في القرارات السابقة والمشابهة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، حينما كانت واشنطن تستخدم الفيتو لحماية إسرائيل، كان التصويت يأتي بأغلبية الدول الأعضاء ال172، ولا يعترض سوى 5 دول فقط، هي أمريكا وإسرائيل وربما كندا، إضافة إلى دول عبارة عن "جزر" في المحيط الهادي لا قيمة لها مثل "ميكرونيزيا". ولكن هذه المرة، ورغم أن القرارات الصادرة عن "الجمعية العامة" لا قيمة لها، وغير ملزمة، بخلاف قرارات "مجلس الأمن" الملزمة، فقد وصل عدد الرافضين والممتنعين إلى عدد كبير بلغ 44 دولة من أصل 172، ووافق على تحدي ترامب ورفض قراره بشأن "القدس عاصمة لإسرائيل" 128 دولة فقط. هذا التطور الجديد يكشف حجم العرب والمسلمين، ولا يعد تصويتًا لصالحنا بقدر ما هو لصالح المبادئ والقيم، بل إن دولا إسلامية مثل جمهورية البوسنة والهرسك التي بكى من أجلها مسلمو العالم، امتنعت عن التصويت لقرار القدس، بينما صوتت جمهورية الصرب لصالح القرار الذي قدمته تركيا واليمن!. صحيح أن القرار يشكل مكسبا للقضية الفلسطينية من عدة أوجه، ولكن مشكلته أنه غير ملزم لأحد، كما أن الأغلبية التقليدية التي كانت تساند القضية الفلسطينية فيه قد تآكلت. فأبرز مكاسب القرار تتمثل في: 1- أنه يمثل تحديًا عالميًّا للرئيس ترامب، بعدما هدد هو ومندوبته في الأممالمتحدة بعقاب الدول التي ستصوت ضد أمريكا، لهذا وصفته وسائل الإعلام الأمريكية مثل CBC، بأنه "توبيخ قوي" لترامب من دول العالم. 2- القرار صفعة لنتنياهو الذي حاول حث الدول الأخرى على اتباع نهج أمريكا، وتحدث عن نية دول عديدة نقل سفارتها للقدس، فجاء الرد من 9 دول فقط، 5 منها لا قيمة لها، ليظهر عدد الدول التي يمكن أن تنقل سفارتها. 3- القرار سيضطر الولاياتالمتحدة للتعامل معه عمليا، فبعدما قالت وزارة الخارجية إن قرار نقل السفارة لا يعني تحديد الحدود بين فلسطين وإسرائيل، وإن هذا الأمر خاضع لمفاوضات الوضع النهائي، سيكون هذا هو اللغة التي ستركز عليها واشنطن لاحقا؛ لبيان سبب تمريرها قرار نقل السفارة للقدس، واستخدامها الفيتو ضد القرار العربي الإسلامي. خسائر عربية وإسلامية أما الخسائر العربية والإسلامية من نتيجة القرار فمنها: 1- امتناع 35 دولة عن التصويت "فضيحة" للعرب والمسلمين، مثل: جنوب السودان، البوسنة، الأرجنتين، أستراليا، كندا، كرواتيا، التشيك، المكسيك، الفلبين، بولندا، رومانيا. 2-الضغوط والتهديدات الأمريكية بقطع المساعدات عن الدول التي تعارض أمريكا أثمرت؛ بدليل وقوف دول إسلامية مثل البوسنة بجانب أمريكا وامتناعها عن التصويت، وكذلك دولة يفترض أنها رصيد للعرب هي جنوب السودان التي تدعمها واشنطن وإسرائيل. 3-القرار لا قيمة له وغير ملزم، وهو ما حرصت مندوبة أمريكا على قوله وهي تسخر منه، وسيدفع واشنطن لتخفيض الدعم المالي المقدم للأمم المتحدة، مطالبة الدول العربية بزيادة حصتها. جنوب إفريقيا تقطع العلاقات المفاجأة في أزمة القدس كانت مبادرة دولة جنوب إفريقيا لقطع العلاقات مع الدولة الصهيونية، وتقليص سفارتها إلى "مكتب اتصال"؛ انتصارًا للقدس، بينما نجد دولا عربية مثل مصر والأردن وأبو ظبي تقيم علاقات مع تل أبيب وتفتح سفارات وقنصليات، ولم تفكر في استدعاء سفرائها أو طرد السفير الإسرائيلي أو حتى الاحتجاج. فقد تبنَّى حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الحاكم في جنوب إفريقيا، والمنعقد في سويتو، يوم الخميس، قرارًا رسميًا بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لجنوب إفريقيا لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي. وشدد الحزب- في قراره- على أنه اتخذ القرار "انسجامًا مع القيم والمبادئ التحررية للحزب، ونصرة لشعب فلسطين وقضيته العادلة". وندد الحزب بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة ل"إسرائيل"، واصفًا القرار ب"الخطوة الاستفزازية" من قبل الولاياتالمتحدة، داعيًا إدارة ترامب إلى التراجع الفوري عن قرارها. وجاء في القرار، أن المؤتمر الوطني الإفريقي "قد قرر بالإجماع توجيه حكومة جنوب إفريقيا إلى خفض مستوى السفارة في إسرائيل إلى مكتب اتصال فورًا، ودون شرط". وأهمية قرار الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، أنه دعم معنوي للقضية الفلسطينية في وقت تخلى عنها العرب والمسلمون ودول أخرى، كما أنه مفيد في عزل الاحتلال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين.