زادت خلال السنوات الخمس الأخيرة حدة الصراع فى بنجلاديش بين القوى الإسلامية والعلمانية بقيادة رئيسة الوزراء "شيخة حسينة واجد"، وهو ما بدا فى تحركات الحكومة على الصعيدين الداخلى والخارجى. فداخليا، بدا التوجه نحو علمنة بنجلاديش واضحا فى تفريغ دستور البلاد من أى إشارة لتحكيم الإسلام؛ وبدا ذلك أيضا فى اضطهاد القوى الإسلامية الفاعلة، وخارجيا، أصاب الفتور علاقات بنجلاديش مع الدول الإسلامية، بينما تم توثيق العلاقات مع دول معادية للإسلاميين. اضطهاد الإسلاميين فى بلد مسلم تخطى تعداد سكانه 160 مليون نسمة، عملت حكومة "حسينة" على التضييق على الإسلاميين خاصة "الجماعة الإسلامية بنجلاديش"، التى تمثل فكر الإخوان المسلمين هناك. وبرز ذلك فى عمل محاكمات استثنائية لقادة الجماعة الإسلامية، مستغلين عدم تأييد هؤلاء لحرب استقلال بنجلاديش عن باكستان، التى كانت الأولى جزءا منها باسم باكستانالشرقية عام 1971، وجاء موقف الجماعة حفاظا على باكستان وكيانها الإسلامى، فى مواجهة العداء الهندوسى، حيث قامت الهند وقتها بالتعاون مع انفصاليين بالهجوم على باكستان، مما أدى لمقتل أكثر من مليون شخص، كما فقدت باكستان حوالى سُبع مساحتها وما يزيد على نصف عدد سكانها. وقد استغلت "حسينة" ذلك الرفض ووجهت -عن طريق القضاء المسيس- تهم قتل واغتصاب وحرق وسرقة لرموز الجماعة الإسلامية. ومن الشخصيات البارزة الذين تشملهم المحاكمات "مطيع الرحمن نظامى" أمير الجماعة الإسلامية ووزير الزراعة ثم الصناعة سابقا، و"غلام أعظم" أمير الجماعة سابقا والبالغ من العمر تسعين عاما، الذى سُجن عدة مرات وأكره على الإقامة خارج البلاد لسنوات وسلبت جنسيته، والداعيان "دلوار حسين سعيدى" و"محمد عبد السبحان" نائبا أمير الجماعة وعضوا البرلمان سابقا، إضافة ل"على أحسن محمد مجاهد" الأمين العام للجماعة ووزير الشئون الاجتماعية سابقا، وغيرهم آخرون. وقد حُكم حتى الآن بإعدام اثنين والمؤبد لثالث، كما أسفرت حملات القمع الحكومية عن استشهاد الكثيرين، وسجن حوالى خمسين ألف رجل وامرأة. كما أصدرت الحكومة قرارا بأنها ستحيل للمحكمة الخاصة كل من يؤيد المتهمين، أو يطالب بإطلاق سراحهم، أو عدم محاكمتهم أو حتى مجرد الدعاء لهم فى المساجد. ونظرا لتسييس المحاكمات انتقدت كثير من الهيئات والشخصيات الدولية وقائع المحاكمات، ومن هؤلاء الرئيس التركى عبد الله جول، وأعضاء من مجلس اللوردات بالمملكة المتحدة، ومنظمة "هيومن رايتس ووتش"، ورابطة المحامين الدولية، ومنظمة العفو الدولية. إضافة إلى ذلك فقد دعمت الحكومة العلمانيين الذين زادوا فى استهزائهم بالدين الإسلامى، وظهرت كتابات مليئة بالتطاول على الذات الإلهية والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أدى تقييد الحريات لانطلاق العديد من الاحتجاجات التى تطالب بإسقاط حكومة "حسينة" وسن قانون يجرم سب الإسلام ومقدساته، لكن تلك التحركات قابلتها الحكومة بقمع شديد، حيث قُتل مئات المحتجين الإسلاميين السلميين هذا الأسبوع، فى أثناء استخدام قوات الأمن للقوة القاتلة لفض اعتصامهم الذى جاء عقب تظاهرات مليونية عمت البلاد، كما قامت قوات الأمن بغلق محطتين تلفزيونيتين مستقلتين بسبب بثهما المباشر لفض الاعتصام. وردا على ذلك فقد دعا 18 حزبا يمثلون المعارضة إلى الإضراب العام أمس الأربعاء واليوم الخميس. علاوة على اضطهاد الإسلاميين ودعم العلمانيين قامت الحكومة عن طريق البرلمان بتعديل دستور البلاد؛ حيث تقرر فصل البسملة عن الدستور، وحذف ما يشير لحاكمية الله منه، لتخلو مؤسسات الدولة -من الجيش والإدارات الحكومية والمدنية- تدريجيا من مظاهر الإسلام. فتور مع الدول الإسلامية وانعكس ذلك التطور الداخلى المعادى للإسلام على العلاقات الخارجية لبنجلاديش، فقد جاء فى التعديل الأخير للدستور إلغاء المواد التى تشير إلى دعم الروابط مع الدول الإسلامية، وبدا ذلك فى تدنى تمثيل بنجلاديش فى مؤتمر القمة الإسلامى الأخير فى القاهرة، حيث مثلت البلاد وزيرة الخارجية "ديبو مونى"، فى قمة شارك فيها رقم قياسى من الرؤساء وقادة البلدان. وأقدمت حكومة بنجلاديش على إغلاق وتضييق الخناق على مجالات الاكتتاب لرجال الأعمال العرب للعمل فى سوق التجارة والصناعة فى بنجلاديش. فى الوقت ذاته تتقارب حكومة "حسينة" مع الهند التى تتخذ موقفا معاديا للإسلاميين؛ وأعطت الفرص لشركات تجارية هندية لكى تعتمد بنجلاديش على الهند اقتصادياتها تماما. على صعيد متصل، تقوم الحكومة البنجلاديشية ممثلة فى وزيرة خارجيتها "ديبو مونى" بتسويق صورة سلبية عن المعارضة الإسلامية أمام قادة الدول الإسلامية، واصفة إياها بأنها "تحاول إحداث بلبلة فى الداخل بزعم تطبيق الشريعة الإسلامية". فى الوقت ذاته، أعلنت الوزيرة فى حوار مع صحيفة "سعودى جازيت" أن بلادها لن تستطيع استقبال مزيد من لاجئى مسلمى الروهينجا من بورما، الذين يتعرضون لمجازر وانتهاكات دفعت الأممالمتحدة لإعلانهم "الأقلية الأكثر اضطهادا فى العالم".