أعلنت رفضى لإجبار نقيب الصحفيين ممدوح الولى على الانسحاب من الجمعية التأسيسية بحجة أن هناك عدوانا على حرية الصحافة فى الدستور، وقناعتى أن الذين دفعوه لذلك انتصروا بالأساس لانحيازاتهم السياسية الناصرية واليسارية وليس للنقابة أو المهنة، وأنهم ربطوا موقف النقابة التى يشكلون أغلبية فى مجلسها بموقف تيارهم السياسى، وليس بموقف الهيئات الوطنية الأخرى المشاركة فى الجمعية التأسيسية، مثل الأزهر والجيش والشرطة والنقابات والهيئات القضائية التى رفضت الانسحاب من الجمعية، ودافع ممثلوها عن مصالح فئاتهم، وتمكنوا من تغيير الكثير من النصوص، وأرى أنه ينبغى على نقيب الصحفيين وغيره من الصحفيين الأعضاء فى الجمعية (وعددهم 5) أن يستبسلوا دفاعا عن حرية الصحافة لا أن يجبر النقيب على الانسحاب تساوقا مع مناكفات سياسية ليست النقابة طرفا فيها. يمكننا رصد مكاسب أولية فى مجال حرية الصحافة والإعلام لم تكن متاحة من قبل مثل حرية إصدار الصحف للأشخاص الاعتبارية والطبيعية، أى الأفراد العاديين، وأن يكون الإصدار بالإِخطار، وهو تقدم كبير لا يدركه إلا من مر بتجربة أو محاولة إصدار صحيفة من قبل حتى خلال العامين الماضيين، وقد ورد النص على ذلك فى المادة 46 من مسودة 11-11-2012 ونصها "حرية إصدار الصحف بجميع أنواعها وتملكها للأشخاص الطبيعين والاعتباريين مكفولة بمجرد الإخطار". أما المكسب الثانى فيتمثل فى حق الحصول على المعلومات ومساءلة مَن يرفض منحها، وهو أمر طالبت به كثيرا الجماعة الصحفية والإعلامية عبر العديد من الجمعيات العمومية والمؤتمرات العامة قبل الثورة وبعدها، وقدمته نصا مقترحا للجمعية التأسيسية، وتم تضمينه فى المسودة تحت رقم 44 ونصه "الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق وتداولها أيًّا كان مصدرها ومكانها حق مكفول للمواطنين، وتلتزم الدولة بتمكينهم من مباشرة هذا الحق دون معوقات وبالإفصاح عن المعلومات بما لا يتعارض مع الأمن القومى ولا يمس حرية الحياة الخاصة، وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها والحصول على المعلومات وإجراءات التظلم من رفض إعطائها، وما يترتب على هذا الرفض من عقوبة". ناهيك عن النص التقليدى الذى يضمن حرية الفكر والرأى وحق التعبير بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير المتضمن فى المادة 42 من المسودة. ومن المكاسب أيضا تشكيل مجلس وطنى مستقل للإعلام، يحل بديلا للمجلس الأعلى للصحافة، وسيكون المجلس الجديد مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله، والمحافظة على تعدديته وعدم تركزه أو احتكاره وحماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها ومراعاة قيم المجتمع(م 216). كما أن هناك مكسبا مهما طالما طالبت به الجماعة الصحفية والإعلامية، وهو إنهاء سيطرة مجلس الشورى على المؤسسات الصحفية القومية، وإنهاء دور وزارة الإعلام ليحل محلهما الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وهو نص بحاجة إلى بعض التعديل الذى سنقدمه للجمعية التأسيسية. لكننا مع الترحيب بهذه المكتسبات التى جاءت نتيجة نضال المخلصين من الصحفيين والإعلاميين الذين قدموا تضحيات وصلت إلى حد الاستشهاد فى ثورة 25 يناير (الشهيد الصحفى أحمد محمود) فإن لنا تحفظا على المسودة المطروحة، خصوصا فيما يتعلق بغياب النص على حظر وقف أو إلغاء الصحف بقرار إدارى، وهو ما يعد تراجعا غير مقبول؛ حيث تضمنت كل الدساتير المصرية السابقة نصا يحظر وقف الصحف أو إلغاءها بالطريق الإدارى بدءا من دستور 1923 المادة 15، ومشروع دستور 1954 المادة 26، ودستور 1956 المادة 45، ودستور 1964 المادة 36، ودستور 1971 فى المادتين 48 و208 وحتى الإعلان الدستورى بعد الثورة، ومن غير المقبول بعد كل هذا الميراث الدستورى الضامن لحظر الإغلاق الإدارى أن يخلو دستور الثورة من هذا النص تحت أى ذريعة. ما زالت هناك فرصة خلال الأيام المتبقية لإصلاح هذا النص وغيره من النصوص حتى لا يقال إن هناك تراجعا فى بعض الحقوق والحريات بعد ثورة 25 يناير التى كانت الحرية عنوانها الأبرز.