هل سألت نفسك يوما عن البطولة وصانعها ورموزها وواقعها وزائفها ومبدعها ومحييها وقاتلها؟ نعم، قرأنا عن البطل فى المناهج التعليمية عن صلاح الدين وسيف الدين قطز، وشاهدنا أبطالا من صنع المخرجين فى الأعمال الدرامية، أحيانا كنا نشاهد أبطالا يختلف خصائصهم وأسلوب حياتهم عما قرأناه صغارا ولكن الإبداع الفنى والأداء الدرامى كانا يقنعاننا بصدق البطولة وقدرتها على تخطى الصعاب، وعندما تعايشنا مع الواقع المخزى لصناعة الأبطال الدرامية لم نجد أمامنا سوى الأفلام السينمائية ومجلات ميكى ماوس وروايات الجيب لتقص علينا قصص أبطال وهميين لا يقدرون على صنع أبطال حقيقيين، ولكن فقط الانبهار وقضاء الوقت، انحدرت الأعمال السينمائية المصرية لتصل إلى صورة البطل فى الأفلام على شكل بلطجى فى سوق الخضار، ثم هلفوت بالملابس المقطعة، ثم بطل فى يده الخمر، وبطل يتسلق أعمدة المجارى ليسرق وينهب ويتعاطى المخدرات، فسقطت صورة البطل ولم يعد لها وجود حقيقى إلا فى الألعاب الأوليمبية. أين حكاوى وقصص الأمهات والجدات والآباء وحواديت العمات والخالات قبل النوم؟ فقدها جيل الإلكترونيات إلى الأتارى وسباقات السيارات والأميرة والوحش والمزرعة السعيدة ذلك فى البيئات الغنية، وعند الفقراء التعساء عباقرة القرن والزمان لو كان قدر لهم النشأة فى غير هذا المكان وخارج شرنقة الظلام، فهؤلاء الباحثون عن البطولة تلقفتهم أيد أفقرتهم من قبل، فنادت عليهم (أم دنيا) المرأة العجوز بميدان التحرير: أيها الأبطال احملوا الحجارة والنار لترموها على العسكر الجبار، ثم اذهبوا إلى متحف كئوس الأبطال لتحرقوه ويفوز كل واحد منكم بكأس أشجع الشجعان والبطل الهمام، ساعتها نسى الطفل المال والطعام وأسرع لنيل البطولة بكأس لم تره عيناه ولم تمسه يداه من قبل، وأنى يكون له ذلك وقد فقد الحياة وقلبه نابض. فى هذا الجو المدخن بغازات الدموع على الوطن والخوف من الخراب وظلام الفكر ينبعث شعاع خافت ينبئ بنور فجر العروبة والإسلام من شباب ضحوا بأرواحهم فداء لشرف بلدهم وأمهات صبرت واحتسبت ولدها شهيدا وأخوات فقدن إخوانهم الأبطال على أرض الوطن الغالى، وسالت دماؤهم لتروى قصصا جديدة ترويها بنات فقدن آباءهن، وزوجات لم يعشن مع أزواجهن سوى أيام، وأطفال لم يشاهدوا آباءهم، وآباء كان أبناؤهم قرة عين لهم، وأمهات سهرن ليربين أبناء صالحين لوطنهم والناس، قصص بطولة خير الشباب الأبطال الذين خرجوا مستودعين أهلهم لدى الرحمن ومستبشرين بالجنان والريحان وجوار الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا. الجيل الجديد ينتظر من يحكى له أم من يعلمه أم من يربيه على البطولة وصناعة الأبطال، قد يتاح لك الفرصة شابا أن تأخذ دورات فى القيادة أو أن تتقدم فى دراسات عليا حول القيادة والجندية، ولكن ما السبيل لصناعة البطل الرمز؟ هل الأمر متصل بالأسرة كما كانت ربما يقع عليها عناصر أساسية تربى عليها أبناءها قبل المراهقة والشباب بالتركيز على نقاط قوة الطفل، فلكل منا نقطة قوة يمكن الانطلاق منها للبطولة الحقيقية، ولا يخشى الفشل والإخفاق مرة، ويتكلم بما يرى ويحس ويقتنع طالما فى أطر من الأخلاق النبيلة، ويكون له قدرة على اتخاذ القرار، وأن يحس الطفل بالسعادة فى وقتها، ويستطيع التعبير عن نفسه، ولا يحزن من الفشل مرة، وأن يدرك سنة الخالق فى خلقه فى وجود اختلافات بين الناس، وأن تدرك الأسرة احتياجات الطفل الأساسية وتسعى لتحقيقها، وأن يتدرب الطفل على محاسبة النفس، وأن تجعل الطفل يتفاءل خيرا، وألا يستحى من السؤال طالما فى مكانه الصحيح.