ينخرط فى التعليم فى مصر قرابة ثلاثة وعشرين مليونا، منهم عشرون مليونا فى التعليم قبل الجامعى وثلاثة ملايين فى التعليم الجامعى والعالى. وكما هو معلوم فإن العناصر الرئيسة للعملية التعليمية هى: المعلم، المتعلم، المنهج، الإدارة المدرسية والإمكانات. وهناك بالضرورة مؤثرات أخرى مثل أولياء الأمور، البيئة المحيطة، ووسائل الثقافة والإعلام. ونعرض فيما يلى مكونات الأزمة بل الأزمة الحادة للتعليم فى مصر: - إن سياسات التعليم فى مصر وما يتمخض عنها من إستراتيجيات وخطط وبرامج تتغير بتغير شخص الوزير ولا توجد سياسة أو إستراتيجية وطنية حيث يكون الوزير (مهما تغير) متابعًا ومقيمًا لعملية التنفيذ (إرباك وإهدار للجهد والمال). وعندما وضعت إستراتيجية للتعليم 2007\2012 وتكلفت الكثير (ما لها وما عليها) لم تؤخذ بجدية فى التنفيذ، وكانت المعلومات من مسئولين فى الوزارة أن نسبة التنفيذ تراوحت بين 5%-20% حسب المصدر (إرباك وإهدار للجهد والمال). وجاء الدستور الجديد وفيه نص على تكوين مجلس وطنى للتعليم وتكون مهمته الرئيسة وضع إستراتيجية لإصلاح وتطوير التعليم فى مصر. ولكن ما زال تكوين المجلس وانتظامه ووضع الإستراتيجية وغيرها من المهام فى عداد المجهول. صرحت وزارة التربية والتعليم مؤخرا بأنها بصدد وضع إستراتيجية جديدة للتعليم فى مصر! ما علاقتها بالإستراتيجية السابقة 2007\2012 التى لم تنفذ؟ ما الوضع فى إطار الإستراتيجية المرتقبة للمجلس الوطنى للتعليم؟ هذا فيما يخص الإستراتيجيات التى غالبا ما تكون حبرا على ورق حتى الآن. أما باقى مكونات أزمة التعليم، فهى كالآتى: - المعلم: الذى هو حجر الزاوية فى العملية التعليمية، غير مؤهل مهنيا وغير مؤهل تربويا وفاقد لأى نصيب فى الإدارة. عندنا قرابة 1.2 مليون معلم (قرابة 70% مؤهلات تربوية، 30% غير تربوية من مجموع قرابة 880000، وماذا عن 320000 آخرين) نحسب أن غالبيتهم غير مؤهلين للتدريس كما يجب بالرغم من وجود أكاديمية المعلم (الأكاديمية المهنية للمعلمين بالسادس من أكتوبر وفروعها فى المحافظات) والتى تعطى دورات صورية (أيا كانت الأسباب) غير فاعلة لمعلمين مشتتين بين تدنى الوضع المالى (برغم كادر المعلمين) والأدبى والاجتماعى والصورة المهزوزة التى نسجتها وسائل الثقافة والإعلام. وكذلك من هو متفرغ للدروس الخصوصية رغم أنف المدرسة، وآخر يجهل ماهية عملية التعليم والتعلّم، وآخر فى حالة نفسية لا تؤهله للقيام بعمله، ومنهم من له عمل آخر غير التدريس لزيادة دخله، ... وغير ذلك. والحقيقة أن هذه جريمة فى حق التعليم وفى حق الأجيال وفى حق مصر. - المتعلّم: هو الضحية، برغم تدهور المستوى القيمى والأخلاقى للتلاميذ نتيجة فساد البيئة وتدهور وسائل الثقافة والإعلام. فى العملية التعليمية يتم التعامل مع 23 مليونا من شعب مصر لمدة تتراوح من 18-20 سنة (من سن أربع سنوات حتى سن 23 سنة) ، 5-6 أيام فى الأسبوع، متوسط 6 ساعات فى اليوم. ومع هذا تفشل المؤسسات التعليمية فى النهاية فى تخريج أجيال قادرة على تحمل المسئولية الوطنية