السائل: أ. و السلام عليكم، أنا شاب فى مقتبل العمر، أعمل فى إحدى الشركات الخاصة، وحالتى المادية ميسرة والحمد لله، ولذا فكرت فى خطوة الزواج، وبدأت فى البحث عن بنت الحلال التى أكمل معها رحلة حياتى، وقد حرصت على اختيارها بنفسى، رغم محاولات والدتى المستمرة فى التدخل والترشيح، سواء لبنات العائلة أو الجارات أو حتى من تشاهدهن فى النادى. ولكنى لم أوافق على أى واحدة منهن، واستكملت بحثى بمفردى حتى أعثر على فتاة أحلامى. وذات يوم وأنا أنهى بعض الأوراق المتعلقة بالعمل فى إحدى المصالح الحكومية وجدت من كنت أبحث عنها لتشاركنى أحلامى ومستقبلى، فقد تعلقت عيناى بتلك الموظفة الهادئة المحتشمة والجميلة أيضًا. وقررت أن أسأل عنها قبل أن أفاتح أهلى فى موضوع الارتباط. تعددت زياراتى للمكان بسبب ودون سبب كى أقتنص لحظات من الحديث معها، إلى أن تجرأت فى إحدى المرات وعرفتها على نفسى، وأبديت لها إعجابى بخلقها ووداعتها ورغبتى فى الارتباط بها. ولكنى فوجئت من رد فعلها، فقد أجهشت فى البكاء الشديد. وبعدما استعادت هدوءها، ألقت على مسامعى جملة صدمتنى حينما قالت (أنا أرملة وعندى طفل عمره 3 سنوات)، ظللت لحظات شبه فاقد التركيز، وبعد أن أفقت من الصدمة اعتذرت لها وانصرفت فى هدوء. ولكن صورتها لم تفارق مخيلتى لعدة شهور، ولم أعد أستطيع التركيز فى العمل، وعندما لاحظت أمى حالى سألتنى عن السبب فصارحتها بكل ما حدث، وبرغبتى الشديدة فى الزواج من تلك الأرملة، فثارت أمى ثورة عارمة كادت أن تذهب بها، وأمرتنى بشكل قاطع ألا أعيد التفكير فى هذا الأمر، وإلا سيصيبنى سخطها وغضبها. أدرك أن الموضوع صعب تقبله من الأهل والمجتمع رغم أن ديننا لا يرفضه، ولكنى ارتحت لهذه السيدة، وأرغب فى استكمال حياتى معها وتعويضها عن الحزن الذى تشعر به، وفى نفس الوقت لن أقدر على غضب أمى، خاصة أننى ابنها الوحيد ووالدى متوفى منذ سنوات، ولكنى لا أرضى منها أن تقف فى طريق سعادتى.. أرشدونى ماذا أفعل؟ تجيب عن هذه الرسالة، هدى سيد، المستشارة الأسرية، فتقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. أخى الكريم، يبدو من سطور رسالتك أنك الابن المدلل لوالدتك الطيبة، فأنت كما ذكرت ولدها الوحيد، وقد توفى والدك منذ سنوات، ولم يبق لها من الدنيا سواك، فأولتك كل حبها وحنانها واهتمامها، ويبدو أنها كانت تستجيب لكل رغباتك حتى ترضيك حتى ولو لم تكن على هواها، مما جعلك غير متقبل لفكرة رفضها زواجك من تلك الأرملة. أخى الفاضل.. أطلب منك أولاً أن تجيب عن الأسئلة التالية قبل أن تحكم على والدتك أنها تقف حائلاً بينك وبين السعادة التى تنتظرها بزواجك من هذه السيدة. على أى أساس اخترت هذه الأرملة، هل لأنها حركت مشاعرك، أم لأنك تريد مساندتها بعد محنة فقد زوجها وهى لا تزال شابة، أم لأنك تمتلك نبعا من العطف والحنان الذى ترغب أن يفيض عليها وعلى ابنها فتكون لها زوجا وتصبح له أبا؟ هل تدرك جزاء عقوق الوالدين أو أحدهما حتى تتنازل ببساطة عن رضا والدتك ودعواتها المخلصة لك فى سبيل الإقدام على تلك الخطوة غير مأمونة العواقب؟ فمن أين أتتك تلك الثقة المطلقة من أنك ستحظى بالسعادة مع هذه الأرملة وطفلها الصغير؟ هل لا يوجد حولك سوى هذه الأرملة حتى تكمل حياتك معها؟ وهل تأكدت من قدرتك على تحمل مسئولية طفلها الصغير وأنت ما زلت فى بداية حياتك وليست لديك خبرة الأبوة الكافية؟ أم لأنك نشأت على حرية التصرفات والتدليل الزائد قررت أن تضرب باختيارات والدتك عرض الحائط حتى ولو كانت مناسبة، رغم خبرتها فى الحياة ومع الناس، وهى من بذلت من عمرها وتعبها وراحتها الكثير لتربيتك ولتراك فى أحسن حال، فمن المؤكد أنها ستحسن اختيار الزوجة المناسبة حتى تضمن لك السعادة والهناء. أخى الكريم.. حاول أن تعيد النظر فى موضوع الزواج من تلك الأرملة، وإن سيطرت على مشاعرك وأحاسيسك، واعذرنى أن قلت لك إن الحب وحده لا يكفى لنجاح الزواج، وأنك لن تتمكن من الوصول إلى الحياة الزوجية السعيدة إذا استهنت برضا أمك ومباركتها زواجك. ولأنك أشرت إلى الدين فى رسالتك، أحب أن أوضح لك أن ديننا الإسلامى بتعاليمه السمحة ومبادئه الراقية قد كفل لأتباعه السعادة فى الدنيا والآخرة، إذا هم ساروا على نهجه ولم يحيدوا عن أوامره، وقد حث الدين بالفعل الشباب والرجال القادرين على الزواج من الأرملة والمطلقة، ولكنه أكد أن الأفضل والأحسن لشاب مثلك أن يتزوج من فتاة بكر لم يسبق لها الزواج، وذلك حتى ينهلا معا من المتعة والسعادة والرضا، ويبدآ سويا حياتهما الجديدة دون ماض مؤلم أو ذكريات حزينة قد تطل برأسها بين الحين والآخر لتقضى على سعادة البيت الوليد. وكما جاء فى رد الرسول صلى الله عليه وسلم على رجل سأله عن الزواج من أرمله فقال الرسول الكريم (هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك)، ولكن الرجل بين أن زوجته الأولى قد ماتت وتركت صغارا فى حاجة إلى رعاية أم قبل أن يكون هو فى حاجة إلى زوجة تشبع رغباته فقط، فكان الرجل هنا حكيما فى اختياره عندما قدم مصلحة صغاره على مصلحته الشخصية. وأود أن أنوه يا أخى إلى أن هذه السيدة لا يعيبها أنها أرملة ولديها طفل صغير، ولكنها بالتأكيد قد عاشت جزءا من حلمها على الأقل فى تكوين أسرة وحياة مستقرة، أما أنت فلم تبدأ حلمك بعد حتى تختار أن تعيشه ناقصا إذا تم هذا الزواج، فراجع نفسك جيدا مرات ومرات، وإن كنت أرى أن الأمر محسوما، وأنك ستحرص على إرضاء أمك، فرضاها غاية لا تترك، وإلا ستجنى الندم لو غضبت عليك، وكما جاء فى القرآن الكريم أن بر الوالدين والإحسان إليهما قرين التوحيد، كما فى قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء 23، 24). وقد جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذنه فى الجهاد، وعندما علم أنه ترك والديه فى حالة حزن وبكاء شديد أمره بالعودة إليهما، وأن يضحكهما كما أبكاهما ويلزم قدميهما فثَم الجنة، فلا تجعل جزاء أمك العقوق، واحرص يا أخى على رضا والدتك مدى حييت؛ ليرضى عنك الله ويكتب لك الخير والفلاح ويوفقك سبحانه وتعالى إلى الاختيار الأنسب لزوجة المستقبل التى ترضيك وتسعدك إن شاء الله.