لعل زيارة الدكتور مرسى للبرازيل تأتى تحت عنوان الاستفادة من تجارب الدول وليس نقل تجارب بحذافيرها، وهو ما أعلن عنه الرئيس بقوله إن الغرض من الزيارة الاستفادة من تجربة البرازيل فى مجالات التنمية المختلفة مثل مكافحة الفقر والقضاء على العشوائيات. والواقع أن زيارة الرئيس للصين والتوجه نحو أسيا، ثم زيارته للبرازيل للاستفادة من تجربتها، والتوجه نحو قارة أمريكا الجنوبية، وإن كان ينم عن قراءة واعية للرئيس بالواقع الدولى وبحثه عن حلول غير تقليدية، إلا أننا نستطيع التأكيد على حقيقة فى غاية الأهمية وهى أنه دون وجود الأدوات والآليات اللازمة لجذب الاستثمارات فلن نستطيع فتح آفاق جديدة فى ظل عالم لا يعرف غير لغة المصلحة. كما أن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى لا يمكن أن تتم إلا إذا كان على رأس الدولة التى تبحث وترغب فى الاستفادة فريق معاون للرئيس على وعى تام بالعلاقات الدولية وما تثيره من أزمات. وهنا لا بد من التأكيد على أمر مهم؛ وهو أننا لا ننكر على الرئيس استعانته برجال الأعمال ومصاحبتهم له فى زيارته للصين؛ على افتراض أن لديهم رؤية مستقبلية لفتح آفاق جديدة للاستثمارات، لكن ينبغى ألا يتم قصر الاستعانة بهم؛ ذلك أن إيجاد آلية للتعاون المشترك، بالإضافة إلى أن وجود رؤية قانونية حول أشكال التعاون والاستثمارات والاتفاقيات التى يمكن إبرامها والعلاقات الدولية، هو أمر يفتقده الكثير من رجال الأعمال المصريين، وما يؤكد صحة رؤيتى هو أن الفريق المصاحب له فى زيارته للصين لم يشر منهم أحد على الرئيس بأن الصين هى إحدى الدول الداعمة لمشروع سد النهضة بإثيوبيا، ومن ثم كانت هناك فرصة لاستثمار هذه الزيارة على نحو أفضل. إن تحركات الرئيس تدل على إدراك ووعى تام بالواقع الدولى وبحثه عن حلول غير تقليدية، إلا أنه يثور التساؤل: هل يستطيع أن يحقق مرسى فى مصر ما حققه لولا داسيلفا فى البرازيل؟ وهنا نود أن نشير إلى أنه قبل وصول داسيلفا للحكم كانت البرازيل تعانى من الفقر والبطالة والعشوائيات، إلا أنه استطاع خلال توليه الرئاسة فى دورتين متعاقبتين إحداث تغييرات جذرية فى الدولة البرازيلية، وذلك بفضل سياسة المصارحة والمكاشفة وتركيزه على العدالة الاجتماعية؛ فتشجيع الصناعات الصغيرة أسهم إلى حد كبير فى القضاء على الكثير من المشاكل الاقتصادية، بالإضافة إلى الاعتماد على مجموعة من الخبراء وأصحاب الكفاءات العالية لكى تكون هناك رؤية شاملة لجميع المشاكل التى تعانى منها الدولة. ولعل الدرس الأكبر الذى يجب أن يدركه تماما من بيدهم الأمر الآن بمصر؛ هو أن الرئيس داسيلفا لم يأخذ مواقف على الساحة الخارجية، بالإضافة إلى اهتمامه بقضايا الشرق الأوسط واتخاذ مواقف فاعلة فى السياسة الدولية إلا بعد بناء اقتصاد قوى متماسك بالبرازيل قادر على أن يعبر عن نفسه؛ فالقوة الخارجية لمصر بل لأى دولة تنبع أساسا من اقتصاد قوى. النظر إلى تجارب الآخرين والاستفادة منها هو أمر ممكن، ولكن يجب أن ندرك أن جذب الاستثمارات، والانفتاح على الخارج والتوجه نحو العديد من القوى الدولية والبحث عن حلفاء جدد والدخول فى تكتلات اقتصادية يتوقف إلى حد كبير على ما يمكن أن نسهم به أو نقدمه للآخرين. إذا أدركنا هذه الحقائق وسعينا إليها بخطا ثابتة، فإننا بلا شك نستطيع تحقيق النهضة.