لا تندهش عندما تجد أحكاما قضائية تخالف أبسط قواعد العدالة والالتزام بالدستور والقانون، منها حكم حل البرلمان وهو مسيس بامتياز، وكذلك حكم وقف الانتخابات رغم أنه قرار سيادى للرئيس، ومن أعمال الحكم لا من أعمال الإدارة، وآخرها حكم استئناف القاهرة أمس ببطلان عزل النائب العام السابق عبد المجيد محمود الذى عيّنه مبارك. محكمة الاستئناف أمس تجاوزت حدود صلاحياتها وقضت بحكم يكشف عن اللا مسئولية عند هؤلاء "القضاة". عزل "محمود" كان بإعلان دستورى، وهو من أعمال السيادة، ليس ذلك فحسب، بل تم استفتاء الشعب على بقاء أثر الإعلانات الدستورية للرئيس كما تنص المادة الأخيرة من الدستور، ومنها طبعا عزل عبد المجيد محمود، ووافق الشعب بأغلبية كاسحة على هذا، فكيف تقضى محكمة الاستئناف بما يخالف الدستور والقانون؟!! لا تندهش من هذا الحكم وغيره؛ لأن الثورة المصرية تخوض الآن أشرس معاركها ضد مافيا الدولة العميقة وشبكات المصالح التى نمت وترعرعت فى عهد المخلوع. لا تندهش فالنائب العام طلعت عبد الله شمّر عن ساعديه وبدأ يخوض معركة الثورة على فساد دولة مبارك العميقة حتى لو كانوا قضاة فاسدين مرتشين أكّالين للمال العام وقاموا بالاستيلاء على أراضى الدولة والبسطاء دون وجه حق. لا تندهش فالنائب العام يواجه ببسالة رجال أعمال مبارك الفاسدين والمتهربين من الضرائب التى بلغت على ساويرس بمفرده 14 مليار جنيه. كما لا تندهش من فضلك عندما تجد الزند المتهم فى قضية الاستيلاء على 180 فدانا بغير وجه حق أول المهللين للحكم. يريدون عودة عبد المجيد محمود دون سند من قانون أو دستور. هكذا بلطجة أو قل صناعة العراقيل للرئيس حتى لا يتفرغ لبناء الوطن. هذا هو "قضاء مصر الشامخ" الذى يهدر ببسالة نصوص الدستور والقانون ويتجاوز بعض قضاته كل قواعد المنطق والعدالة لا لشىء سوى اتباع الهوى والانحياز لمواقف سياسية ترجح فريقا على آخر. أما عبارة "القضاء الشامخ" و"قدسية القضاء" و"تنزيه القضاء" وأن حكم القضاء هو عنوان الحقيقة، فتلك مقولات تحتاج إلى دليل وبرهان! "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ". بعض شباب الثورة -وأنا منهم- لنا رأى غير ذلك، ونعتقد بيقين أن قضاء مصر لو كان شامخا لَمَا قامت الثورة من الأساس، وأن الظلم فى عهد مبارك وصل حدا يجعل إبليس نفسه يقف مصفقا بحرارة من قدر الإجرام والتجاوز والانتهاك الذى تم بحق المواطنين البسطاء، ولم نرَ للقضاء شموخا ولا دفاعا عن حقوق البسطاء والمظلومين، كما لم نسمع من معظمهم تنديدا بهذه الممارسات المشينة من النظام. كما يؤكد التاريخ أن عددا من القضاة مارسوا أبشع أنواع التستر على الفساد والديكتاتورية، وكانوا ستارا لأكبر عمليات تزوير لإرادة الشعب فى كل الانتخابات التى جرت فى عهد المخلوع وقبله. أدرى -كما يدرى غيرى من المصريين البسطاء- أن أبناء الفقراء لم يكن لهم نصيب من الدخول فى سلك النيابة من الأساس، وكانت الرشوة والمحسوبية هما المعيار الذى يتم على أساسه التعيين فى النيابة، على الأقل فى آخر عشر سنوات من حكم المخلوع. كما نعلم بيقين أن عددا كبيرا من السادة القضاة بدءوا حياتهم بطريقة غير شرعية، واحتلوا فرص التعيين رغم أن غيرهم كان أحق بها، وعبر الترقى باتوا يجلسون على منصة القضاء رغم أنهم لم يكونوا يوما ما مؤهلين لتولى مثل هذا المنصب الحساس. ورغم أن عددا من النشطاء منذ خلع مبارك يطالبون ب"الثورة على القضاء" حتى لا يتم القضاء على الثورة، فإنى على ثقة بأن الشرفاء من القضاة لن يتهاونوا بحق تطهير صفوفهم من الذين لوّثوه لعدم كفاءتهم وجدارتهم من جهة، ولأنهم سرقوا المنصب من مستحقيه من جهة أخرى.