لن يكون "الخربوش" الذى تعرض له المستشار أحمد الزند رئيس نادى قضاة مصر، آخر تقاليعه المثيرة للجدل من أجل اختلاق المعارك وصناعة البطولات الوهمية، التى بدأها عقب ثورة 25 يناير، ونجح خلالها فى إقحام القضاء فى معترك السياسة وقام بمساندة جبهة محسوب عليها على حساب جبهة أخرى ليقضى على مبدأ نزاهة القاضى، ومن ثم اهتزاز ثقة الشعب فى القضاة. "الخربوش" الذى "هيّج" وسائل الإعلام، خاصة المحسوبة على فلول النظام السابق، صنع -من وجهة نظرهم- من الزند بطلاً، بصرف النظر عن ملابسات ووقائع الحادث الذى تم تضخيمه إعلاميا بشكل كبير، كما قررت النيابة فى غضون ساعات حبس 3 من المشتبه فيهم، وهى ذات النيابة التى أخلت سبيل جميع المتهمين فى أحداث الاعتداء على المتظاهرين أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، التى خلفت عشرات المصابين، ومن قبل ذلك إخلاء سبيل جميع المتهمين فى قتل 10 شباب وإصابة المئات من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية!. تهديدات ويرى مراقبون سياسيون أن هذه الواقعة تعيد إلى الأذهان سلسلة الأزمات المفتعلة من قبل الزند التى حاول فيها لعب دور البطل، ولعل آخرها ما سبق موقعة الخربوش بدقائق، حيث واصل لغة التهديد والوعيد وأمهل فى اجتماع مع أعضاء النيابة العامة مجلس القضاء الأعلى حتى السبت المقبل لقبول استقالة النائب العام المستشار طلعت عبد الله. تهديدات الزند واتهاماته طالت القضاة أنفسهم، حينما عارض قضاة مصر الشرفاء دعوته التحريضية لمقاطعة الإشراف على الاستفتاء، فبادر إلى إرسال رسائل هاتفية كشفتها حركة "قضاة من أجل مصر"، حيث أرسل رسالتين نصيتين على الهواتف المحمولة للقضاة المشاركين فى الاستفتاء على مشروع الدستور تضمنت سبا وتهديدا لهم، وأكدت أنه بعد إعلان القضاة عزمهم التقدم بشكاوى ضده فى التفتيش القضائى، أرسل رسالة ثالثة تراجع فيها عن تهديده. ورغم إلغاء الرئيس محمد مرسى الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر الماضى، إلا أن الزند لم يهدأ وأعلن استمرار تعليق العمل بالمحاكم وتحريض القضاة على رفض الإشراف على استفتاء الدستور، مرورا بإصدار تقارير من غرفة عمليات النادى تشكك فى نزاهة الاستفتاء، إلا أن الأمور جميعها لم تفلح وتم قبول الدستور شعبيًّا بنسبة قاربت من الثلثين، الأمر الذى دفع الزند -حسب المراقبين- إلى افتعال أزمة الاعتداء عليه، مستعينا بعدد من وكلاء النيابة المدفوعين لمؤازرته باعتباره صديقا لآبائهم وأقربائهم، الأمر الذى فضحه عصام سلطان عضو الجمعية التأسيسية للدستور، عقب حصار القضاة للنائب العام. "استقلال القضاء".. لفظ براق استعان به الزند فى معاركه بعد الثورة على الرغم من كونه أول من أهدره خلال عهد المخلوع، حيث صمت على مدار سنوات على انتخابات مزورة وتعديلات دستورية مشبوهة فصلت لنجل المخلوع لكى يأتى على سدة حكم مصر التى ثار شعبها وضحى بأغلى شبابه من أجل حريته وكرامته. يمارس الزند أسلوبه الهجومى على مؤسسات الدولة المنتخبة