أيها الإخوان المسلمون: 1 إن ما يحدث لكم من مضايقات وتآمر وكذب ليس بجديد ولا بغريب، والغريب ألا يكون، والحق تبارك وتعالى يؤكد لكم هذا فيقول: {لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ". ويحكى لنا القرآن كيف تسلط أصحاب المصالح ودعاة الشر والأفَّاكين وانطلقوا يكذبونكم والله يعلم أنكم صادقون، ويفترون عليكم والحق سبحانه وتعالى يعلم أنكم أضوء من نور الشمس والقمر لكنهم كما وصفهم الحق جلا وعلا "لا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إلًا ولا ذِمَّةً وأُوْلَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ}، فما أجمل الصبر! وما أعظم التوجه إلى الله عز وجل وطلب النصر منه! كما علمنا سبحانه وتعالى: {وقُلْ جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. أيها الإخوان: لقد عشتم ليالى وسنين عدة زادت على العشرين فى كل محنة فما وهنتم ولا ضعفتم بل زادكم الله إيمانًا على إيمانكم ويقينًا على يقينكم، وعشتم هذه المحن بمرها وضيقها ونكدها فزدتم حبًّا لدعوتكم وشوقًا إلى نصرة دينكم، وصدق الله العظيم حين قال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}. وكنتم كما قال الله عز وجل: {وكَأَيِّن مِّن نَّبِى قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ومَا ضَعُفُوا ومَا اسْتَكَانُوا واللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ومَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}.. بصبركم لحق صفكم بصفوف المتقين من قبلكم وبالتزامكم بهذا الحق ثبتكم الله عز وجل وأكرمكم ونصركم على أنفسكم وعلى غيركم. 2- ونقول إن التعويق المستمر للحركة الإسلامية لا يفيد أحدا، بل يضر بالأمة كلها، لأن الحركة الإسلامية، هى طليعة الأمة وروحها وكيانها، والتعبير الصادق عن وجدانها، وهى الامتداد الطبيعى فى الزمان والمكان لعقل الأمة وقلبها، وهى نبت يرعاه الله، وهى جزء من نسيج هذه الأمة، ومن يوم أن بدأت مسيرتها المباركة من سبعين عاما لم تخاصم أحدا، بل دافعت عن الجميع، فلماذا يخاصمها البعض؟ وما السبب فى هذا الخصام؟ ولماذا تلفق لها التهم وتصب عليها صبا؟ ولماذا تخوض بعض الأقلام الجاهلة، والموتورة والحاقدة، هذه الحملات عليها؟ بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. 3 –أبناء الحركة الإسلامية، هم حملة رسالة، وأمناء أمة، ودعاة حق، وعلامات بارزة على طريق الخير والنور والاستقامة، هم أقوياء وأغنياء بالله وحده، متوكلون عليه مكافحون فى سبيله، يحملون رسالة الحق، وهى سلام يملأ الدنيا عدلا، ويخلص البلاد والعباد، من العبودية لغير الله {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف. وهم يحرصون دائما على أن يؤمّنوا الطريق إلى مرضات الله، إلى الدرجات العلى، وهم جزء حىّ من نسيج هذه الأمة، بل هم الجزء الحيوى الذى يحمل همومها، ويتعب فى سبيل راحتها واستقرارها، ولذلك فهم فى تاريخهم الطويل يواجهون التحديات التى تواجه أمة الإسلام، ويحرصون على النهوض بها، وهم حركة تحرر وطنى، يقفون أمام أطماع الصهيونية، والاستعمار فى جميع أشكاله، ولقد تصدت فعلا الحركة الإسلامية مبكرا للصهيونية ونازلتها، وطاردت الاستعمار البريطانى فى مصر وقاتلته، ورفضت الاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى، وكشفت أبعاد الشيوعية والإلحاد، وخطر العلمانيين والدهريين على الأمة. 4 –والحركة الإسلامية فى تاريخها الطويل تؤمن بالحوار، وتعتقد أن الكلمة الطيبة الهادفة البناءة، إذا قصد بها وجه الله، فهى كالشجرة الطيبة ثابتة لا تزعزعها الرياح، ولا تقوى عليها معاول الباطل، وهى مثمرة لا ينقطع ثمرها، لأن بذورها نبتت فى القلوب، والفطرة السليمة تتجاوب معها، وتتحرك بها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ} سورة إبراهيم. كما يعتقدون بأن العمل الخبيث والكلمة الخبيثة، والتوجيه الفاسد كالشجرة الخبيثة، قد تهيج وتتعالى وتتشابك، لكنها تظل هشة بلا جذور بعد قليل تذهب وتختفى من فوق الأرض، ما لها من قرار ولا بقاء ولا استمرار، هكذا تعلمنا من الوحى {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [سورة إبراهيم]. وإذا كان الحق لا يموت فإن الباطل لا يعيش، إن الخير خير، وإن الشر شر، ومن هنا وجب على كل مسلم عامل لدينه، ألا يتعرض أبدا لنوبات اليأس بل هو فى أشد الحاجة إلى الثبات واليقين {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} فقد ييأس المشتغل بالسياسة، ويصاب بالقنوط ويستبطئ النصر، وقد ييأس العالم من الوصول إلى نتيجة من وراء أبحاثه، وقد يقعد جميع البشر الذين يحترفون مهنة أو حرفة معينة، وهم معرضون لليأس دائما وهم فى حاجة إلى التشجيع الدائم، وبعث روح الهمة فيهم، وحثهم على النجاح، أما الدعاة إلى الله، أما حملة القرآن الكريم، أما أتباع رسل الله، وورثة أنبيائه، فليسوا أبدا كغيرهم من البشر، إنهم منارات الهدى، إنهم القدوات على الدرب الطويل، إنهم الأمل الوحيد لغيرهم يعينونهم على الارتفاع على اليأس، والبعد عن القنوط والقعود، وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذه النماذج. وإن الآخرين الذين ينظرون إلى حملة الدعوة، وهى عزيزة عليهم، غالية عندهم، يضحون فى سبيلها، سيدرك هؤلاء قيمتها من صبر أهلها على البلاء، إنهم عندئذ سيقولون فى أنفسهم، لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة والإيمان خيرا مما يبتلون به وأكبر، ما قبلوا هذا البلاء، ولا صبروا عليه، وعندئذ يتحول هؤلاء للعقيدة باحثين عنها، مقدرين لها وعندها يجىء نصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. 