قال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: إن لدى السعودية الكثير من الأمور التي تقلق من أجلها بيد أن إعلان ترامب بشأن مدينة القدس ليس إحداها. وأضاف ساتلوف، متحدثًا عن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي: "لولا سؤالنا "بن سلمان" لما كان أتى على ذكر القدس"، وكان مفاجئًا لنا حديثه المفرط في الإيجابية عن "إسرائيل".. "كانت القيادة السعودية هادئة بشكل مفاجئ بشأن إعلان ترامب في القدس".
وأوضح ساتلوف، في مقال نشرته اليوم مجلة "فورين بوليسي" السياسية الأمريكية المعروفة: إن "لدى محمد بن سلمان الكثير ليقوله عن التخلص من الأفكار المترسخة في المجتمع السعودي، مثل الفصل بين الرجال والنساء، واحتواء إيران الآن أو محاربتها لاحقًا، وعن مئات الموضوعات الأخرى..".
مضيفًا: "لا يبدو أنَّ القدس كانت واحدة من بين هذه الموضوعات، ولولا أنَّنا سألناه بشكلٍ مباشر عن بيان ترامب، ربما ما كان النقاش سيُثار حول هذا الموضوع قط. فبالتأكيد لم يأتِ الأمير محمد إلى الاجتماع من أجل التنفيس عن أفكاره ومشاعره".
مبادرة الوفد
وأضاف ساتلوف، المعبر عن معهد بحثي أمريكي تأسس في 1985 من قبل لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصارًا ب"آيباك" ويقع مقره في العاصمة واشنطن وكان ساتلوف ضمن 50 باحثًا من المركز استمعوا لبن سلمان وقيادات أخرى بنظامه، "لكنَّنا أردنا مغادرة الرياض ونحن نمتلك فهماً واضحًا لرأيه في هذه المسألة، لذا سألناه، وللحفاظ على قدرٍ من السرية، لن أقتبس من حديثه بشكلٍ مباشر، لكن يمكنني قول هذا: قَصَرَ ابن سلمان حديثه على كلمةٍ واحدة هي خيبة الأمل من قرار الرئيس الأمريكي -حرفيًا- ثُمَّ انتقل سريعًا للحديث عن الموضوعات التي يمكن أن تعمل فيها الرياضوواشنطن معاً لاحتواء تداعيات القرار وإعادة الأمل لعملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية".
وتابع: "لم يقف عند هذا الحد. ففي يومٍ يُوصَف على نطاقٍ واسع بأنَّه أحلك يومٍ في تاريخ العلاقات الأميركية مع العالم العربي منذ عقود، طرح بن سلمان رؤيةً مختلفة للغاية بشأن العلاقات الأميركية السعودية وإمكانية بناء شراكةٍ إسرائيلية - سعودية".
وفي هذا الصدد، أكَّد بن سلمان مِراراً متانة الشراكة الأمنية بين البلدين، التي أشار بفخرٍ إلى أنَّها الأقدم في المنطقة، أقدم حتى من العلاقات الأمنية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل.
نظرة ل"إسرائيل"
وقال ساتلوف "أما بخصوص إسرائيل نفسها فقد أورد ملاحظة إيجابية على نحو غير معتاد. بخلاف ما سمعته من الزعماء السعوديين في زيارات سابقة لم يذكر بن سلمان أي شيء عن توسع وغطرسة وعدم عدالة إسرائيل وتعديها على حقوق المسلمين في القدس. بدلاً من ذلك تحدث عن العلاقات السعودية الإسرائيلية الواعدة حين يتم التوصل إلى السلام وأكد التزامه بتحقيق ذلك عملياً".
وأضاف ساتلوف "في الواقع يبدو خطابه جيداً جداً بحيث لا يمكن تصديقه. من وجهة نظري لا يبدو الأمر وكأن السعوديين أحرزوا تقدماً كبيراً في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق أو قلب المشهد في اليمن كما يدّعون".
وتساءل ساخرا "ماذا لو قال لنا محمد بن سلمان ما نريد أن نسمعه؟ بحيث اغتنم الفرصة لتوجيه رسالة من خلالنا إلى الزعماء الأميركيين وإلى أصدقاء الولاياتالمتحدة من الإسرائيليين بشأن الأثمان الباهظة للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكنه لم يفعل ذلك وهو ما يعدّ مسألة كبيرة".
تنبؤات خاطئة
وخلص ساتلوف إلى أن هؤلاء الذين تنبأوا بأن الرد العربي والإسلامي على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيكون بمثابة نهاية العالم من موجات التظاهرات المناهضة لأميركا إلى العنف الجماعي ضدّ المواطنين والمؤسسات والمصالح الأميركية إلى النهاية الحتمية للنفوذ الأميركي في المنطقة، يبدو أنهم كانوا على خطأ".
وأعاد ما كتبه في بداية مقاله معتبرا أن "ردّة فعل العرب الذين يعوّل عليهم أي حلفاء الولاياتالمتحدة كانت رصينة وناضجة وموزونة. والسعودية، مهد الإسلام، هي أحد الأمثلة على ذلك".
حيث اعتبر في مقدمة مقاله أن "السعودية المدافعة عن الإسلام وأرض الحرمين هي مكان جيد لقياس مدى تأثير اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل على مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة. بعيداً من ردة فعل التنظيمات الإرهابية كحماس وحزب الله والدول الراعية لهما ..المكان الذي من الطبيعي توقع سماع المسلمين فيه يعبرون عن غضبهم الشديد لتسليم القدس لليهود هو أروقة الحكم في العاصمة السعودية الرياض لكن ذلك لم يحدث.
مقال الفورين بوليسي
- معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني – بشراكة (آيباك)