تتضافر آراء الساسة والإعلاميين فى الآونة الأخيرة لتثبيت منطق "هبوط شعبية الإخوان". وهذه الآراء تبرز وتحتدم بشدة كلما خيمت أحداث سياسية ومظاهرات وأعمال عنف. وقد يمكنك ببساطة تمييز "المعارضة العلمانية" بتلونها، وعدم ثباتها على مبدأ، با?ضافة إلى حساباتها الخاطئة دائما، والتى تصل بها إلى اقتراح "مجلس رئاسى" مع كل مظاهرة! لكن وقفتنا هنا ستكون مع فئتين نقدرهما ؛ وهم "المفكرون المحايدون"، و"ا?سلاميون". أولا: المفكرون المحايدون وهؤلاء المحايدون أغلبهم إسلاميون مثل أ.فهمى هويدى، د. كمال حبيب، أ. جمال سلطان وأضرابهم من المخلصين للوطن. وإذا وضعت اجتهادات هؤلاء الكرام أمام عينيك فسيكون من اليسير جدا أن تلمح تأثير الصخب الإعلامى وسخونة الأحداث عليهم، بحيث تجعلهم يختارون مدرسة نقدية يمكنك وصفها بوصف "كلهم فى النار"، ورغم أن هذه المدرسة تميل إلى تصديق "الإخوان" وإلى دعم "الرئاسة" لكن الصخب والحرارة المرتفعة تجعلهم أثناء نقدهم للتخريب أو الافتئات على الشرعية، ينحون باللائمة أيضا على "الإخوان" و"الرئاسة" رغم أنك تجدهم مائلين لقرارات "الرئاسة" وتصرفات "الإخوان" عند كل موقف على حدة، فإذا سألتهم: وأين الأخطاء الجوهرية التى تمنعكم من موقف صلب يساند "الرئيس" ويدفع عن "الإخوان" غائلة الهجوم الإعلامى؟... فإنك ستجدهم يذكِّرونك بأخطاء إخوانية أو رئاسية، وإذا سألت: وهل يخلو العمل السياسى من تباين وجهات نظر أو حتى أخطاء؟ قالوا: لا! وإذا سألت عن اقتناعهم بأن القوى العلمانية تؤجج الصراع بلا "خطايا" رئاسية وافقوك على ذلك. إذن … "فالرئاسة" و"الإخوان" لديهم أخطاء يومية، لكنهم لم يقعوا فى خطايا إستراتيجية تجعل منطق "إسقاط النظام" حاضرا، أو تجعل مساندة "الإخوان" أمرا مخجلا هذا ما توصلك إليه النتائج …. فلماذا… مرة أخرى… لا يجد "الإخوان" ولا "الرئاسة" مساندة صريحة من هذه الأقطاب الفكرية مثلما يجد "العلمانيون" مساندة ودعما لكل تصرفاتهم، بما فيها تجريف الحقائق ومشاركتهم فى إسالة الدماء حول "قصر الاتحادية" وما بعدها، ثم فى الذكرى الثانية للثورة؟. ثم لماذا تكتفِ هذه الأقلام بمجرد" الكتابة"، ولا توسع دائرة فعلها وتأثيرها؟ وهى قادرة إذا أرادت، أم هل تخشى أن توصف "بالإخوانية"؟ إذا كان ذلك كذلك، فعلى أصدقائنا وأساتذتنا أن يقفوا وقفة صادقة مع أنفسهم، وأن يتيقنوا أنها لحظة فرز، لن تصلح فيها الكلمات المحايدة، لقد اختار "العلمانيون" طريق الصدام و"إسقاط الرئيس"، واستحلوا كل الحرمات السياسية.. بل والشرعية، وركبوا على أمواج البلطجية و"الأناركية" و"الكتلة السوداء"، وكذبوا وخربوا، وأظهرت أفواههم ما تُكنه صدورهم … أعلنوها حربا غير مقدسة، فلماذا يصر إخواننا على الحياد وضعف التأثير، والبعد عن مواقع الفاعلية؟ أم أنها الحسابات الخاطئة التى تترك "ا?خوان" بلا ظهير إعلامى بينما يستحوذ العلمانيون على المشهد ا?علامى برمته؟ ثانيا: الإسلاميون إخواننا "السلفيون" ومعهم "الجهاديون السابقون"، متأثرون اليوم بما يسمونه "هبوط الشعبية الإخوانية"، لذلك تصدر كل تصريحاتهم مؤكدة أنهم لن يتحالفوا مع "الإخوان"، وقد قرأت تصريحات للصديق د. طارق الزمر بأن تجربتهم مع "الإخوان" لم تكن مشجعة، وبعدها تصريحات للشيخ عبود الزمر بأنهم يبنون تحالفا ليس فيه "الإخوان"، وأمثال هذه التصريحات خرجت من د. برهامى، وبالطبع كانت قبل ذلك من د. أبو الفتوح، ناهيك عن التصريحات العدوانية المفاجئة والتى خرجت من نادر بكار والتى تردد أباطيل العلمانيين ضد "الإخوان" ليضع حزب النور فى خندق واحد مع الذين تأفف من التحالف معهم فى الانتخابات البرلمانية السابقة. والحقيقة أن التأثر اللحظى غير المحسوب بهذه الحملة على "الإخوان" تضع أجنحة التيار الإسلامى أمام عدة تساؤلات: أهمها: هل سيدمن "الإسلاميون" الحسابات الخطأ ويتأثرون "بلحظات" ستمر حتما -بإذن الله- ويعود الواقع إلى ما كان عليه من ثقة شعبية فى "الإخوان"؟ ألم تكن حساباتهم بالأمس القريب تشى بأن أسهم "المرشح الرئاسى الإخوانى" هابطة وأسهم د. أبو الفتوح صاعدة؟. وعرّضوا أنفسهم ?نتقادات فى "المبادئ" من صفهم، ثم أثبتت النتائج الخطأ الفادح فى الحسابات؟ ألم يحسبونها بالأمس أن العمل بالسياسة خطر على الدعوة، ثم أثبتت ا?حداث أنه حماية لها، وثبتت لهم صحة المنهج الإخوانى؟ ألم تكن حسابات "العنف" المنهجية لإخواننا "بالجماعة الإسلامية" خاطئة واعتبروا أن منهج "الإخوان" الدعوى لا يصل بهم إلى "الدولة المسلمة المنشودة" ثم احتاجوا لعشرين عاما من الصدام والسجن والتعذيب حتى يراجعوا أنفسهم ليصلوا"بالمراجعات" إلى صحة المنهج الإخوانى؟ الآن يعود الجميع إلى نفس المربع، ويستدعون معه بعض الصعوبات فى تعاملهم مع "الإخوان" حتى يثبتوا لأنفسهم أن مواقفهم مبنية على "أخطاء الإخوان" وليس على "خوفهم هم" من "الالتحام" مع "الإخوان" فى لحظة المواجهة. أرجو من إخواننا ألا يحدثوننا عن "ا?قصاء" أو "الغرور" أو ا"?ستحواذ" كسجايا إخوانية، فهم أول من يعلم أن هذه ليست أخلاقيات ولا سلوكيات "الإخوان" السياسية، كما لا ينبغى أن يضيقوا بصلابة "ا?خوان" فى المواقف الفاصلة، فهم يعلمون مرونتهم فى غيرها، بل كانت هذه المرونة مدعاة لاتهام "ا?خوان" أحيانا بالمداهنة. وعليهم أن يصارحوا أنفسهم بأن أمل" مصر" اليوم معقود على فئة صلبة لا تتهدد بألاعيب الأطفال" العلمانية"، وأن "ا?سلاميين" هم هذه الفئة، وأن"ا?خوان" هى القيادة الطبيعية لهم، لذا فلا ينبغى ألا يهتزوا مع كل نازلة، وألا تكون الرؤى متشرذمة بين ا?جنحة ا?سلامية، ولا نريد أن نراهم كمستشارى الرئاسة الذين قفزوا من المركب مع أول "شائعة" لمقتل فتاة، ثبت أنها لم تقتل، وأن كل الشهداء حول الاتحادية كانوا "إخوانا". الحقيقة أن كلامى ليس رجاء لأحد بقدر ما هو توصيف للمشهد، فلقد أمدنى شباب "الإخوان" بطاقة هائلة ويقين ثابت أن الشهور القليلة القادمة سيعيدون عواطف شعبهم إلى حضنها "ا?خوانى" الطبعى، وسيعالجون مَنْ تأثر بالهجوم على "الإخوان"، وسيثبتون الذين ما زالوا على ثقتهم، وأولى بالقيادات الإسلامية أن تكون أول من يبادر ويتجاوز عقبات "اللحظة الراهنة"، وأن يستفيقوا من إدمان الحسابات الخاطئة.