للدبلوماسية معان متعددة ترتبط جميعها بالعلاقات بين الدول، فهى تارة فن إدارة هذه العلاقات، وهى تارة أخرى السياسة الخارجية، وهى تارة ثالثة نقيض الحرب والوسائل القسرية فى تسوية المنازعات، وهى تارة رابعة الحكمة والمرونة فى معالجة الأمور، وهى تارة خامسة مهنية لها فنونها ومهاراتها وأدواتها ووظائفها، يقوم بها فريق يتم اختياره وتدريبه لإدارة مجمل علاقات الدول الخارجية.. فما هى علاقة الدبلوماسية بحقوق الإنسان، بل ما هى دبلوماسية حقوق الإنسان نفسها؟ هذا مصطلح اهتديت إليه من واقع خبرتى الدبلوماسية الطويلة وآمل أن يصبح تقليدا وأن يرسخ فى التعامل الدولى.. نستطيع أن نحدد علاقة الدبلوماسية بحقوق الإنسان فى وجهين: الوجه الأول: هو سياسات حقوق الإنسان كمادة أساسية من وظائف الدبلوماسية سواء الدبلوماسية الدولية فى الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية والعالمية أو فى سياسات الدول الكبرى ومبعوثيها الخاصين لحقوق الإنسان، بعد أن صارت حقوق الإنسان لدى هذه الدول رسالة حضارية، كما التبست عندها بتضاعيف سياساتها الخارجية. هذا الوجه من وجوه العلاقة بين حقوق الإنسان والدبلوماسية وجه تاريخى مألوف، وقد أكده القانون الدولى من خلال مبدأين: المبدأ الأول هو التدخل لاعتبارات إنسانية، والمبدأ الثانى ألا يؤدى هذا التدخل الإنسانى إلى المساس بسيادة الدولة وشئونها الداخلية. إلا أن سياسات حقوق الإنسان ملغومة بالمحاذير، ففى معظم الأحيان تتحصن الدول وراء أسوار السيادة لكى تنتهك حقوق الإنسان دون أن تدرك أن هذه الحقوق لم تعد منحا يعطيها الحاكم لرعاياه وهى شأن داخلى محصن لا يجوز لأحد أن يفض عصمته وسريته، فقد بالغت حكومة مبارك بعد اغتيالها خالد سعيد وتشويه سمعته واتهامه بكل النقائص، وعندما طالب الاتحاد الأوروبى بإعادة المحاكمة تآمرت الدولة كلها ضد هذا المواطن، وكذلك حادثة المواطن سيد بلال، وغيرها من آلاف القضايا التى كانت انتهاكا فجا لحقوق الإنسان. الوجه الثانى من أوجه العلاقة بين حقوق الإنسان والدبلوماسية يقوم على أساس أن الدفاع عن حقوق الإنسان يجب ألا يلتبس بالدوافع السياسية خاصة فى المجال الدولى. وهناك فرق بين دفاع دولة عن حقوق مواطنيها فى دولة أخرى، وبين دفاع دولة عن حقوق مواطنى الدولة الأخرى. فالولايات المتحدة مثلا تحمى حقوق رعاياها فى مصر، كما أنها تبدى قلقها على حقوق الإنسان المصرى فى مصر. والوضعان مختلفان، فى حالة قيام الدولة بالسعى لدى الدولة الأخرى لحماية حقوق الإنسان من رعاياها، فإنها تقوم بذلك بحكم علاقة الالتزام الدستورى من جانب الدولة بحماية حقوق رعاياها، بما فى ذلك الحماية الدبلوماسية، ولها معنيان، المعنى الأول هو معنى عن الحماية عن طريق الممارسة الدبلوماسية، والمعنى الثانى هو معنى متخصص وهو أن تحل الدولة محل أحد رعاياها فى نزاع على المستوى الدولى، ويكون النزاع أصلا داخليا بين الدولة المضيفة وبين أحد رعايا الدولة الأخرى. فى هذه الحالة