصريين لأول مرة عام 1923، أى قبل ظهور أول فيلم سينمائى بأربع سنوات، إذا اعتبرنا أن فيلم "ليلى" الذى قدم عام 1927 هو أول فيلم سينمائى بناء على التاريخ القديم للسينما. أنشودة الفؤاد كان المصريون يكنون لرجال البرلمان تقديسا فريدا، خاصة فى الفنون والسينما بشكل محدد، باعتبارهم يمثلون هيبة الدولة ومكانتها، وأغلبهم ذوو المهابة والمكانة الاجتماعية، وقد تجلى ذلك فى أغلب الأفلام التى ظهرت فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى؛ حيث كان للسلطة التشريعية والبرلمانية وقارها وجلالها، خاصة بعد صدور قانون توقير ضباط الجيش وعدم توجيه أى انتقاد لهم عام 1947. ولعل أول فيلم مصرى يظهر فيه مجلس النواب كان "أنشودة الفؤاد" لماريو فولبى عام 1933 الذى قام بدور ثرى وعضو فى مجلس النواب، وكان فيلما أقرب إلى السينما التسجيلية والتمثيلية معا، ظهر فيه الملك فؤاد الأول يفتتح الدورة البرلمانية وهو يصافح أعضاء مجلس الشعب. وبمراجعة الأفلام التى تم إنتاجها قبل ثورة يوليو 1952 نجد الباشوات ملء السمع والبصر فى هذه الأفلام، رغم أنهم لم يكونوا يمارسون السياسة بشكل مباشر وليست لهم مناصب اجتماعية أو سياسية، وإنما كانوا إقطاعيين يمتلكون الأرض ومن يعمل عليها كما بدا ذلك فى فيلم "سى عمر" لنيازى مصطفى، وبعضهم لم يتم تسييسهم إلا بعد أن صاروا جزءا من الماضى؛ حيث قامت الثورة وتولى الضباط الأحرار الحكم، وظهر الباشا فى الأفلام فى الفترة من 1945 إلى عام 1970 بشكل خاص؛ حيث يعمل فى منصب سياسى حساس كعضو مجلس نواب ينجح فى دائرته من أجل أن يبقى فى المنصب، ومن هذه الأفلام "حب إلى الأبد" ليوسف شاهين و"القاهرة 30" لعز الدين ذو الفقار و"صراع فى الوادى" ليوسف شاهين. ولكن هذه النظرة انقلبت رأسًا على عقب خلال الثلاثين عامًا الماضية، وصار العضو المهيب الركن بؤرة للسخرية فى الأفلام الكوميدية وأفلام الحركة؛ بسبب قضايا الفساد التى تورط فيها نواب الشعب من أعضاء البرلمان. اللعب فى السياسة والغريب أن صورة المرأة عضو مجلس الشعب ظلت مشرقة فى السينما باعتبارها شخصية ملتزمة تدافع عن حقوق الشعب، وتقف بحزم فى مواجهة الفساد مهما كانت الفترة الزمنية للفيلم مثل فيلم "النائبة المحترمة" التى تظهر فيه هذه النائبة متزوجة من رجل درجة خامسة ويعانى من رسوب وظيفى، وذات يوم تعود إلى منزلها منهكة من أعمال المجلس، فتفاجأ بأن الوزير الذى تنوى التقدم ضده باستجواب ينتظرها فى البيت، ملوحا بأنه يستطيع ترقية زوجها، إلا أنها تقاوم كل الضغوط لتقدم الاستجواب، بينما تحولت صورة عضو مجلس الشعب إلى انتهازى؛ لأنه يدخل المجلس من أجل اللعب فى السياسة وتوسيع دائرة فساده واستغلال حصانته. رصد الناقد محمود قاسم فى كتابه "الفيلم السياسى فى مصر" هذا التحول بشكل محترف، مشيرا إلى أن فيلم "حتى لا يطير الدخان" للمخرج أحمد يحيى فى الثمانينيات