ليس تدافعًا على طوابير الغاز والخبز بقنا هو المشهد العام، لكنه تدافع أهالي قرى قنا على امتلاك قطع سلاح بأسعار تكفى لإطعام قرية كاملة, فامتلاك قطعة سلاح أيا كان نوعها أصبح ضرورة من ضروريات الحياة بالمنازل القناوية. فطبيعة الصعيد القاسية بمناطقه الجبلية الوعرة وزراعات القصب المحيطة بالبيوت، وانتشار عادة الثأر إضافة إلى الانفلات الأمنى عقب الثورة، كل هذه العوامل تحالفت فى إصرار أبناء قنا على امتلاك السلاح بمختلف أنواعه داخل منازلهم. وكان لقرى (الحجيرات و السمطا وحمرا دوم) تميز وتاريخ طويل لا ينقطع فى حمل وتجارة السلاح، جعلها أماكن يقصدها مريدو هذه التجارة، فهذه القرى لا يعرف أهلها معنى الأمن والطمأنينة داخل منازلهم، فطلقات الرصاص لا تهدأ طوال ساعات الليل والنهار. ولم يعد الأمر فى هذه القرى قاصرا على حمل السلاح للدفاع عن النفس فحسب، بل تطور ليصبح مصدرا مهما من مصادر الدخل لأبناء هذه القرى، كقرية السمطا والتى يبلغ عدد سكانها أكثر من 40 ألف نسمة وتضم بداخلها 14 نجعا أخطرها "نجع الجامع". حاولت "الحرية والعدالة" استقصاء مصادر الأسلحة ومجالات استخدامها ومحاولات الداخلية لجمعها. وعن انتشار السلاح بهذا الشكل يقول أشرف عبدالناصر، أحد أبناء قرية السمطا: إن الظروف التى نعيش فيها أجبرتنا على حمل السلاح والاحتفاظ به داخل المنازل كقطعة أساسية من المنزل، فزراعات القصب المخيفة والجبال القريبة وانتشار الحيوانات المفترسة بها والثأر الذى لا ينتهى من قريتنا كلها، أسباب اشتركت مع بعضها البعض لتجعل من حملنا للسلاح أمر حتمي. أما أحد تجار السلاح والذى رفض ذكر اسمه، فيحكى عن مصدر دخول السلاح إلى القرية فيقول، المصدر الأساسى للسلاح حاليا من أسلحة حلف الناتو القادم من ليبيا، ويأتى إلى هنا عبر طرق متعددة أشهرها حاليا قطار الغلابة "الدرجة الثالثة"، حيث لا يوجد تفتيش ولا رقابة على الراكب أو النازل، فتاجر السلاح يركب بشنطة مليئة بالسلاح من أى محطة نائية ويضع الشنطة فى مكان مجاور له وينزل بعد ذلك فى محطة نائية ويدخل القرية بأمان، ويقوم بعدها بتوزيع بضاعته فى خلال ساعات قليلة. أما الثانية فعن طريق البحر الأحمر وتحديدا عن طريق وادى يعرف باسم "وادى الجن" بالقرب من الكيلو 6 بقنا. وأيضا من السودان وإريتريا وعدد من البواخر الأمريكية، تتوقف في عرض البحر وتقوم بإنزال حمولتها من صناديق الأسلحة على لانشات صغيرة أو مراكب وبعد إنزال الحمولة عليها تتجه اللانشات إلى الشاطئ أمام درب الأربعين بالصحراء الشرقية، ثم يتم تحميلها على السيارات ويتم تخزينها في الصحراء الشرقية بمنطقتي حلايب وشلاتين. وبعد ذلك يستخدم التجار الكبار هواتف "الثريا" في الاتفاق على نقطة التقابل داخل البحر أو في الصحراء، فيستخدمون الهواتف المحمولة العادية، وتتم بعد ذلك عمليات التوزيع حسب طلب تجار كل