لا أرى مبررا لحالة الهلع من السياحة الإيرانية إلى مصر، التى تحولت إلى "فوبيا التشيع"، هذا الهلع يظهرنا فى موقف الضعيف العاجز عن مقاومة المد الشيعى، ويظهر المذهب السنى ضعيفا فى مواجهة المذهب الشيعى، ويظهر المواطن المصرى كالجسد الهزيل الذى لا يقوى على مواجهة الفيروسات المعدية، وكل هذا غير صحيح، ولنا فى التاريخ والجغرافيا عبرة. أفهم أن تكون لدينا بعض الاحتياطات الأمنية من الاختراق الخارجى، سواء كان إيرانيا أو إسرائيليا أو خليجيا فى ظل هذه الظروف الأمنية الهشة التى تعيشها مصر بعد عامين من الثورة، وهذه الاحتياطات هى مهمة الأجهزة الأمنية بالأساس، ولكن لا مانع من رفع الحاسة الأمنية لدى عموم الشعب؛ ليساعد أجهزته الأمنية فى الحفاظ على أمنه الوطنى، ولكنى لا أفهم هذه الانتفاضة الشديدة ضد وصول أفواج السياح الإيرانيين إلى مصر، وتهديد البعض بمنع خروجهم من بوابات المطار. أفهم أيضا أن إيران صدمتنا فى موقفها من الثورة السورية؛ حيث لا تزال هى شريان الحياة لنظام بشار الأسد، حتى الآن تمده بالسلاح والمقاتلين، ومن ثم تساعده على قتل المزيد من السوريين، ولكن هذا الموقف وجد رفضا من مصر قيادة وشعبا، ولا ننسى أن رئيسنا الدكتور محمد مرسى أسمع الإيرانيين ما يكرهون فى هذا الشأن فى عقر دارهم إبان زيارته لطهران مؤخرا، كما أن من حق الشعب المصرى أن يعبر عن رفضه هذه السياسة الإيرانية بالتظاهر والندوات، وأى أشكال أخرى للاحتجاج، وكذا بتقديم الدعم لأشقائنا السوريين، خصوصا من يقيمون بيننا، لاجئين فارين من نار الأسد، أو عبر تقديم الدعم للثوار على الأرض السورية. لكننى أفهم أيضا أن سياسات الدول لا تبنى على موقف واحد، فقد تتفق مع دولة ما فى بعض السياسات وتختلف معها فى أخرى، ولا أظن أنه يغيب عن الأذهان أننا نختلف مع الحكومة التركية فى علاقتها العسكرية مع إسرائيل؛ لكن ذلك لم يمنعنا من التقارب مع هذه الحكومة وإعجابنا بقيادتها وبرؤيتها وبسياساتها الأخرى، كما أن خلافنا مع الموقف الروسى أو الصينى الداعم لسوريا أيضا دفعنا إلى قطع العلاقة مع هاتين الدولتين، المهم فى كل ذلك هو الثقة فى النفس وفى القدرة على التعامل بندية كاملة مع هذه الدول، وفق مصالحنا الوطنية، وبما لا يضر أمننا القومى. قلت إن لنا فى التاريخ والجغرافيا لعبرة، أما فى التاريخ فقد احتل الشيعة الفاطميون مصر لعدة قرون، ولم يفلحوا فى نشر المذهب الشيعى بين أهلها، ولم يبق من آثارهم سوى الجامع الأزهر ومسجد الحاكم بأمر الله وبعض المساجد الأخرى، وقد تحولت جميعها إلى قلاع سنية بعد ذلك، بل أصبح الأزهر هو مركز القيادة الروحية للسنة فى العالم، وفى التاريخ المعاصر حل علينا الإخوة العراقيون الشيعة لعدة سنوات، هربا من بطش صدام أو بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، وكانوا يملئون أحياء بأكملها، ولم يتمكنوا من تشييع هذه الأحياء رغم بقائهم لفترات طويلة عكس السياح الذين يفدون لمدة أيام قليلة، أما فى الجغرافيا فإن الإيرانيين يملئون دول الخليج؛ حيث تصل إليها 45 طائرة إيرانية أسبوعيا، بل لا ينقطعون عن مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمدن السعودية الأخرى، ولم يتمكنوا من تغيير المذهب السنى فيها، كما أنهم يجوبون العالم شرقا وغربا سياحة وتجارة وإقامة، ولم يتمكنوا من تغيير مذاهب أهل البلاد السنية، وإن كانوا قد سجلوا بعض النجاحات فى دول بعض الدول الأفريقية، ثم هل نخشى الشيعة الإيرانيين فقط، بينما نأمن الشيعة اللبنانيين أو الخليجيين الآخرين الذين يفدون إلى مصر صيفا وشتاء، بل يقيمون فيها ويستثمرون؟! لا أنكر أن من سعى وضغط لفتح الباب للسياحة الإيرانية هو القطاع السياحى الخاص فى مصر، وهو القطاع الذى يئن تحت وطأة غياب الأفواج السياحية العالمية بسبب الحالة الأمنية، وهو ما تسبب فى إغلاق عديد من الشركات السياحية وتشريد العمالة فيها، وخواء الفنادق، خاصة فى الصعيد، ولكننى لم أناقش المسألة من وجهة نظر اقتصادية، بل من خلال رؤية عامة لطبيعة العلاقة التى ينبغى أن تسود بين مصر وإيران، فالقطيعة التى امتدت على مدار العقود الثلاثة الماضية كانت نتيجة قرار أمريكى لا مصرى، وهذا القرار الأمريكى يريد أن يواصل تحكمه فى السياسة الخارجية المصرية لكن مصر الثورة رفضت هذا الفيتو، وأصبحت تنظر لمصالحها هى فقط وليس لمصالح أطراف أخرى، كما أن السعى الإيرانى لتطبيع العلاقات وتطويرها مع مصر هو من باب البحث عن صديق قوى فى مواجهة محاولات فرض العزلة وربما الحرب على إيران، وليس من باب السعى لنشر المذهب الشيعى؛ لأن القيادة الإيرانية تدرك أن هذه المسألة خط أحمر قد تكلفها خسارة دائمة لمصر وللشعب المصرى الذى قدم للعالم الإسلامى نموذجا فريدا فى حب أهل البيت وحب كل الصحابة الكرام أيضا، حتى أصبح يوصف بأنه شيعى الهوى سنى المذهب، وبالتالى فإن هذا الشعب سيلفظ تلقائيا أى محاولة لتغيير هذه العقيدة السمحة، وهذا ما أعتقد أن إيران تدركه جيدا.