لا ينفك بعض السياسيين الذين يفتقرون للوجود الشعبى الحقيقى من استغلال أى موقف صادر من أى جهة كانت تعارض الإخوان أو الرئيس أو الحكومة ويبرد نارهم، إلا ويعلنون انتصار فكرتهم ومواقفهم دون أدنى احترام لعقلية المواطنين أو للواقع الحقيقى للأحداث. فنجد بعضهم يهلل بانتصار طلاب تيار بعينه على طلاب الإخوان فى بعض كليات بعض الجامعات، واعتبروا أن هذا اكتساح، وأنه يملؤهم بالطمأنينة والأمل، وأن بهذا الانتصار لهم يتأكد أن الثورة ستنتصر. وهذا فى حقيقة الأمر تدليس واضح على الناس، ومحاولة تحقيق نصر وهمى ولىّ لعنق الحقائق، فهل فى انتصار طلاب تيار ما فى انتخابات اتحاد طلاب فى جامعة ما هو انتصار للثورة؟ وهل هذا التيار وأصحابه هم أصحاب الحق الحصرى فى الحديث عن الثورة وحمايتها؟ وماذا عن انتصار طلاب الإخوان فى العدد الأكبر من الكليات والجامعات؟ وماذا يمكن تسميته؟ ولماذا لا يعترك هؤلاء المناضلون الانتخابات النيابية ويكتسحونها ويشكلون الحكومة ويتولون هم بذات أنفسهم الرقابة والتشريع بدلًا من التباهى ببعض الإنجازات هنا أو هناك، التى هى فى الحقيقة لا تعدو كونها تنافسا شبابيا طلابيا إيجابيا يثرى الحياة السياسية والطلابية المصرية، وهذا هو التوصيف الصادق للأحداث. والمؤسف فى الأمر أن طلاب هذا التيار اقتدوا بقادتهم وجعلوا برنامجهم الانتخابى المميز هو سب الإخوان وشتمهم ومحاولة الصدام معهم بشتى السبل، وهو ما وعاه شباب الإخوان وفوتوا عليهم الفرصة؛ فبدلا من أن نجعل من الانتخابات الطلابية مزرعة للأداء الطلابى الراقى والمنتج الذى يفرخ العديد من القيادات والكفاءات النافعة لبلدها ووطنها، إذا بهم يحولونها للهجوم على التيار الإسلامى عموما والإخوان خصوصا. إن قصر برنامج هؤلاء الطلاب على مهاجمة الإخوان وسبهم وتضخيم فوز بعضهم فى بعض الكليات إنما يزكى حالة الاستقطاب الحادة التى تحياها البلاد، وأصبح واضحا للعيان من الذى يشعلها ويؤججها بتوجيه الشباب للهجوم على الإخوان ومحاولة الصدام معهم بدلا من إعداد البرامج الهادفة التى تخدم الطلاب والحركة الطلابية كلها. وكذلك هلل البعض لحكم محكمة القضاء الإدارى بوقف قرار الدعوة للانتخابات النيابية، واعتبر أن تلك الدعوة عبث بالقانون ومن سمات الدولة الفاشية، ولا أدرى عما يتحدث هؤلاء ولا عن أى بلد ولا أى قانون، ولا ما هو معنى الفاشية التى يقصدونها؟ ألم يشاهد هؤلاء إهدار النظام السابق القانون والدستور وتلاعبهم به فى كل المناسبات وعدم تنفيذهم الأحكام الباتة، وألم يشاهدوا أيضا حرص الرئيس على تنفيذ كل الأحكام واحترامه لها، فلماذا إذن هذا التلاعب الرهيب بالألفاظ ومحاولة تسويق الأمر على أنه انتصار لرأيهم فى القانون؟ وهم المقاطعون من الأساس والرافضون للانتخابات من بابها، ليس من أجل القانون ولا غيره ولكن لخوفهم من الفشل الذريع الذى ينتظرهم فى الانتخابات، وهذه هى الحقيقة المرة التى يتهربون منها. إن ما يقوم به البعض من محاولة تسييس أحكام القضاء أمر غير مقبول على الإطلاق، فتارة نجدهم يدعون أن الأحكام مسيسة ويتم أخونة القضاء، وتارة أخرى نجدهم يتشدقون بالقضاء الشامخ وضرورة احترام أحكامه واحترام القانون والدستور، إن هذا الكلام حق يراد به باطل ويغطون به على مآربهم الحقيقية فى محاربة الإرادة الشعبية ومحاولة إسقاطها وتلك هى الحقيقة المرة. بل تعدى الأمر لحد التستر على المتهربين من تسديد مليارات الضرائب، واعتبار أن ذلك استهداف للاستثمار والاقتصاد بل للثورة والثوار. إن ما تعانيه مصر الآن هو اختلال فى توجه البوصلة لدى بعض القوى، فلقد أعماهم اختلافهم بل كرههم للإخوان عن مصالح مصر وشعبها بل أمنها القومى، وباتوا يتاجرون بكل شىء ويضحون بكل شىء، وأصبحت الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وبات فشلهم فى الوصول للشعب وحل مشاكله والتواصل الحقيقى معه هو الوقود الدافع لحقدهم الأعمى على كل ما فيه الخير لمصر وشعبها وقواها الحية. ووصل الأمر لإعطاء الغطاء السياسى للبلطجة والعنف وتبريره والدفاع عنه، وتسويق أعمال العنف وقطع الطرق والمواصلات وتهديد الآمنين وترويعهم ومنع الموظفين من أداء عملهم والوصول لمقار عملهم ومخالفة القانون على أنها حالة ثورية. وعمدوا فى سبيل ذلك إلى تغذية حالة الاستقطاب الحادة والحديث باسم مصر وشعبها وثورتها على خلاف الحقيقة والواقع الذى يعلمه الشارع المصرى كله. إن محاولة البعض تحقيق انتصارات وهمية على حساب الوطن ومصالحه والمتاجرة الرخيصة بدماء أبنائه ومقدراتهم، ورفضهم كل محاولات التوافق، ومحاولتهم فرض وصايتهم على الشعب وتسفيههم إرادته -ستبوء بالفشل والخسران المبين بفضل الله وعونه ثم بوعى الشعب وقواه الحية. إن مصر تحتاج إلى جهود المخلصين الحقيقيين لها ولشعبها ولنهضتها ولا تحتاج إلى المتاجرين بآمالها وآلامها، تريد أبطالا حقيقيين ينقذونها مما يحاك لها ولا تحتاج إلى أبطال من ورق لا يصلحون إلا لإشعال نار الفتن والدسائس والتلاعب بالقيم والمبادئ واتباع كل الوسائل الرخيصة للوصول لغاياتهم الدنيئة والمشبوهة. ستنتصر مصر وستعلو رايتها وستعلو إرادة شعبها وسيُفرَز المحب لمصر والمتاجر بها، وسيتبين المضحى من أجلها والباذل لها من المتربح من دماء وآلام أبنائها، فإرادة الله التى نصرت الثورة وأعلت إرادة الشعب ستنتصر بإذن الله للمدافعين الحقيقيين عن الشعب وإرادته. حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.