محافظة، تبدأ رحلة وصول السلاح في الصعيد من أسوان داخل صحراء مركز إدفوالشرقية، ثم محافظة قنا التي بها خمس مناطق لإنزال السلاح تبدأ في صحراء حجارة بمركز "قوص"، ثم مركز "قفط" أعلى مصنع الفوسفات، إلى جانب نقاط إنزال للسلاح أخرى فى جبل القناوية وجبل الشيخ عيسى وآخرها وادي اللقيطة. ويشير أسعد عبدالعزيز (محامى) إلى أن الحكومة أعلنت عن مبادرة لجمع السلاح من يد الأهالى إلا أن هذه المبادرة وهمية و"غير صادقة"، فلا أدرى ماذا تنتظر الحكومة بعد انتشار السلاح بهذا الكم الفظيع. فهل ننتظر حتى تحدث حرب أهلية بين أبناء الشعب ووقتها لن تجدى أى محاولات لوقف سيل الدماء الذى قد يحدث جراء انتشار السلاح حتى بين الأطفال الصغار، حتى إن معظم موبايلات شباب القرية أصبحت تعج بصور الشباب وهم يحملون البنادق الآلية. ويضيف عبدالعزيز: "إن بعض الأفراح فى قريتنا أو فى قنا على وجه العموم تطلق فيها أعيرة نارية بأكثر من نصف مليون جنيه فى ساعات معدودة، لو تم التبرع بها لأى مشروع قومى لصلح حال الاقتصاد". أما الدكتور سيد عوض، رئيس قسم الاجتماع بجامعة جنوب الوادى، فقال: «إن أبناء هذه القرى تسيطر عليهم النزعة العصبية والقبلية والتنشئة الخاطئة، فكل عائلة ترى أنها أكبر من العائلة الأخرى؛ ولذلك تربى أبناء هذه القرى على مبدأ «آكلهم أو سيأكلوننى». أما العمدة غلاب عبيد، رئيس لجنة المصالحات الثأرية بقنا، فقال: "إن أحد الأسباب التى جعلت هذه القرى تصل إلى هذه الحالة هو التدخل الأمنى حيث أثبتت المعالجات الأمنية فشلها مع مرور الزمن، ليقوم رموز وكبار العائلات بدروهم الفعلى لاحتواء أى أزمات أو مشكلات"، مشيرا إلى أنه حيث يوجد الثأر يوجد السلاح والمخدرات. من جانبه، أكد اللواء صلاح مزيد، مساعد وزير الداخلية مدير أمن قنا- أن كافة ضباط المباحث وأفراد الشرطة داخل مدير أمن قنا لا يألون جهدا في التصدي للجريمة بكافة اشكالها؛ ولذا فقد وضعت المديرية خطة أمنية بإشراف وزير الداخلية تشمل شن حملات يومية علي بؤر الجريمة لضبط الخارجين على القانون وحائزي الأسلحة غير المرخصة. وما من يوم إلا ويتم ضبط عشرات الأسلحة بمختلف أنواعها. لكن أهالى قنا غالبيتهم اتفقوا على أن أسباب ذلك يرجع إلى نواحٍ اقتصادية واجتماعية أثرت بشكل فعلى حيث "تنتشر ثقافة الجهل والبطالة وترتفع نسبة الأمية إلى أكثر من 60%. وأضاف الأهالى «الشرطة فى عهد المخلوع مبارك، كانت أحد أسباب قيام الثورة لأنها كانت تحمى مبارك فقط وليس الشعب، وبعض الضباط يعرفون تجار المخدرات ولا يقبضون عليهم»، وطالبوا حكومة دكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بتوفير مصدر رزق لسكان هذه القرى وإقامة مشروعات تنموية واستصلاح أراضى الظهير الصحراوى بدلا من إعطائها لفلول الحزب الوطنى المنحل الذين استولوا على معظمها وجعلوا شبابنا غارقًا فى تجارة الموت.