كان من أوائل الأفلام التى بدأت هذه الموجة من الأفلام التى تبرز صعود نجم أعضاء مجلس الشعب الذين جاءوا من قاع المجتمع واستطاعوا تحقيق مكانة اجتماعية عالية ومرموقة. ويرى قاسم أن المخرجين وكتاب السيناريو قاموا بتسييس أفلام عادل إمام، خاصة فيما يتعلق بعضوية مجلس الشعب، حيث كانت الشخصية التى جسدها عادل إمام قد صارت عضوا فى البرلمان فى أفلام من طراز "بخيت وعديلة" و"الواد محروس بتاع الوزير" و"اللعب مع الكبار". وفى فيلم "اللعب مع الكبار" لشريف عرفة، يقوم عضو مجلس الشعب بتهريب هيروين داخل حقيبته، معتمدا على حصانته البرلمانية، ويرفض أن يتم تفتيشه فى المطار، والحكاية أن حسن يعرف عن طريق زميل له يعمل فى سنترال رمسيس بأمور عديدة ضد القانون، يمارسها رجال فى مناصب القمة من السلطة، منهم وزراء، ورجال أعمال ويقوم الشاب بإبلاغ ضابط من مباحث أمن الدولة بما يعرفه على أساس أنها أحلام يراها فى المنام. ومن بين تلك الأحداث التى يبلغ عنها أن عضوا فى البرلمان يجب تفتيشه فى المطار، وبالفعل يتم إيقاف العضو المبجل ويفتح الحقيبة ويعثر على كيس به بودرة. أما الثنائى "بخيت وعديلة" فيقرران أن يترشحا لعضوية مجلس الشعب، وذلك فى الجزء الثانى من الثالوث السينمائى "بخيت وعديلة" الذى عرض تحت اسم "الجردل والكنكة"، وهما اسمان لرمزين انتخابيين يتخذهما كل من الشاب وفتاته حين يرشحان نفسيهما لعضوية مجلس الشعب، والرمزان كما هو واضح اختيرا كأداة للسخرية. وحسب الفيلم فإن الحداثة تكشف العمليات القذرة التى تتعلق بالانتخابات السياسية والبرلمانية؛ حيث يقوم البعض بعمل صفقات للتنازل عن الترشح، وتأتى الأموال من كل مكان بالآلاف إلى كل من بخيت وعديلة؛ من أجل أن يتنازلا عن الترشح، لكن الاثنين يصران على السير حتى نهاية الرحلة، ويتعاطف معهما الفقراء والبسطاء. وفى فيلم "الواد محروس بتاع الوزير" لنادر جلال 1999، فإن محروس الذى يعمل حارسا خاصا لأحد الوزراء، وشاهد على فساده، وعلاقاته النسائية المتعددة يتعرض للتنكيل، بعد أن يكشف لزوجة الوزير أمر زواجه عرفيا من الفتاة الشابة، ويترشح محروس وهو عسكرى أمن مركزى، للتنكيل بالوزير، وهناك سخرية واضحة من المنصب الوزارى، وأيضا من أعضاء البرلمان، ويبدو ذلك واضحا فى الشكل البالغ السخرية للمناقشات داخل أروقة المجلس. ومن الواضح أن السينمائيين استمدوا أغلب موضوعاتهم مما تنشره الصحف، ومثلما حدث مع الأفلام التى تمس هيبة الشرطة، فقد مرت الأفلام التى تسخر من عضوية مجلس الشعب رغم اعتراض بعض الأعضاء على الصورة التى يتم تقديمها بها من فيلم إلى آخر، إلى أن وجدنا فى عام 1997 أحد أعضاء مجلس الشعب يتقدم بطلب موقع من عدد من زملائه بالمجلس يطالبون فيه رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس بفتح باب المناقشة حول صورة عضو مجلس الشعب التى ظهرت فى فيلم "الجردل والكنكة".