يسعى قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في كل مناسبة دينية يظهر فيها، لانتقاد كل ما هو إسلامي؛ بزعم الحرب على الإرهاب، كما نصَّب نفسه حاكما فقيهًا لتأسيس الدين الجديد الذي يسعى من خلاله للعمل ضمن الإطار الإسرائيلي، من خلال فرض التطبيع على المصريين والوطن العربي بأكمله، في الوقت الذي يسعى فيه لتكفير كل من يخالف أو يعترض على العلاقة الحميمية التي تربطه مع الكيان الصهيوني. ويتخذ نظام السيسي من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وعملياتها الإرهابية، طريقًا لبداية شق عصا الصف بين المسلمين من خلال "التكفير"، الذي يهدف نظام السيسي لإلصاقه ب"داعش"، ثم السير من خلاله على الدرب في تكفير كل من يعترض على نظام السيسي أو الارتماء في الدين الجديد الذي يؤسس له، مع التحالف الصهيوأمريكي في المنطقة، وهو الإعلان الذي تعلنه إسرائيل بشكل صريح ودون مواربة بين الحين والآخر. وبالرغم من إصرار الأزهر- حتى وقتنا الحالي- على عدم تكفير "داعش"، رغم العمليات الإرهابية والمذابح التي تتم تحت رايته، إلا أن هجوما شرسا في الآونة الأخيرة على فضائيات الانقلاب وجرائده بدأ ضد الأزهر وشيخه أحمد الطيب؛ بسبب رفضه إطلاق مصطلح التكفير ضد داعش، حيث تم اتهام الأزهر نفسه برعاية الإرهاب، وأن مناهجه هي المسئولة عن تربية الدواعش وخروج المتشددين، الأمر الذي نفاه الأزهر، موضحًا أن مصطلح التكفير إذا صدر ضد فئة معينة سيكون منهجًا عامًا للمسلمين في تكفير بعضهم بعضًا. قواعد التكفير عند الأزهر وترفض مؤسسة الأزهر الشريف تكفير تنظيم "داعش" الإرهابي، رغم الأعمال الإرهابية التي يرتكبها من آن لآخر، والتي كان آخرها حادث استهداف المصلين في مسجد الروضة، بمدينة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء، وراح ضحيته 320 شهيدا ومئات الجرحى. ويستند الأزهر بذلك على 3 ضوابط يمكن من خلالها الحكم على مسلم بالخروج عن الإسلام، حيث يقول الدكتور عبد الحليم محمد منصور، عميد كلية الشريعة والقانون بفرع جامعة الأزهر بتفهنا الأشراف بالدقهلية، في تصريحات صحفية، "إن الضوابط لتكفير أي مسلم، هي أن يقول قولًا مكفرًا، بأن ينكر ما عُلم من الدين بالضرورة، كإنكار ركن من أركان الإسلام، مثل الحج أو الزكاة أو الصلاة، إجحادًا بها وليس تكاسلًا أو استهتارًا". وأضاف منصور أن "يفعل فعلًا مكفرًا، كأن يعتقد بحل القتل مثلًا أو إراقة الدماء، أما الضابط الثالث فهو اعتقاد "مكفر"، بأن يعتقد بأن شيئًا حرمه الله ولا يتفق مع عقيدة الإسلام، بأنه مباح أو حلله الشرع". وأوضح أن قضية تكفير "داعش"، انقسم فيها الفقهاء لفريقين، فريق يمثل مؤسسة الأزهر الشريف، ويرى بعدم تكفير التنظيم الإرهابي، ووجهة نظره أن التكفير سيفتح بابًا واسعًا لا تحمد عواقبه، حيث قد يتسبب في أن تكون ذريعة لتكفير طوائف بالمجتمع وما يترتب على ذلك من ضرر، حيث دافع عن وجهة نظر مؤسسة الأزهر، معتبرًا أن الأزهر يريد تجاوز هذه النقطة، حتى لا تكون ذريعة لفتح باب التكفير في المجتمع. وتابع منصور أن فريقًا آخر من العلماء، يرى أن هذه الأفعال التي تصدر عن الدواعش، تؤدي إلى كفرهم؛ لأنهم يستحلون ما حرم الله، ويستبيحون الدماء، فهم يستبيحون الدماء والقتل، فهم يرون أن هذه الأشياء تؤدي بهم إلى الكفر، ويعولون على حديث النبي: "من حمل علينا السلاح فليس منا"، وحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". دعوات مدفوعة الأجر ومع رفض الأزهر لإطلاق التكفير بالشكل الذي حذر منه، بدأت تخرج أصوات مخالفة تسير في فلك النظام؛ لإلقاء حجر في المياه الراكدة، من حيث استغلال مصطلح التكفير في إلصاقه بأي مخالف للنظام، لشرعنة انتهاكاته وجرائمه الحقوقية، والدخول في مرحلة جديدة من القمع ونهب الحقوق، وسلب وتجريد الإنسان في مصر من جنسيته ووطنه وحقوقه. وبدأ أحد دعاة النظام ويدعى محمد سالم أبو عاصي، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر سابقًا، في الدخول بهذا المعترك، حاملا راية التكفير، حيث قال إن داعش تحلل دماء المسلمين و"المستحل للحرام كافر". وأضاف أبو عاصي، خلال مداخلة هاتفية عبر برنامج «كلام تاني»، المذاع على فضائية «دريم»، أنه عندما نقول أن داعش مسلمون، فذلك يساعد الشباب في التفكير فيما يقولونه. وأشار إلى أنه باتفاق علماء الشريعة والعقيدة بأن المستحل للدماء يكفر، مؤكدًا أن أبسط القواعد التي يعلمها كل من درس الشريعة أن استحلال المعاصي كفر، وهذا ما يفعله تنظيم داعش. ما هو الكفر والكُفْرُ نقيض الإيمان، حيث يقول الراغب الأصفهاني: (كفر فلان) إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك: إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد؛ ولذلك قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106]. والكُفْر شرعا: إنكار ما علم ضرورةً أنّه من دين سيدنا محمّدٍ -صلى الله عليه وسلم- كإنكار وجود الصّانع، ونبوّته -عليه الصّلاة والسّلام- وحرمة الزّنا ونحو ذلك. ومن أصول عقيدة المسلمين أنهم لا يكفرون أحدا من المسلمين بذنب، ولو كان من كبائر الذنوب- دون الشرك- قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48] فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحله؛ لأن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد، وشرح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه. قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ مِنْ أَصْلِ الإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلاَ تُكَفِّرْهُ بِذَنْبٍ، وَلاَ تُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلاَمِ بِعَمَلٍ ...». وقال النووي: «اعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يكفر أهل الأهواء والبدع (الخوارج، المعتزلة، الرافضة، وغيرهم)، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه، فيعرف ذلك، فإن استمرَّ حكم بكفره، وكذا حكم من استحلَّ الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة». وقال ابن تيمية: «ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة:285]، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم».(11) والوصف بالكفر دائر بين حكمين: أحدهما: التحريم، وذلك إذا كان من يوصف بالكفر مسلما باقيا على إسلامه، ولم يقم الدليل على كفره؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء:94] ولقوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ". وقوله: "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ". ثانيهما: الوجوب، إذا كان وصف الكفر صادرا ممن هو أهل له من المفتين والقضاة، وكان من وصف به مستحقًّا له ممن توافر فيه شروط الكفر سابقة الذكر.