من وعد بلفور إلى وعد ترامب، سلم الأول فلسطين إلى الحركة الصهيونية، وسلم الثاني القدس لنتنياهو، قرن من الزمان قامت خلاله إسرائيل، لكن الحق الفلسطيني لم يسقط أبدا، وفي المسار الطويل مشاريع سلام وتسويات اتخذت أسماء شتى لكنها لم تفلح أبدا في تمرير المؤامرة. في سلسلة تلك المشاريع يلاحق الإعلام العالمي مصطلحًا بات يتردد منذ مدة وهو "صفقة القرن"، مشروع غامض متكتم عليه وضعه الرئيس الأمريكي بين يدي صهره جيراد كوشنر، ينسج خيوطه فريق قادم من عالم المقاولات، حسب وسائل الإعلام الأمريكية، لكنه مع ذلك يحظى بمباركة بعض عواصم المنطقة. واستعرض برنامج "المرصد"، المذاع على قناة الجزيرة، ما رصده الإعلام العالمي عن الصفقة، وأضواء عملية الترويج لها علنا وفي الغرف المظلمة كذلك. الطريق من البيت الأبيض كثيرا ما مر من هنا، اختبارات المرشحين الحقيقية تجري عادة على منصة "هايباك"، اللوبي اليهودي الأقوى في الولاياتالمتحدة. وفي 21 من مارس 2016، توقع الكثيرون فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الاختبار، كان أداؤه مشحونا بالعواطف، ملتزما بوعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس للأبد، وفي 6 ديسمبر الحالي نفَّذ ترامب وعده، كان يحتفل بمئوية وعد بلفور على طريقته. ترامب القادم من عالم المال والصفقات، لم يكن في الواقع يوفي بوعد انتخابي بقدر ما كان منصاعًا لضغوط ممولين له في حملته الانتخابية، وبعد قرار ترامب بشأن القدس بساعات كان موقع "نيويورك تايمز" يحلل تأثير الملياردير اليهودي تشيلدون أديلسون، أحد كبار ممولي حملة ترامب الانتخابية، في قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. أديلسون الذي كون ثروته من عالم الكبار والكازينوهات، ليس من الصانعين للسياسيين في الولاياتالمتحدة فحسب، إنه بالاساس مهندس عن بعد للمشهد السياسي في إسرائيل، حيث يدين رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لهذ الرجل بكل شيء تقريبا، حتى يعود به إلى رئاسة الحكومة في الانتخابات الأخيرة، دعم أديلسون حليفه نتنياهو في كل اتجاه، بل إنه أسس صحيفة إسرائيل هيوم التي توزع مجانا لتقوم بالدعاية لنتنياهو. أديلسون كما نتنياهو ومعه مجموعات الضغط اليهودية المؤثرة عبر العالم، انتظروا طويلا رئيسا أمريكيا يوقع الاعتراف، غير أن الخطوة ليست إلا بداية لما هو أهم وأخطر، ما اصطلح على تسميته صفقة القرن، بعد قرن بالتمام على وعد بلفور. وكان الظهور الأول لكوشنر في قمة الرياض الشهيرة، والتي أطلقت عليها بعض التقارير الإعلامية قمة الصفقات الكبيرة، يضم فريق كوشنر عددا محدودا من الأعضاء، أبرزهم جيسون جرين بلات، وهو يهودي أرثوزوكسي عمل محاميا في مجال العقارات ومن أبرز المقربين للرئيس ترمب منذ أكثر من عقدين.