تمتلك الكلمة الأدبية قوة هائلة من التأثير الناعم فى الوجدان، كما أن لها قدرة خارقة فى تشكيل عقل الإنسان، وبالتالى تسهم الكلمة بشكل مباشر وغير مباشر فى سلوك الفرد وتصرفاته، وانفعالاته واستجاباته، وعليه كانت الكلمة -مسموعة ومقروءة ومكتوبة- أهم ميادين الصراع الحضارى والاستلاب الثقافى، صراع يقوم على فرض الهيمنة الثقافية والسيطرة الفكرية، وما ينتج عنهما من تبعية سياسية واقتصادية وتغيُّرات اجتماعية. وقد أيقنت القوى الإمبريالية فى عصر المعلوماتية هذه الحقيقة، فعملت جاهدة على فرض نموذجها الثقافى والأدبى على المجتمعات العربية والإسلامية، فروجت للعولمة وما تحمله من أيديولوجية تغريبية، وأسهمت بشكل بارز فى نشر مذاهب حداثية لا تتفق -إن لم تكن تتناقض- مع قيمنا الراسخة، ومبادئنا المتجذرة. وخرجت علينا منذ مطلع القرن العشرين تقريبا، خرجت نخب ثقافية وطلائع أدبية تطالب بتفنيد كل مقدس، سواء أكان نصا بشريا أم وحيا إلهيا؛ لذا كان أهم أهداف النص الإبداعى شعرا ونثرا "هو نقل حقل المقدس والأسرارى من مجال العلاقات والقيم الدينية والماضوية إلى مجال الإنسان والتجربة والمعيش"، كما تقول الناقدة والأدبية خالدة سعيد. فلا عجب أن نجد المخابرات الأمريكية "CIA" تمول أنشطة ثقافية مختلفة ومتباينة أحيانا فى دول عديدة من العالم وعلى رأسها الدول العربية، كما ذكرت فرانسيس سوندرز فى كتابها "من الذى دفع أجر العازف؟ دور المخابرات الأمريكية فى الثورة الثقافية"، ولقد لعبت مجلة "شعر" البيروتية، التى أسسها يوسف الخال بتمويل من المخابرات الأمريكية دورا بارزا فى الحداثة العربية، والترويج لمبادئها الهادمة لكل أشكال الأدب المتوارثة؛ طلبا للتعبير عن مكنونات النفس، بل طلبا للتعبير عن شهوات النفس وشبهات العقل، سعيا لزعزعة اليقين. بينما نجد فى مصر "لويس عوض (1915: 1990)" -مفكر مصرى دعا إلى استخدام اللغة المصرية القديمة فى الكتابة- فكان يعجب من إصرار المصريين على اللغة المقدسة (العربية)، وأصدر ديوان "بلوتو لاند" وقصائد أخرى بالعامية -وكان توطئة لظهور حركة الشعر الحر وشعر العامية المصرية- وعندما يتصدى "محمود شاكر (1909: 1997)" -أديب مصرى كان منافحا عن اللغة العربية- عندما تصدى لأفكار لويس وكتب سلسلة مقالات فى مجلة الرسالة بين عامى 1964 و1965 (جمعها فيما بعد فى كتاب أباطيل وأسمار) يمارس الإرهاب الفكرى والقمع الثقافى، فيحبس شاكر وتغلق المجلة، كما اضطهده أستاذه "طه حسين" من قبل عندما اعترض على آرائه فى الشعر الجاهلى، فاضطر شاكر أن يترك الجامعة ويفر من مصر، ولا أنسى أن أذكر الحملة الشعواء التى شنتها مجلة إبداع المصرية ضد الدكتور "مصطفى هدارة" -مفكر وأديب مصرى 1937: 1997- لأنه كتب رسالة استغاثة للرئيس المخلوع ضد انتهاكات المجلة للثوابت الإسلامية والقيم الاجتماعية. رحل النظام ولكنه ترك إرثا ثقيلا من الأدب والثقافة التى تصطدم مع مبادئنا ومشاعرنا فى آن، فهى تصدر عن نفوس امتلأت بالتحررية الفكرية والأخلاقية معا، ولا يمكن أن نواجه هذا السيل إلا بأدب إسلامى يصدر عن نفوس امتلأت عاطفة فياضة بالخير والحب، وفكرا راقيا يبنى ولا يهدم، يعلو بالروح ولا ينزل بالنفس، فالأدب الإسلامى كما يعرفه سيد قطب "هو التعبير النَّاشئ عن امْتِلاء النفس البشرية بالمشاعر الإسلامية".