استمر تدافق مئات الآلاف من ضيوف الرحمن على المدينةالمنورة؛ لزيارة المسجد النبوى الشريف, والتشرف بالسلام على النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الكرام أبو بكر وعمر رضى الله عنهما، بعد أن من الله عليهم بأداء مناسك الحج. وفي وسط المسجد النبوي الشريف, تقع إحدى رياض الجنة في الأرض, التي قال عنها النبي- صلى الله عليه وسلم- "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". ذلك المكان الذي شهد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركوعه وسجوده وخطبه في الناس ومقابلته للوفود. وتشهد انطلاقة الموسم الثاني ازدحاما شديدا من ضيوف الرحمن الذين يتسابقون لأداء ركعتي السنة أو التحية؛ استشرافا لقدسية الزمان وطهر المكان الذي اكتسى أبهى حلله لاستقبال الحجاج القادمين من كل فج عميق. ويحرص ضيوف الرحمن على البقاء في الروضة لأوقات طويلة, خاصة القادمون من خارج المملكة، باعتبار أنها فرصة الصلاة في الروضة الشريفة لا تتاح لهم في كل وقت. وقد جاء في فضل الروضة الشريفة وبيان منزلتها في أحاديث كثيرة فسرها العلماء على ثلاثة أقوال, الأول: أنها كروضة من رياض الجنة في حصول السعادة ونزول الرحمة, وذلك بملازمة العبادة فيها، والثاني: أن العبادة فيها طريق موصل لدخول الجنة، أما الثالث: أن هذه البقعة بعينها هي جزء من الجنة وستنقل يوم القيامة إليها. وتقع الروضة الشريفة غربي الحجرة النبوية مباشرة, وتمتد إلى المنبر, وتبلغ مساحة الروضة نحو 330م2 وتبلغ أبعادها 22م من الشرق إلى الغرب, و 15م من الشمال إلى الجنوب, وتضم المحراب النبوي الذي يقع في الجزء الغربي منها, يفصله عن المنبر مسافة 7م تقريبا، ويحد الروضة من الجنوب سياج من النحاس يفصلها عن زيادتي عمر وعثمان, أما من الجهتين الشمالية والغربية فهي متصلة ببقية أجزاء المسجد، وتتميز الروضة عن باقي مساحة المسجد أعمدتها المكسوة بالرخام الأبيض الموشى بماء الذهب إلى ارتفاع مترين تقريبا. كما يحد الروضة الشريفة من الشرق حجرة أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها– ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد الذي فيه محراب النبي صلى الله عليه وسلم، وتضم الروضة على أطرافها معالم عدة, منها الحجرة الشريفة التي ضمت قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما– ومحرابه الذي وُضع في وسط جدارها القبلي ومنبره، وتتخللها عدد من الأعمدة المميزة عن سائر أساطين المسجد, بما كسيت به من الرخام. وفي الجهة القبلية من الروضة حاجز نحاسي جميل يفصل بين مقدمة المسجد والروضة, بارتفاع متر أقيم عليه مدخلان يكتنفان المحراب النبوي، وتنتشر في الروضة الأساطين الحجرية التي وضعت عليها خطوط مذهبة تميزها عن غيرها من أساطين المسجد, وتقوم المكبرية التي يرفع من عليها النداء في أوقات الصلوات وترديد التكبيرات في العيدين وسط الروضة، وللاستغلال الأمثل تم رفع بنائها بحيث يمكن استغلال المصلين قدرا من المساحة أسفلها. وكما هو معروف وبحسب تقرير صحيفة "الرياض", فإن الصلاة في المسجد النبوي الشريف (بألف صلاة) مضاعفة فيما سواه, إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، غير أنها في الروضة الشريفة لها معنى وفضل زائد على ذلك, وكثير من معالم الروضة الشريفة ارتبط بمناسبات في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وأطلق عليه اسم خاص يشير إلى تلك المناسبات، وبما أن أمكنة جلوسه صلى الله عليه وسلم عند هذه المعالم وغيرها من أماكن المسجد النبوي, كانت محلا لنزول الكثير من الآيات القرآنية, وورود الأحاديث النبوية وارتياد جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتظ المصلون والزوار في الروضة الشريفة على مختلف ثقافاتهم وتنوع أجناسهم, وعلى كامل مساحة الروضة ومدار الساعة ركعا سجدا, متضرعين خاشعين بالدعاء تالين لكتاب الله.