يوم الاثنين الماضى كنت ضيفا فى برنامج "صحى النوم" الذى يقدمه الزميل محمد الغيطى على قناة "التحرير"، وكان معى المخضرم الدكتور إيهاب الخراط، القيادى بجبهة الإنقاذ، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى بمجلس الشورى، عضو الهيئة العليا للحزب؛ للنقاش حول "قانون الانتخابات"، خاصة أن الرجل اعتصم بالمجلس أياما عدة؛ اعتراضا على إقرار القانون وغياب التوافق بشأنه. فى أثناء الحلقة توجهت بكلامى إلى الدكتور إيهاب الخراط، وقلت: من حقك أن يكون لك رأى مخالف لرأى الأغلبية فى المجلس حول أى قانون، ومن حقك أيضا أن تعتصم، ولكن أخبرنى: هل ذلك يعنى مصادرة حق الأغلبية فى أن يكون لها رأى مخالف لرأيك؟ أجاب الرجل: لا.. من حق الأغلبية وأى نائب آخر أن يكون له رأى مخالف لرأيى. قلت: حسنا.. كان لك رأى وللأغلبية رأى، وكل منكما يريد مصلحة الوطن من وجهة نظره، وشارك كل منكما فى التصويت، هُم بالموافقة وأنت بالرفض.. فهل يعنى اعتصامك أنك تريد مصادرة حق الأغلبية، وأن تتخلى عن رأيها وتنزل على رأيك؟! أجاب الرجل: لا، لم أقصد ذلك مطلقا. هنا تدخل مقدم البرنامج، وقال له: إذَنْ اعتصامك لا قيمة له. قادة جبهة الإنقاذ يتسترون بمصطلح "التوافق"، وعند مواجهتهم بقيم ومعايير الديمقراطية والاحتكام إليها عند الاختلاف ترى الليبراليين منهم يقرّون ثم يتهربون! ولكنّ اليساريين والناصريين منهم يرفضون الاحتكام إلى الديمقراطية وإرادة الشعب من الأساس؛ لأنهم –ببساطة- كافرون بها، ولا وزنَ عندهم لإرادة الشعب وحقه فى تقرير مصيره واختيار قياداته. وجاء قرار الجبهة بمقاطعة كل الحوارات التى دعا إليها السيد الرئيس، وكذلك مقاطعة الانتخابات المقبلة، وتسترهم بضرورة "التوافق" قبل الانتخابات، لتؤكد أنهم أسسوا أحزابا ليس للتنافس الديمقراطى وللوصول إلى الحكم بآليات الديمقراطية والاحتكام إلى الشعب، بل للانسحاب والمقاطعة ومحاولة الوصول إلى الحكم بأى طريقة غير "الصندوق"!! يكون الحوار ناجحا عندهم إذا تحققت كل مطالبهم، ويكون فاشلا إذا لم تتم الاستجابة لهم فى أمور يرى رئيس البلاد المنتخب من الشعب أنه يخالفهم الرأى فيها، ويرى غيرَ ما يرون فى هذه القضايا. والتوافق عندهم هو ما يلبى مطالبهم، ويغيب التوافق إذا كان للأغلبية رأى مخالف لهم. إذا كانت المعارضة تحت مزاعم "الحوار أو التوافق" تريد أن تفرض رأيها على الرئيس المنتخب.. فلماذا الانتخابات إذن؟! على المعارضة أن تفهم أصول العمل السياسى المتسق مع الديمقراطية وآلياتها بدلا من القفز إلى المجهول، والإصرار على ممارسات طائشة تستبدل الخرطوش بالفكرة، والمولوتوف بالصندوق. التوافق أيها السادة أن تتحاور الأحزاب المتساوية فى المراكز القانونية حيال 10 قضايا مثلا؛ 5 منها محل اتفاق، و3 يمكن أن تكون هناك مرونة حيالها، و2 محل خلاف كبير بين الجميع، ثم نصل إلى اتفاق بشأن 7 قضايا من ال10، ونحتكم إلى الشعب بشأن القضايا الخلافية. هذه هو التوافق الصحيح فى كل ممارسات العمل السياسى بين الفُرقاء السياسيين المتساوين فى المراكز القانونية، ولا يعنى إطلاقا أن تنفّذ مطالب حزب على حساب بقية الأحزاب. أما إذا كنا أمام رئيس ومعارضة، فالوضع مختلف؛ لأن المراكز القانونية فى هذه الحالة ليست واحدة، والشعب اختار الرئيس لا لشىء إلا لينفذ برنامجه ورؤيته فى المسائل والقضايا الخلافية، وعندما تأتى المعارضة لتفرض على الرئيس شيئا هو غير مقتنع به، فهذا تجاوز يخالف الدستور، ويهدر صلاحيات الرئيس المنتخب، ويجعل من المعارضة حاكما دون تفويض من الشعب، وهذا إهدار لكل القيم والأعراف الدستورية والقانونية والديمقراطية، على حد سواء. أيها السادة فى جبهة الإنقاذ! عليكم أن تعلموا أنكم تقترحون على السيد الرئيس بعض مطالبكم، ولا تفرضونها عليه، وشتّان بين الأمرين، والمشكلة عندكم أنكم تتعاملون مع الرئاسة بمنطق الندية، وفرْض رؤيتكم عليه، وإجباره على ما لا يريد!! وهذا لن يكون أبدا؛ لعدم اتساقه أساسا مع قيم الديمقراطية وأدواتها. طريق واحد أمامكم لتنفيذ كل مطالبكم، هو الانتخابات، وترجمة أهدافكم وبرامجكم إلى أصوات لتحصلوا على الأغلبية، وبذلك يمكنكم تشكيل الحكومة، وتعديل الدستور، وإنفاذ برامجكم وأفكاركم، تؤازركم عندها ملايين الأصوات التى منحتكم ثقتها، أما غير ذلك فبلطجة وفوضى لن يسمح الشعب لكم بممارساتها من أجل الوصول إلى السلطة بعيدا عن الصندوق. يا قادة جبهة الإنقاذ! لا تتعللوا بتزوير الانتخابات؛ لأنكم أول مَن يعلم أن أحدا مهما كان لا يستطيع تزويرها، وإذا كان كلامكم صحيحا فخُوضوا الانتخابات بقوة، واكشفوا التزوير بحق دون ترديد أكاذيب تتهاوَى أمام شمس الحقيقة، ساعتها -إذا تم تزوير الانتخابات- وساعتها فقط يمكن أن يلبى الشعب دعوتكم إلى العصيان والقيام بثورة جديدة.