كان الإعلام المصرى يمثل إرشادا قوميا وثقافيا منذ خمسينيات القرن الماضى إلى أن تحول إلى مسمى الإعلام الذى تحكمه وزارة خاصة به فى عام 1982 واستمرت أربع سنوات؛ لكى يستكمل بناؤها إداريا وقانونيا وتشريعيا، وحدد المخلوع اختصاصات الوزارة من خلال قرار جمهورى، ما زال ساريا إلى الآن، يعنى أن وزير الإعلام اليوم يسير طبقا لقرار المخلوع وسياساته، وهو ما يضع أيدينا على خطوات أولوية للإصلاح الإعلامى بعد الثورة، والمتمثل فى وضع الإعلام المصرى فى شكل إدارى جديد، يتلاءم مع متطلبات الثورة وتطور قطاع الإعلام العالمى، وبروز الإعلام الجديد بكافة تطبيقاته. لا يخفى على أحد كيف كان يتم التعيين بهذا الجهاز، وكيف كان يتم اختيار وزيره، وما المعايير المطلوبة فى موظفيه، ومن يضع خريطته الإعلامية، وكم يتقاضى الموظفون ورؤساؤهم، وما دور أمن الدولة فى الإعلام، وما معايير اختيار الضيوف... لا نحتاج إلى البحث والتدقيق؛ فالجهاز ملىء بالفساد على مدى عقود، ولا أدل على ذلك من أحكام جرائم الفساد على من عينهم المخلوع من وزير ورئيس وكبار موظفين، ولم لا وقد أكلوا السحت، وتربوا على مال المصريين الفقراء، بعدما لوثوا عقولهم، وكذبوا عليهم وضللوهم، والعجيب أن يأتى فلولهم الآن بالتظاهر ضد المصلحين دعوة منهم لاستمرار مسيرة الفساد العقلى والمالى والإدارى، فلا يكفيهم ما نبتت به لحومهم من حرام، ولا يكفيهم ما أخذوا من أموال من خزانة الدولة لتزوير العقول، بل يطالبون برحيل المصلحين والشرعيين!! وما أتعجب له الآن أن حدود العمل فى هذه الوزارة له أطر قانونية لو تم الرجوع إليها لصلح جزء من الإعلام المصرى، ولشاهدنا ما يثلج قلوبنا؛ ذلك لأن من اختصاصات وزارة الإعلام أن تتولى فى إطار السياسة العامة للدولة اقتراح السياسة والخطة العامة للدولة فى كافة مجالات الإعلام الداخلية والخارجية. فالرئيس المنتخب كان قد أعلن عن مشروع المائة يوم، ووضع أولويات لخمس قضايا، وهى: الأمن، والعيش، والنظافة، والمرور، والطاقة، فكان للإعلام الحكومى دور كبير فى عرقلة هذه الملفات، والوقوف أمامها بقوة؛ للإفساد والعمل على فقد الثقة الجماهيرية فى قدرات الرئيس والشعب على السواء، وكأن المصريين يجب ألا يعيشوا كرماء أعزة على أرض بلادهم! وبدأ الإعلام الحكومى فى العد التنازلى لإخفاء كل عمل خيّر وعمل ناجح وحالات يحتذى بها. وهذه الأمور كان يجب أن يلتفت إليها قانونيا لمحاسبة الإعلاميين المفسدين مع من خرجوا وحوكموا من رؤسائهم، فمن يضع خطة الإعلام التى يجب أن يعمل بها كل القطاع الإعلامى؟ أعتقد أن الإعلام الحكومى المصرى إلى الآن لا توجد له خطة مرتبطة بخطة الرئيس للإصلاح، وإلا لم نكن نرى هذه التجاوزات القاتلة. أعتقد لو تم تحديد أهداف الثورة والمجتمع المصرى فى هذا الوقت الذى يتميز بكثرة أزماته لساعدنا الإعلاميين على تحديد الأطر التى يجب أن يعملوا جميعا من خلالها، فلا نتركهم مع أنفسهم لكى يؤكدوا على قيم المخلوع ويحاربوا الإسلاميين بكل ما أوتوا من قوة، فهم لا يعلنون أن المخلوع خلع، وأن الوزير سجن، وأن رئيسهم السابق نهب ثروات البلاد، بل يؤكدون على فوبيا الإسلام والإسلاميين وفوبيا الإخوان، ويحاربونهم حتى لو استضافوهم بشتى الحيل الفنية والإعلامية الصفراء. فكيف تكون من مهامهم الأساسية تحقيق أهداف التنمية طبقا للسياسة العامة للدولة، ونجد من يحارب الدولة والرئيس ويتجرأ عليه، فأين المحاسبة والمحاكمة داخل الجهاز؟ لقد نسوا كيف كانوا يتعاملون من خلال أطر ضيقة لا يستطيعون الخروج عنها وإلا.. الآن يتطاولون على الرئاسة ويقولون يريدون تكميم الأفواه!! هل يقوم الإعلام الحكومى الآن بتبصير الشعب بمكاسبه والدفاع عنها فى مواجهة التحديات، وتنمية المبادرات الفردية والحافز على العمل وإبراز القيم الروحية النابعة من الأديان، هذه أطر يمكن من خلالها محاسبة الإعلاميين الفاسدين، وهل قام الإعلام الحكومى بتزويد الرأى العام العالمى بالبيانات والمعلومات عن مصر ومواجهة الدعايات المضادة وتقديم المعاونة للصحفيين والكتاب والمراسلين، وتقديم الحقائق واتجاهات الدولة عن الوحدات والقضايا الداخلية والخارجية. العجيب أن ما يقوم به الإعلام المضلل هو دعم ونشر أفكار الثورة المضادة وتدعيمها سواء أمام الشاشة أو من خلفها. لو سلمنا بوجود إعلام مضاد للثورة ما زال يعمل بكل قوته من خلال مؤسسات الدولة الإعلامية، فيجب أن تختلف أطر التعامل معه كليا لوضع الإعلام ضمن منظومة الإصلاح الوطنى، والخروج من الأزمة التى كانوا هم جزءا كبيرا منها، وهو ما يمكن معالجته من خلال العديد من الأطر، منها تكوين كوادر إعلامية جديدة على أسس مهنية متطورة، ولا أقول تدريب الكوادر الضالة والمضلة لتكون عائقا جديدا للإعلام المصرى، ووضع سياسات جديدة نابعة من سياسات الدولة، قائمة على تحقيق مبادئ الثورة المصرية، وليس الثورة المضادة، وعدم العمل من خلال الرأى والرأى الآخر الذى تقوم به كوادر الفلول؛ لأنهم يمثلون الرأى المضلل للرسالة الإعلامية، وعند استضافتهم اثنين برأيين مختلفين فإنهم ينحازون بقوة لرأيهم المضاد للفكرة الإصلاحية الجديدة، ويركنون للماضى وأساليبه، والاعتماد الأساسى على المصادر المعتبرة للمعلومات من مسئولين وصناع القرار السياسى وقادة الرأى المحترمين، والتوازن الحقيقى للموضوعات طبقا لأهداف التنمية المعلنة، وتوفير جميع المعلومات بشفافية لهذا الجهاز للرأى العام من حيث عدد العاملين ورواتبهم وحوافزهم ومعايير اختيارهم وأهدافهم وطرق تعيينهم، ومراجعة التعيينات التى اعتمدت على المحسوبية والرشوة والتى تخالف القانون، وعزل جميع الكوادر الفاسدة التى تم تحليل ومراجعة عملها وتبين تورطها فى التضليل والكذب والتشهير، وتصفية جهاز الإعلام من كل عناصر الفساد الإدارى والمالى والتنفيذى والرقابى، والاهتمام بالعناصر الشابة الجديدة التى تحمل قيم الثورة الحقيقية من حرية وعدالة وكرامة إنسانية، وتأهيلها علميا وفنيا وإداريا وقانونيا، وفتح المجال لخريجى الكليات المتخصصة فى الإعلام والإنتاج الفنى المتطور، والتنسيق بين الخطط الإعلامية لوسائل الاتصال بما يحقق تكامل الرسالة الإعلامية فى كافة المجالات. والالتجاء للإنتاج الإعلامى المتطور، وعدم الركون للبرامج التليفزيونية الميتة التى تعتمد على وجود ضيف يتم التحاور معه للوصول فى النهاية لرؤية الإعلامى المضلل، فيزيد من فرصة التأكيد على فكرته، وكأن ساعات البث ملك له، أو أنه غير موظف يتقاضى راتبه من الدولة، وتنظيم المؤتمرات الصحفية الدولية والمحلية بهدف الإعلام عن سياسة الدولة الخارجية والقضايا الداخلية، والتواصل مع الوزراء والمحافظين، ووضع أحوال الدولة بشفافية لجميع المواطنين. ومن أهم البنود ما يتصل بتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بعدم مخالفة الإعلاميين النظام العام أو الآداب العامة، ثم يقوم الإعلام أيضا بعرض، بشكل دورى على الجمهور، مدى تنفيذ الإذاعة والتليفزيون الأنشطة الخاصة بها ومدى تحقيقها الأهداف المنصوص عليها. أعتقد لو أن المواطن المصرى شاهد وزير الإعلام يعرض وضع مؤسسته بكل شفافية؛ ساعتها سيدرك المواطن من الطيب ومن الخبيث، ومن مع الثورة ومن ضدها ومع الفساد والفلول. ساعتها سيرى الجمهور الوضع على حقيقته، فمن يرد مصلحة بلده فليتقدم بالمعاونة دون مقابل لأنه لا يريد إلا الإصلاح ما استطاع.