السؤال الذى يحتاج إلى إجابة من كل التيارات والقوى السياسية بعد طرح الدستور للاستفتاء: لماذا لا يتوحد الجميع على اختلاف توجهاتهم وتباين أفكارهم على إنجاز المرحلة الانتقالية والخروج بمصر سريعا من عنق الزجاجة الذى طال المكث والبقاء فيه؟. وأتصور أن تخطى مرحلة إنجاز الدستور تساعد كثيرا على الارتحال من هذه المنطقة والانتقال من الضبابية التى عشناها وتكبدنا فيها كثيرا من الخسائر وسط مساعٍ لإطالة أمد المرحلة وتوسيع مجالها. إننا بحاجة لأن تكون لدى كافة القوى والتيارات السياسية إرادة حقيقية للخروج من هذه المرحلة وتخطى عقباتها وتجاوز أزماتها مع إدراك كامل لطبيعة المخاطر التى يمكن أن يتعرض لها الوطن حال البقاء طويلا دون الانتقال العاجل إلى مرحلة الدولة المستقرة. والحديث عن الاستقرار لا يمكن أن يفهمه البعض على أنه مجرد رغبة فى الاستقرار على غير أسس سليمة أو قواعد راسخة وثابتة تصلح للبناء عليها والانطلاق الواثق منها، وإنما بحوار جاد يجمع كافة الأطراف ويقدم شيئا من التنازل لتنطلق سفينة الوطن. ولا شك أن لكل تيار حقه فى أن يطرح ما لديه من برامج وما عنده من رؤى على الناس، وأن يتفاعل مع الجماهير بما يراه من رأى سواء فيما له صلة بمشروع الدستور أو غيره من الأفكار، قبلوها أو رفضوها، استجابوا لها أو استجابوا لغيرها، إلا أن ما ينبغى تغليبه فى هذه المرحلة هو الاجتماع على الرغبة الصادقة فى إعادة هيكلة الدولة وبنائها وإنجاز مؤسساتها. أما أن تظل البلاد فى صراع واستقطاب يهدم فى طريقه مؤسسات الدولة القائمة ويرفض فى سبيل الانتصار لرايته استكمال بناء ما تم بناؤه أو عدم ترك فرصة لبناء ما تبقى من مؤسسات، فنحن جميعا بذلك نقف أمام خطر قريب يمكن أن يهلك فى طريقه الحرث والنسل. لا أتصور أن خروجا حقيقيا من المرحلة الانتقالية يمكن أن يتم فى ظل حالات من الاستقطاب الحاد ومحاولات تغليب المصالح السياسية والحزبية الضيقة على مصلحة الوطن والوصول إلى دولة المؤسسات. نحن بحاجة إلى ممارسة حق النقد دون أن نتجاوزه إلى العنف والبغضاء واللدد فى الخصومة ومحاولة هدم الوطن على ما فيه، وعرقلة مسيرة بناء مؤسسات الدولة لمجرد فوز تيار دون غيره، وهو ما لا يصلح أن يكون أرضية مناسبة نبنى عليها مستقبل بلد يحتاج من الجميع إلى كل جهد وإلى كل عطاء.