فى بلد مسلم يربو تعداده على المائة والستين مليون، ظهر خلال السنوات الأخيرة صراع بين القوى العلمانية والإسلامية، كانت من آخر مظاهره محاكمة قادة إسلاميين، ونشر تدوينات تهاجم الإسلام. فعقب قيام حكومة بنجلاديش بعمل محاكمات استثنائية لقادة الجماعة الإسلامية؛ ارتفعت أصوات العلمانيين للاستهزاء بالإسلام ورموزه، وحتى بالذات الإلهية؛ مطالبين بإعدام قادة الجماعة الإسلامية. كما نظموا اعتصاما مفتوحا فى منطقة "شاهباغ" بالعاصمة دكا للضغط على الحكومة لإعدام قادة الجماعة، والذين كان منهم وزراء فى الحكومة السابقة، وذلك قبل تمكن "الشيخة حسينة" من تولى السلطة والتوجه بها نحو الهند. واشتعل الوضع زيادة عقب قيام مجهولين بقتل أحد المدونين اليساريين الذى كان أحد الداعين للاعتصام؛ وكشفت مدونته الشخصية معاداته للإسلام، حيث احتوت على مقالات وكتابات مليئة بالتطاول على الذات الإلهية والإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم. معاناة الجماعة الإسلامية ويأتى التصعيد حلقةً فى سلسلة تضييقات تشنها الحكومة ومؤيدوها العلمانيين ضد إسلاميى بنجلاديش، الذين أصدر بعضهم كتيبا عن الأوضاع السياسية التى تعيشها بنجلاديش مؤخرا، وبالأخص ما يتعرض له الدعاة والعلماء على يد النظام. ويلقى الكتيب الضوء على الأسباب التاريخية والسياسية للأزمة؛ حيث لم يؤيد قادة الجماعة هناك حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان عام 1971، حفاظًا على باكستان وكيانها الإسلامى، ودعمًا للعالم الإسلامى، وتوسيعا لرقعته فى مواجهة العداء الهندوسى. وأشار الكتيب إلى وقوف دولة الهند العلمانية فى مقدمة المعادين للإسلاميين فى بنجلاديش، لأنها تتوجس فى نفسها خيفة من المد الإسلامى. وعن وسائل عمل التى تتخذها للتضييق على الإسلاميين فى بنجلاديش، يتحدث الكتيب عن قيام الهند بتشجيع بنجلاديش على تطبيق العلمانية، والتضييق على الإسلاميين وخاصة الجماعة الإسلامية، وإيقاف نشاطها وإغلاق مكاتبها ثم حظرها تماما. كما أقدمت حكومة بنجلاديش على خطوات لفصل البلاد عن محيطها العالم الإسلامى والعربى والتوجه بها العلمانية، فقد اتخذ البرلمان قرارات توجب فصل البسملة عن الدستور، وحذف مادة "حاكمية الله" منها، ولتكون مؤسسات الدولة تدريجيا خالية من الإسلام وعقيدته، وهو الأمر الذى يدفعها لتصفية الوجود الإسلامى فى الجيش والإدارات الحكومية والمدنية، وإحلالها الهندوس والملاحدة مكانهم. كما أقدمت على إغلاق وتضييق الخناق على مجالات الاكتتاب لرجال الأعمال العرب للعمل فى سوق التجارة والصناعة فى بنجلاديش، مع إعطاء الفرص لشركات تجارية هندية. واتهمت حكومة بنجلاديش بقيادة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة أبرز قادة الجماعة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب عام 1971م عند انفصال باكستانالشرقية واستقلال بنجلاديش، شملت القتل والنهب والسلب التى يزعم أنها وقعت فى عام الانفصال، أى قبل 42 عاما. كما كونت حكومة بنجلاديش محكمة خاصة لمحاكمة تسعة أفراد من قادة الجماعة وفق قانون خاص أطلقت عليه "قانون المحكمة الدولية الخاصة للفصل فى قضايا جرائم الحرب فى عام 1971". وطبقا للكتيب فقد بدأت الحكومة محاكمتهم عبر قضاة اختارتهم بعناية حتى يقوموا بإصدار ما تملى عليهم الحكومة من الحكم وإعدام قادة الجماعة، وذلك بجانب مضايقة الشهود وكل من يدافع عنهم، كما أن أكثر من نصف وزراء حكومة بنجلاديش هم من الشيوعيين، يضغطون على الحكومة للقضاء على الجماعة الإسلامية. وفى المقابل، تعالت صيحات مختلف فئات الشعب من المؤيدين لأفراد الجماعة الإسلامية مطالبين بإطلاق سراح أولئك القادة التى أنزلت بهم حكومة حسينة شتى أصناف القمع، وهو ما أدى لاستشهاد بعضهم وسجن حوالى خمسين ألفا منهم بينهم نساء. وعلى الرغم من إطلاق سراح بعض أفراد الجماعة مؤخرًا، لا يزال كثير منهم فى السجون، كما أصدرت الحكومة قرارًا بإحالة كل متعاطف مع قادة الجماعة الإسلامية للمحاكمة حتى لو بالدعاء لهم. كما أعرب كثير من الهيئات والشخصيات الدولية عن انتقادها لوقائع المحكمة التى جاءت بعد 42 عاما، لإحياء قضية جرائم الحرب فقط لاضطهاد قادة الحركة الإسلامية؛ وممن انتقد تلك المحاكمة الرئيس التركى عبد الله جول، وأعضاء من مجلس اللوردات بالمملكة المتحدة، وهيومن رايتس ووتش، ورابطة المحامين الدولية، ومنظمة العفو الدولية. وسرد الكتيب الشخصيات البارزة الذين تشملهم المحاكمة ومنهم الشيخ "مطيع الرحمن نظامى" أمير الجماعة الإسلامية ووزير الزراعة ثم الصناعة سابقا، والأستاذ "غلام أعظم" أمير الجماعة سابقا، والبالغ من العمر تسعين سنة، الذى سجن عدة مرات وأكره على الإقامة خارج البلاد قرابة ثمانى سنوات وسلبت جنسيته، والداعيتان "دلوار حسين سعيدى" و"محمد عبد السبحان" نائبا أمير الجماعة وعضوا البرلمان سابقا، إضافة للأستاذ "على أحسن محمد مجاهد" الأمين العام للجماعة ووزير الشئون الاجتماعية سابقًا، وغيرهم آخرون. من جانبهم، دعا نشطاء مؤيدون للجماعة الإسلامية داخل وخارج بنجلاديش منظمة المؤتمر الإسلامى؛ لإصدار بيان علنى يدين النشاط غير القانونى لحكومة بنجلاديش. كما دعا الأممالمتحدة لإدارة هى محكمة جرائم الحرب، علاوة على الضغط على الحكومة للإفراج عن قادة الجماعة الإسلامية المعتقلين بكفالة؛ كما دعا الحكومة للامتناع عن انتهاك حقوق الإنسان وذلك بوقف اضطهاد الجماعة الإسلامية، وأن تسمح لها بأن تعمل كأى حزب سياسى آخر.