خلف الأبواب المغلقة طالب السفيه قائد الانقلاب السيسي، بحضور رؤساء جهاز المخابرات العامة والرقابة الإدارية، خادمه وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب "المخبر" محمد مختار جمعة، بتسليم دفاتر خزائن وأملاك الأوقاف للعسكر؛ بزعم تطوير تلك الممتلكات ومساهمتها في فناكيش العسكر القومية. لقاء السفيه السيسي وزير الأوقاف له دلالات واضحة قد تكشف عنها الأيام المقبلة، فتلك الهيئة التي تتربع على عرش ملاك الأراضي بين القطاعين العام والخاص، وتدير أصولا عقارية تصل قيمتها ل6 مليارات جنيه، بالإضافة إلى 160.6 ألف فدان زراعي بجميع المحافظات، بخلاف ممتلكات أخرى في الخارج من قصور وعقارات في دول مختلفة. ولكن السؤال هنا: هل تعود أموال وأراضي الوقف إلى الشعب لتوظيف إيراداتها على الوجه الصحيح، أم أن هذا بداية لتبديد تلك الأموال في أمعاء العسكر؟. جمع الفكة في هذا السياق؛ كشف مستشار وزير الأوقاف السابق، الشيخ سلامة عبد القوي، عن أن "مافيا أموال الأوقاف هم زمرة من اللواءات الحاليين والمتقاعدين سواء في الجيش أو الشرطة، ووزراء وبرلمانيين سابقين يسيطرون على أجود الأراضي في أماكن متميزة؛ خاصة في الدلتا والقاهرة".
وشدد، في تصريح صحفي، على أنه "لا السيسي ولا وزيره يملكان اتخاذ أي قرار بشأن مصير هذا المال، ودور الوزارة إشرافي فقط، حتى لو كان في اتجاه تنمية الاقتصاد القومي للبلاد، وكل ما يخرج من قرارات هي باطلة". وأضاف أن "السيسي الذي يجمع الفكة من المصريين ليس من المستغرب توجهه إلى تلك الأصول والأملاك، من خلال قوانين وفتاوى مدلسة للسيطرة على أراضي الأوقاف، وخير دليل على هذا اللجنة التي أمر بتشكيلها برئاسة إبراهيم محلب، لحصر واسترداد أموال الأوقاف". من جهته، قال وكيل وزارة الأوقاف الأسبق جمال عبد الستار: إن "أكبر هيئة تاجرت في أملاك الأوقاف وباعتها هي المؤسسة العسكرية، فهيئة الأوقاف هي أغنى هيئة في مصر، ومالها وقف لا يحق التصرف فيه". المتحدث باسم حزب الأصالة السلفي، حاتم أبو زيد، ذهب إلى القول إن "ما يتم هو حلقة من سلسلة حلقات الاستيلاء على أموال المسلمين والأمة؛ بهدف إفقارها ومنع المجتمع من تحقيق أي تقدم ومحاصرته على الأصعدة كافة". وتابع: "الاستيلاء عليها تم ضمن خطة السيطرة على المجتمع وتحطيمه، خاصة أنه بعد ثورة يناير كانت الدعوات بدأت تتصاعد برد أموال الأوقاف للمسلمين، كما ردت أوقاف المسيحيين لهم من قبل". تحذير واعتبر بعض علماء الأزهر وأساتذة العلوم السياسية، أنَّ الوقف حق للأعمال الخيرية وليس لمشروعات السفيه السيسي، وأنَّ قيام الأوقاف بالبيع والاستبدال هو إجراء باطل شرعًا ومخالفة صريحة لنصوص السنة النبوية، موضحين أنَّ عين الشيء الموقوف لا يجوز بيعه ولا هبته ولا توريثه، وأن منافعه تكون للموقوف عليهم. من جانبها، قالت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن الوقف هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بمنع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، أي أن هناك شخصًا يملك عينًا من الأعيان كعقارات أو أشياء منقولة كالخيول أو البقر أو الجاموس أو الأغنام، فإن هذا الشخص يملك الرقبة، أي العين، ثم يوقف ريع هذه الأشياء لجهة معينة كالفقراء أو طلبة العلم، خاصة العلم الشرعي، أو في سبيل الله، أو أي جهات خيرية. وأشارت إلى أن الوقف مباح ومشروع، لقول الله تعالي: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، والصدقة الجارية هي الوقف، أما غيره من الصدقات ليست جارية كما قال الرافعي وغيره من العلماء. وأضافت أن "عمر- رضي الله عنه- أصاب أرضا بخيبر، فقال يا رسول الله ما تأمرني فيها؟، فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر على أن لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث"، وهو أول وقف في الإسلام، وقال جابر- رضي الله عنه- "ما بقي أحد من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- له مقدرة إلا وقف وقفا".