لا يزال التغيير للأفضل واحدًا من أهم المطالب المُلحَّة للمصريين جميعًا، وهذا شىء مُبشِّر وعظيم، ويدعو إلى التفاؤل والانشراح، خاصة أنه ممزوج بتحركات على الأرض توحى بأن هذا المطلب غادَر مرتبة الأمنيات إلى مرتبة الإرادة الصادقة، وبعض الأفعال الواعية من بعض القوى الشبابية والشعبية، وإن شابها بعض الأفعال غير محسوبة العواقب وغير المسئولة فى أحيان أخرى. ما أود قوله هاهنا إن التغيرات العظمى والتحولات الكبرى فى حياة الشعوب لا يصنعها فقط إيمان صادق وعزيمة راسخة، ولا جدٌّ واجتهاد فقط، وإنما يلزمها كذلك عنصر لا يمكن التحكم به، ولا التلاعب به، ولا الاحتيال عليه، ذلك هو عنصر الزمن، أى أن الزمن جزء من خطة التغيير. والتاريخ يقول كلمته فى هذا الشأن بوضوح شديد، فالناظر فى سير الأنبياء والمصلحين الكبار يجد أنهم كانوا أشد الناس إيمانًا ويقينًا بما يدعون الناس إليه، وأنهم جَدوا واجتهدوا وبذلوا جهودًا جبارة فى إقناع الناس بصحة ما يدعونهم إليه، مع أن الحق الذى معهم أشد جلاء من الشمس فى رابعة النهار، ومع ذلك فإنهم احتاجوا إلى أوقات طويلة حتى يروا ثمرة دعوتهم واجتهادهم، بل إن بعضهم لم يرها أصلاً، وإنما رآها خلفاؤه من بعده. والأمثلة فى هذا الشأن أكثر من أن تُحصى، ومع هذا يطيب لى أن أذكر هنا نبى الله يوسف (عليه السلام)، عندما فسَّر حُلم مَلِك مصر، الحلم الذى عجز عنه أساطين هذا العلم فى عصره، فنبى الله يوسف فى تفسيره لم يكتفِ بتأويل الحلم دون رؤية واعية ناضجة عبقرية للخروج من الكارثة التى يَحملها الحُلم فى ثناياه، فتفسير الحُلم وحده -دون رؤية نبى الله يوسف فى الحلِّ- بلا قيمة، وإنما اتَّضحت قيمة تفسير يوسف للحُلْم فى الخطة الزمنية التى وضَعها للخروج من الكارثة أو القحط القادم، وكانت البداية فى التغيير للأفضل: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47] يعنى فى البداية يكون العمل الجاد فى صبر وعزيمة لسبع سنين متواليات، مع ادِّخار ما يفيض عن الحاجة. هذا ويوسف يعيش فى بلد مستقر اقتصاديًّا وسياسيًّا، فما بالكم لو كان فى بلد جُرِّفت ثرواته على امتداد عشرات السنين؟ هل يعى هذا الذين يريدون أن تتحول مصر فى أشهر معدودات إلى ما يَصبُونَ إليه من آمال وطموحات كبارٍ؟ إن بعضهم لا يريد ذلك فقط، بل يريد أن يُوقِف دولاب العمل فى مجاله أو تخصصه -وأحيانًا فى مجالات أخرى- حتى تتحقق مطالبه أولاً، وكأنهم يقولون: ليذهب الجميع إلى الجحيم؛ فمطالبنا أهم من الجميع. أقول هذا وأنا أثق أنهم لا يقصدون ذلك، ولا يهدفون إلى الإساءة لوطنهم، ولا إلى أبناء وطنهم، ولكن هذا ما يحدث فعليًّا من بعض أحبابنا فى هذا الوطن.. نسأل الله لنا ولهم الخير والتوفيق ورشادة الرؤية. -------------------------- يوسف إسماعيل [email protected]