بداية من مجلس الشعب السابق، مرورا بمجلس الشورى والجمعية التأسيسية وصولا إلى رئيس الجمهورية، فيما صمت تجاه الأحداث التى مثلت تهديدا صريحا لاستقلال القضاء، لعل أبرزها فضيحة تهريب المتهمين الأمريكان فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى. كما ساند الزند حليفه وصديقه النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود وطالب ببقائه فى منصبه، على الرغم من أن الشعب الثائر على الظلم طلب أكثر من مرة إقالته لأنه تسبب فى مسلسل البراءات الجماعية لمتهمى ورموز النظام السابق، وقد استجاب الرئيس إلى مطالب الشعب وأبعد عبد المجيد محمود بإعلان دستوري، لكن الزند ظل يساند النائب العام المقال مجاملة له على حفظه للعديد من البلاغات المقدمة ضد الزند بتهمة الاستيلاء على أراضى الدولة. ولعل ما ارتكبه الزند قبل الثورة ليس بأقل من ذلك، حيث لم يتم فتح تحقيق -إلى الآن- مع الزند حول عمله فى وظيفة غير قضائية بالإمارات فى أثناء إعارته، وهو ما تقدم به النائب السابق الدكتور أحمد أبو بركة بطلب إحاطة لمجلس الشعب فى 2005، ولم يجد ردًّا عليه، على الرغم من أن عددًا كبيرًا من القضاة طالب المجلس الأعلى بالتحقيق فيما تردد عن عمله فى وظيفة أخرى غير قضائية من عدمه فى أثناء إعارته. نادى القضاة نجح الزند فى تولِّى رئاسة النادى فى أول جولة له، بدعم مباشر من وزير العدل الأسبق ممدوح مرعى، وحشد غير مسبوق للقضاة فى أتوبيسات وزارة العدل لإبعاد تيار الاستقلال عن النادى، وهو الأمر الذى فضحته مؤسسات حقوقية ورقابية وقتها، وتورط الزند فى بداية عهده فى محو أى آثار لمجلس النادى فى عهد سلفه المستشار زكريا عبد العزيز؛ حيث أغلق الموقع الإلكترونى للنادى، وأنشأ موقعًا جديدًا، وحذف منه تاريخ النادى منذ عام 1963م وحتى الآن!. كما لاحقت قائمته بالمجلس اتهامات بتدخل المستشار أحمد نادر الأمين العام ل"مجلس رؤساء محاكم الاستئناف غير القانونى"، فى وضع جدول أعمال المجلس، وذلك قبيل تقاعد المستشار مقبل شاكر؛ ما فجَّر انشقاقًا غير معلن بين أعضاء قائمة الزند، انتهى باستقالة حليفه خالد أبو هاشم من مجلس الإدارة ووصفته إدارة الزند ب"الانفرادية". وبحسب المراقبين فقد حفل تاريخ الزند بالهجوم الحاد على الصحفيين والإعلاميين، كما لاحق صحفيين بجريدة "الوفد" ببلاغ؛ بسبب مناقشتهم مطالب الثوار بتطهير القضاء، فيما حاول التقرب إليهم مؤخرًا بعد الثورة لخدمة أهدافه. وفشل المستشار الزند طوال مدته فى تطوير موارد النادى المالية، خاصةً أنه قدم طعنًا بمساعدة أنصاره قبيل الانتخابات لوقف زيادة الاشتراكات بالنادى، وزاد من صعوبة موقفه تقاعد المستشار مقبل شاكر، ورحيله عن رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، خاصة أنه دعمه قبيل خروجه بمليون جنيه. وأثارت أزمة النادى المالية فى عدد من مشروعات الزند التى أعلنها فى دعايته الانتخابية؛ ما دفعه إلى إحداث أكبر أزمة مالية فى النادى، وهى بيع أرض بورسعيد التى قدّم بسببها بعض القضاة