تعانى المجتمعات النامية من ظاهرة ضارة هى خلق شركات الإعلان ما يعرف فى علم الاقتصاد بالطلب الاصطناعى؛ إذ تؤدى فنون وجاذبية الإعلانات إلى دفع المشاهدين والمستمعين والقراء إلى شراء بعض ما ليس ضروريًا من سلع وخدمات. الأمثلة التقليدية لدينا منذ عصر الانفتاح "السداح مداح"، إعلانات الشيبسى واللبان، وأنماط السكن والاستهلاك الترفى. وعلى الصعيد السياسى والإعلامى فإن من يتابعون سوق الإعلانات وأباطرتها وإمبراطورياتها يعرفون أن شبهات عديدة تحيط بهذه السوق. لعل نشأة قناة بعينها عقب ثورة 25 يناير برأسمال إعلانى كامل دون أن يدفع المؤسسون من جيوبهم سوى بضعة آلاف يقوى شكوك البعض. ويرتبط بالدور المشبوه لبعض شركات الإعلان، ظاهرة التدليس فى قياس نسبة المشاهدة التليفزيونية؛ فهناك مراكز وجهات بعينها ترفع نسبة مشاهدة قنوات معينة مقابل مبالغ تدفع تحت الطاولة. ما زلت أتذكر دراسة علمية رصينة أشارت إلى دور خبيث لشركات الإعلان اليهودية فى صحافة مصر قبل خمسينيات القرن الماضى، وتحديدًا إبان مرحلة تأسيس الكيان الصهيونى فى فلسطين. الدراسة نالت بها الإعلامية الدكتورة سهام نصار درجة الماجستير فى نهاية السبعينيات. ورحم الله تعالى المجاهد الكبير الأستاذ أحمد حسين صاحب جريدة الاشتراكية، فقد ابتزته شركات الإعلان التى كان بعض أثرياء يهود مصر يملكونها كى يتوقف عن فضح خطط تهجير اليهود إلى فلسطين، وهددت بحرمان الجريدة من إعلانات محلات بنزايون وعدس وشيكوريل. التمويل الإعلانى الابتزازى المتصهين يتسلل فى الإعلام المصرى منذ أكثر من عامين، فيتخفى وراء أسماء عربية ومارونية حينًا وأجنبية غربية حينًا آخر، ثم يضخ ملايين الدولارات فى قنوات فضائية خاصة تحارب ثورة 25 يناير عيانًا بيانًا. بعض كبار نجوم تلك الفضائيات يرفضون بإصرار الشكوك بأن تكون رواتبهم الشهرية الفلكية أموالًا مسيسة ورشاوى مُقَنَّعة عبر إمبراطوريات الإعلان. فى الشتاء الماضى تحدثت تقارير صحفية منشورة عن مارونى غامض زعمت أنه على علاقة باليهود، وذكرت أنه أصبح يتحكم فى 60% من سوق الإعلان فى مصر، ومن ثم يسهل له توجيه سياسات الفضائيات. كما تحدثت تلك التقارير عن خطة مضادة وضعتها هيئات وجهات مصرية لمواجهة سعى مجموعة إعلانية لبنانية للسيطرة على الإعلان فى السوق المصرية. والأخطر أن المصادر الصحفية ذاتها كشفت عن علاقة مشبوهة بين هذه المجموعة وبين مجموعة شركات إعلانية يهودية أمريكية. وحدثنى مسئول إعلانى قبل نحو أسبوعين فقال: إن هناك قنوات فضائية خاصة تبث إعلانات عن منتجات شركات كبرى دون مقابل، وليس لذلك من تفسير عند البعض سوى أن ميزانيات تلك الفضائيات تسجل قيمة تلك الإعلانات، غير المدفوعة واقعيًا، كمصادر تمويل وغطاء للمال السياسى. الملاحظ أن إمبراطورية ماسبيرو المملوكة للدولة المصرية، لا تتلقى شيئًا يذكر من الوكالات الإعلانية المصرية والأجنبية العاملة فى مصر على حد معرفتى. قد يقول قائل إن تاريخ السيطرة الحكومية الغبية والقمعية على إدارة محطات تليفزيون وإذاعات ماسبيرو أفقدتها الحد الأدنى من نسبة المشاهدة والاستماع الجالبة للإعلانات. نوافق ولكننا نضيف أيضًا أن المحاسبة والرقابة المالية للدولة على إعلامها الرسمى تحول دون تسلل شركات الإعلانات الأجنبية وضخها مالًا سياسيًا كما تفعل فى بعض الفضائيات المصرية الخاصة. هل يتحلى أصحاب تلك الفضائيات بالشفافية والصراحة فينشرون ميزانيات فضائياتهم وقيمة الإعلانات فيها؟ وهل من جهة محاسبية حكومية تراجع مصادر تمويل وتشغيل تلك المحطات والصحف والمواقع سنويًا؟ وهل نقرأ أو نسمع قريبًا من يؤكدون أو ينفون صحة ما تردد مؤخرًا من أن قيمة سوق الإعلانات المصرية لا تزيد على مليار ونصف مليار، فى حين أن ما أنفق على فضائيات مصر الخاصة المناوئة للثورة يبلغ أكثر من ستة مليارات؟ هذه الأسئلة مطروحة على كل من يهمهم أمر حماية الثورة من أحد أخطر أسلحة إجهاضها.