على جميع مستوياتها أجيال ذات هوية قوية وانتماء قوى، وقدرات ومهارات فائقة. وما يحدث من إعداد وتكوين الأجيال على الحفظ والاستظهار والنمطية دون تنمية المهارات والإبداع والتفكير العلمى والإضافة إلى المعرفة، هو تشويه للعقول. يعانى المتعلم أيضا من ارتفاع كثافة الفصول (تصل فى بعض مدارس محافظة الجيزة إلى قرابة 130 تلميذا فى الفصل) ناهيك عن ديكتاتورية التعامل من قِبل المعلم والإدارة وضيق الصدر. - المنهج: المناهج الحالية فى أزمة وتحتاج إلى إصلاح وتطوير وتحديث بطريق تكاملية من رياض الأطفال حتى نهاية المرحلة الثانوية. وهذا يحتاج إلى مجموعات من المتخصصين المخلصين العلماء وأصحاب الخبرة وعلى دراية جيدة بتجارب الدول المتقدمة فى مجال التعليم (مثل فنلندا، سنغافورة، اليابان، وغير ذلك). - الإدارة المدرسية: الإدارة لها دور مهم جدا فى المدرسة من خلال: الكفاءة، الانضباط، الفهم الجيد للمهام، (أهداف المرحلة، الصفات المطلوبة فى الخريج -بناء القيم والخلق والسلوكيات)، التعامل مع التلاميذ، المعلمين، الإداريين، تقارير الأداء الأسبوعية والشهرية خصوصا للمعلمين، الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة من المتفوقين والضعفاء من الطلاب، ... وغير ذلك. الإدارات غير مؤهلة، غير مدربة، غير قادرة على القيام بالمهام. وإن كان هناك تدريب فهو غير فاعل أيا كانت الأسباب. - الإمكانات والموازنة: الإمكانات تتمثل فى فصول ومدارس تكفى لخفض الكثافة إلى قرابة ثلاثين تلميذا فى الفصل ومعامل معدة جيدا ومكتبة ومرافق وخدمات أخرى، وأن يكون هناك حرص على التمدد الأفقى للمبانى والإنشاءات. الكثافة فى بعض المحافظات تصل فى بعض المراحل إلى أكثر من 130 تلميذا فى الفصل (الجيزة مثلا) فى حين أن المتوسط فى كثير من المحافظات يبلغ 60-80 تلميذا فى الفصل، والمتوسط العالمى لموازنة التعليم يبلغ قرابة 8% من الدخل المحلى العام، والنسبة فى مصر تبلغ 3.25%. آخر موازنة للتعليم فى مصر بلغت 49 مليار جنيه منها 85% أجور ومرتبات. مشكلات أخرى تزيد من حدة الأزمة: - الأمية: بنسبة تبلغ 30-40% حسب المصادر. والجهاز القائم على حل المشكلة عديم الجدوى. ومن طرق مكافحة الأمية والقضاء عليها وتجفيف منابعها ومنها التسرب. - الدروس الخصوصية: آفة كبرى من آفات التعليم فى مصر وتسهم فى إعاقة عقول كثيرة من الأجيال المتعاقبة بالإضافة إلى النزيف المالى للأسر وكذلك ما قد يصاحبها من تردٍّ أخلاقى. - التسرب: وأثرها السلبى على الأمية وزيادة عدد أطفال الشوارع، وتتفاوت النسب فى الابتدائى والإعدادى بين 5-15% حسب المصدر. - فوضى الثقافة والإعلام: تقوم وسائل الثقافة والإعلام التى يسيطر عليها منذ عقود العلمانيون، اليساريون، والليبراليون بدور سلبى فيما يخص التعليم بدلا من العكس. - نمو التعليم بغير العربية: أسفنا لما صدر من وزارة التربية والتعليم بشأن التخطيط لزيادة كم المدارس التجريبية والتى تُعلِّم بغير العربية. يضاف إلى ذلك فوضى إنشاء المدارس الأجنبية والمدارس الخاصة "اللغات". كذلك