دعوى قضائية ضده ما زالت تنظر حتى الآن؛ حيث شمل البيع -حسب قائمة الاستقلال القضائى- مخالفات عديدة؛ حيث تمَّ بالأمر المباشر دون الرجوع إلى الجمعية العمومية طبقاً للمادة 17 من لائحة القانون الأساسى للنادى؛ مما أدَّى إلى خسارة النادى أكثر من 15 مليون جنيه؛ حيث تمَّ بيع الأرض "508م" بسعر 17 ألفًا و600 جنيه للمتر، على الرغم من أن تقييم الخبراء الذى أعلنه الزند هو 50 ألف جنيه للمتر. ولم تتوقف معاناة القضاة على ضعف مشروعات ناديهم؛ حيث طالهم انتهاك فى شهر فبراير قبل الماضى؛ حينما أصدر رئيس محكمة دمياط الابتدائية المستشار حسنى القرامانى منشورًا نبَّه فيه القضاة إلى العمل بنظام "القطعة"، وتحقيق 75% من القضايا المنظورة أمامهم قبل نيل مستحقاتهم المالية، مهددًا من يقصِّر فى تنفيذ المنشور بخصم 50% من مستحقاتهم، وهو ما سبَّب أزمةً واسعةً، رفض الزند التدخل فيها، أو تلبية مطالب أعضاء قائمة الاستقلال بعقد جلسة طارئة لمناقشة ذلك. كما شهد النادى أزمةً كبيرةً فى تطبيق اللائحة؛ بسبب رفض الزند الالتزام بعقد اجتماع النادى فى مواعيده، وهو ما تقدَّم بسببه أعضاء قائمة الاستقلال بعدة طلبات له، كما امتدَّ ضعف مساعى الزند فى مواجهة تعنُّت وزير العدل السابق ممدوح مرعى إلى رفض مطالب نوادى القضاة وأعضاء مجلس الإدارة من تيار الاستقلال القضائى السابق، بعقد جمعيات عمومية طارئة ضد مشروع وزير العدل بتوسعة مجلس القضاء الأعلى باثنين من أعوانه، حسب تعبير القضاة، تحت زعم أن "زمن الجمعيات العمومية انتهى"، إلا أنه بعد الثورة كثَّف من استخدام سلاح الجمعيات العمومية ضد المحامين بشكل خاص. التوريث وقاد الزند بعد الثورة عددا من المعارك المفتعلة فى مواجهة زملائه وشيوخه فى القضاة وكذلك المحامين، أثارت استياءً واسعًا بين الثوار والمراقبين، ولم يكن التصعيد المفتعل -حسب المراقبين- بعيدًا عن انتخابات التجديد الكلى التى دعا إليها الزند، وقاطعها تيار الاستقلال القضائى، وقدم دعوى قضائية ضدها. وفجَّرت تحركاته للتوريث فى القضاء بعد الثورة غضب المراقبين؛ حيث انتقد المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة دعوة الزند أعضاء النادى لعمل توكيلات للمستشار القانونى للنادى؛ من أجل رفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعيين أبناء القضاة الحاصلين على تقدير "مقبول" للعمل فى سلك القضاء!. وأدان المركز -فى بيان له وقتها- استمرار هذا الفكر الذى يكرِّس لتوريث المناصب والوظائف، ويهدر مبدأ المساواة والحق فى تكافؤ الفرص، موضحًا أن مثل هذه الدعاوى تمثل ردةً على ما يطالب به الشعب المصرى بعد ثورة يناير؛ من عدالة وإعمال للمبادئ الدستورية. واستغل الزند فى التصعيد وسائل إعلام الفلول، وبات ضيفًا على كثير منها بعد أن كان يندد بمشاركة القضاة فى المداخلات الإعلامية، وأصدر عددا من البيانات، ودعا إلى جمعية عمومية طارئة للقضاة، شارك فيها رموز النظام السابق وآخرين من المحامين التابعين لصديقه سامح عاشور نقيب المحامين.