5–لقد أعلنت الحركة الإسلامية الملتزمة بالإسلام قولا وعملا وتطبيقا، أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، وأن الغلو والتطرف والانحراف نزعات مرفوضة، وأمراض خطيرة، والشرع الحنيف يحرم هذه الاتجاهات مهما كانت الأسباب والمسوغات، وهى ليست من الإسلام فى شىء،إن وسطية هذه الأمة هى حقيقتها فى هذا الكون، وهى وظيفتها على هذه الأرض، وهى دورها الأساسى فى حياة الناس، أمة تقيم العدل والقسط وتضع الموازين والقيم. والوسط هنا بمعنى الحسن والفضل، والاعتدال والقصد، وهى وسط فى المكان والزمان، ووسط فى التصور والاعتقاد، فلا إفراط ولا تفريط، وشعاراها الحقيقة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، ولقد قال الحق تبارك وتعالى لنا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سورة البقرة]. 6–لقد خاطب الله المؤمنين ووجههم إلى تاريخ من سبقهم من الأجيال المؤمنة، وعرفهم بسنته فى الدعوات، وفى إعداد عباده، المختارين الذين يستحقون نصره ويصلحون لحمل رايته، وتبليغ دعوته، فقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة]. وهذا الخطاب عام لكل من يندب نفسه لهذا الدور العظيم، فإن طريق الدعوات ملىء بالآفات والعقبات، فلا بد من التحلى بالثبات والصبر، وإن السؤال من رسول الله والذين آمنوا معه، متى نصر الله؟ ليجسد مدى الشدائد التى نزلت بهذه القلوب المؤمنة، فهى محن فوق الوصف، تلقى بثقلها على هذه القمم الإيمانية الموصولة بالله، فتهرع إلى ربها تطرق أبوابه، وتلح فى الدعاء وتديم الطرق، حتى تتم كلمة الله، وهذا ما يجب علينا أن نقف عنده ونهتم به. يقول الصحابى الجليل: عتبة بن غزوان "…ولقد رأيتنى سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى تقرّحت أشداقنا، ولقد أخذت بردة فشققتها نصفين، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بن مالك بنفسها" الدين الخالص. وإن شدة البلاء والمحن، ثم الصبر الجميل عليها، يهب النفوس قوة ويطهر القلوب، ويجلوها، فترق وتصفوا وتضىء، ويربو فيها الإيمان ويرتفع أصحابها على كل قوى الأرض، وعلى كل شرورها، وفتنها، وهنا يحلق أصحاب الدعوات فى مجالهم الصالح الكريم، ويتخلصون من أسر الحرص، ومن الدعة والراحة، وهذا المستوى كسب للبشرية وارتقاء بالإنسانية، إن الوصول لهذه الدرجة كسب يرجح جميع الآلام وجميع صور البأساء والضراء التى يعانيها المؤمنون، وهذا هو الطريق إيمان وصبر، ومجاهدة ومرابطة، ويقين وثبات، وتوجيه إلى الله وحده، وتوكل عليه سبحانه، وضراعة ولجوء إليه، وتقوى وخشية له، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة آل عمران]. ولنعلم أن الصبر هو زاد الطريق فى هذه الدعوة، الصبر على شهوات النفس، ورغباتها، وأطماعها وضعفها ونقصها، وتسرعها وعجلتها، والصبر على استهتار الباطل وانتفاشه ووقاحته، والصبر على قلة الناصر، وضعف المعين، وطول الطريق، ووساوس الشيطان، الصبر على مفارقة الأهل والولد، ثم المصابرة وهى تعنى الاستمرار، فلا ينفذ هذا الزاد، بل يظل المؤمنون أصبر من أعدائهم وأقوى، ولا بد من المرابطة، فلا غفلة ولا نوم، إلى آخر لحظة فى الحياة، ويصاحب ذلك كله التقوى، فهى الحارس الأمين. ولقد جاءت الآثار الصحاح عن معنى المتقين: فعن ابن عباس {هدى للمتقين} قال: هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بى ويعملون بطاعتى. وقال الحسن البصرى: (اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدوا ما افترض عليهم)، وفى الحديث: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به، حذرا مما به بأس)، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأبى بن كعب: ما التقوى؟ فقال له: أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال بلى. قال: فما عملت. قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى. راجع الإمام ابن كثير ج1. (التقوى حساسية فى الضمير، وشفافية فى الشعور، وخشية مستمرة وحذر دائم، وتوق لأشواك الطريق، طريق الحياة، الذى تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمطامح، وأشواك المخاوف والهواجس، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا) فى ظلال القرآن. ينادى الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران]. فهل نلبى نداء الله، ونعتصم به، ونلجأ إليه وحده، ونصبر ونصابر ونرابط ونجاهد ونتقى الله؟