الجامعات الأجنبية، والجامعات الخاصة المحلية، والجامعات الحكومية أيضا لها دور. كل هذا له تأثير سلبى على الهوية والثقافة واللغة والانتماء. - مزاحمة اللغات الأجنبية للغة العربية منذ الصف الأول الابتدائى: إلى عهد قريب كان يبدأ تدريس اللغات الأجنبية فى الصف الأول الإعدادى ثم تدهور الحال وأصبح فى الصف الرابع الابتدائى. ثم تدهور أكثر فأصبح فى الصف الأول الابتدائى وذلك بضغوط الدول المانحة. وهناك شبه إجماع من علماء التربية على مستوى العالم أن مزاحمة اللغات الأجنبية للغة الأم تبدأ فى مرحلة التعليم الأساسى، أى الصف الثانى الإعدادى. - عجز الاستيعاب فى مرحلة رياض الأطفال: هناك قرابة 5.5 مليون طفل مطلوب استيعابهم فى رياض الأطفال، وحسب البيانات المتاحة فهناك قرابة 20% فقط تم استيعابهم. استيعاب هذا العدد يتطلب إنشاء عدد كبير من الفصول وعدد كبير من كليات رياض الأطفال ويتطلب اهتماما أكبر لأن هذه الفترة من 4-6 سنوات فترة مهمة وحساسة فى تربية الإنسان. - نظام الثانوية العامة وسياسة القبول بالجامعات: ما زلنا حتى اليوم لم يُتفق على نظام جديد للثانوية العامة وسياسة القبول بالجامعات للخروج من سلبيات النظام الحالى. وهناك أكثر من اقتراح مطروح للمناقشة ولم يُستقر على نظام بعد. - عدم جدوى التعليم الفنى على وضعه الحالى ومصيبة التعليم الأزهرى: التعليم الفنى على وضعه الحالى كارثة ويقوم بتخريج "شباب الشوارع" ويزيد من نسبة الأمية. المنصرف على طالب التعليم الفنى قرابة 1\4 المنصرف على طالب التعليم العام. التعليم الأزهرى فى كارثة ويحتاج إلى مراجعة فورية للإنقاذ. المنصرف على طالب التعليم الأزهرى أقل من المنصرف على طالب التعليم الفنى. من سمات تردى التعليم الأزهرى التقليص الواضح فى حصص اللغة العربية وحصص القرآن الكريم والزيادة الواضحة فى حصص اللغة الإنجليزية. هذا هو حال التعليم فى مصر، وهو نتاج عقود من سوء التعامل مع أخطر قضية من قضايا المجتمع. فالتعليم فى مصر فى أزمة حادة ومطلوب إصلاح وتطوير للتعليم من خلال سياسات وطنية واضحة يبنى عليها إستراتيجية لا تتغير بتغيير الوزير أو الوزارة ينبثق منها خطط وبرامج تنفيذية على مدى 10 سنوات على الأقل تجتمع عليها الدولة والحكومة والمؤسسات وأولياء الأمور. - مطلوب معلم مؤهل ومدرب جيدا ذو وضع مالى واجتماعى مميز، متعلم يجد من يطلق إبداعاته، ينمى مهاراته، يقوده إلى أن يضيف للمعرفة والابتكار، يجد من يتخذه قدوة قيمية وخلقية وسلوكية. - مطلوب مناهج تحقق هذه الأهداف من خلال المعلم والمتعلم مع الاهتمام الفائق باللغة العربية. - مطلوب إدارة حازمة واعية بأهداف المرحلة وصفات الخريج (من خلال التنمية الروحية والعقلية والبدنية). - مطلوب موازنة وإمكانات تحقق ما ذكر عاليه. مطلوب القضاء على الآفات والمشكلات التى تنال من قوة الهوية والانتماء. - مطلوب إعادة النظر فى أمور كثيرة بما يحقق تحويل سوء الأداء المدرسى الحالى إلى حسن أداء وبما يحقق الريادة والمنافسة فى جودة التعليم على المستوى العالمى.