الخاصة جدا، تكون مجمل مصالح الدولة الحامية فى كفة ومصلحة أحد رعاياها طرف النزاع فى كفة أخرى ولذلك فإن القرار فى هذه الحالة من أعمال السيادة التى تقدرها السلطة التنفيذية وحدها على استقلال من السلطات الأخرى. وفى حالات انسداد أفق مساعى الدولة تجاه الدولة الأخرى لحماية حقوق رعاياها فيها، وهى الدبلوماسية الرسمية، فإن هناك أفقا أكثر مرونة وطريقا ثانيا موازيا للطريق الرسمى وهو دبلوماسية حقوق الإنسان. وقد يفيد فى فاعلية هذه الدبلوماسية أن يكون هناك شبكة إقليمية لحقوق الإنسان وأن تكون جميع دول المنطقة أعضاء فى هذه الشبكة. ومثال ذلك، حدث أن تم القبض على عدد من المصريين فى إحدى دول الخليج وكان جميع هؤلاء من الإخوان المسلمين، ولما كان الرئيس من الإخوان المسلمين ومساعده للشئون الخارجية كذلك، فقد أرسل مساعده فى مسعى لإطلاق سراحهم وقد فهم أن الإخوان يتوسطون لصالح الإخوان، بينما الصحيح هو أن رئيس الدولة يوفد مساعده لصالح مجموعة من المصريين بقطع النظر عن انتمائهم الدينى أو السياسى. دبلوماسية حقوق الإنسان طريق ثان موازٍ للطريق الرسمى، كما أنها طريق جديد يسعى إلى تكريس وضعية حقوق الإنسان مستقلة عن الأطر السياسية التى تحيط بها، وفى نفس الوقت فإنها تحمى حقوق الإنسان من الدوافع السياسية. إن دبلوماسية حقوق الإنسان التى يجب أن يتم التعمق فيها وتأصيلها بعد استقراها والاعتراف بها يمكن أن تكون فتحا جديدا فى آليات احترام الدول لمعايير حقوق الإنسان والمعاهدات. صحيح أن مجموعة آليات المتابعة الدولية عن طريق تقارير الدولة ومراجعتها هى نمط من دبلوماسية حقوق الإنسان، ويدخل فيها عملية المراجعة الدورية كل خمس سنوات والمتابعة السنوية من خلال التقارير المقدمة إلى مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، كما يدخل فيها بعثات تقضى الحقائق والتحقيق فى الوقائع والتدخلات الدبلوماسية الفردية والجماعية، ولكن النمط الذى نتحدث عنه نمط جديد، تقوم به مجالس حقوق الإنسان الوطنية، أما الدبلوماسية التقليدية لحقوق الإنسان، فتقدم بها الأجهزة الرسمية للدولة، والمنظمات الرسمية العاملة فى هذا المجال. وقد ظهرت لدينا هذه الفكرة حتى لا يؤدى التوتر السياسى بسبب انتهاكات حقوق الإنسان للرعايا الأجانب وعجز الدولة عن تقديم الحماية الوطنية إلى انفجار العلاقات الثنائية، بما يؤدى إلى تفاقم حالة حقوق الإنسان للرعايا لأسباب لا دخل لهم فيها. وتخدم هذه الفكرة هدفين هامين هما ضمان ألا يكون الرعايا الأجانب ضحايا الانتقام السياسى بين الدول ووقود التوتر بينهم، والثانى هو إحاطة حقوق الإنسان بسياح من الأقدام تكون السياسة فى خدمته، ولا تكون هذه الحقوق ستارا لنوازع ومخططات سياسية، فضلا عن أن هذه الفكرة يمكن أن تكون سبيلا لتحسين العلاقات السياسية وسيلا لتهيئة الأجواء لتسوية النزاع أو تفريغ التوتر حول هذا الملف. الفكرة فى بدايتها وتحتاج إلى مزيد من الجهد لتمحيصها وتأصيلها وتحليها واستكمالها.