أثار نفي الأزهر الشريف إصداره فتوي بتكفير تنظيم « داعش» الإرهابي جدلا فقهيا وإعلاميا واسعا، بسبب الرفض الشعبي للممارسات الإرهابية وعمليات الخطف والترويع وقتل الرهائن وسبي النساء والأفعال البربرية التي يرتكبها عناصر التنظيم في الكثير من الدول الإسلامية. وأكد علماء الأزهر أن الجرائم التي يرتكبها تنظيم “داعش” الإرهابي تتناقض مع قدسية الحياة التي أقرها القرآن الكريم والإسلام بعقيدته السمحة والسهلة والميسرة التي جاءت لإشاعة الرحمة والأمن والسلام في هذه الدنيا، ولانتزاع أسباب الظلم والقهر والإرهاب بكل صوره وألوانه. وقال علماء الأزهر أنه لا يجوز اختطاف مسلم أو غير مسلم واحتجازه لتلبية مطالب مشروعة أو غير مشروعة أو استخدام هؤلاء الرهائن كوسائل ضغط لتحقيق أهداف سياسية بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي وان ما يفعله التنظيم الإرهابي “داعش” بعيد كل البعد عن كل الأديان السماوية. ويقول الدكتور محيي الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أنَّ مذهب أهل السُّنَّة يؤكد أنَّ الإيمان القلبي أصلٌ والعمل فرع، وعدم وجود العمل لا يَنفِي أصل الإيمان، وهذا ما استند عليه الأزهر في عدم تكفير تنظيم «داعش»، وأن هناك خلطا في أذهان الناس بين الجماعات التكفيرية وشروط تكفير أيٍّ من الأفراد والتنظيمات. وأوضح أنَّ الجماعات التكفيرية تقوم بتكفير الآخَر أيًّا كان انتماؤه، خاصة المسلمين من المعارضين لهم، ولو فتح الأزهر الباب لتكفير تلك الجماعات الإرهابية المتشدِّدة فقد استباح الدماء وفتح بابًا من أبواب الفتن، وأضاف: إنَّ المجتمعات حاليًّا لديها جاهزية لهذه الحالة من الفتن. وأن َ كلَّ مَن يستحلُّ دماء المسلمين وأعراضهم مثلما تفعلُ “داعش” الإسلام منهم بَراء؛ فقد حكموا علي أنفسهم. والأزهر لا يُنصِّب من نفسه حَكَمًا علي آراء الناس، ويُؤمن بالتعدُّدية الدِّينيَّة والفكرية، وهناك خطة ممنهجة لضرب الأزهر والتراث الإسلامي، مُوضحًا أنَّ الأزهر يأخذ مكانَ الصدارة في الحراك والتطوير الفكري والدِّيني. وقال أنَّه يغيبُ عن المواطنين أنَّ قضية الكفر لا يملكها جماعة أو الأزهر أو تنظيم؛ فهي قضية شرعية لا يملكها أحدٌ إلا الله، وهذا ما قرَّره القرآن وما قرَّرته السنة النبويَّة، ولو كفَّر الأزهر “داعش” لفتح الباب لتكفير الكثير مثلما حدث من الخوارج حينما كفَّروا الإمام علي بن أبي طالب وكثيرٍ من المسلمين في ذلك الوقت. وأوضح أن التكفيريين يعتَبِرون أن العمل ركن من أركان الإيمان، ولذلك يكفرون بترك العمل ولا يكتفوا بمجرَّد الإيمان، مؤكدًا أنَّ الأزهر لا يعتبر أنصار داعش كفارًا طالما أنهم يقولون: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. وأشار إلي أنَّ التكفير لا يُقابَل بالتكفير أبدًا مثلما حدَث في الفهم الخاطئ للخوارج وتكفيرهم للمسلمين، مضيفًا: وهذا ما فعله الأزهر عندما رفض تكفير داعش. وأضاف: إنَّ الهدفَ الرئيسَ لعقد مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب هو إعلان بَراءة الإسلام من هذه الأفعال، وكل النصوص الشرعية والمسلمين من تلك الممارسات التي تُنسَب للإسلام من استحلال الدماء ومحاولة ضرب الاستقرار في البلاد العربية، مُشيرًا إلي أنَّ السبب في تشويه الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين لدي العقيدة الغربية هو تصوير أنَّ الإسلام هو مَن يدعو للقتل وسفك الدماء. من جانبه قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، أن الأفعال البربرية التي يقوم بها تنظيم “داعش” الإرهابي من ذبح للرهائن وسبي للناس وتهجير للآمنين لا يمت إلي الإسلام بصلة، وهي وحشية لم يعرفها تاريخ المسلمين من قبل، وتتناقض مع قدسية الحياة التي أقرها القرآن الكريم كمبدأ أساسي، حيث قال الله سبحانه وتعالي: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). وأضاف: إن الشريعة الإسلامية عدت القتل بغير قصاص أو حكم يقره القاضي من الكبائر التي تستوجب لعنة الله وعذابه في الآخرة، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: “أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء”، وذلك لحرمتها الشديدة، بل أقر النبي أن من أعان علي قتل مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة ومكتوب بين عينيه أيس من رحمة الله. وطالب الدكتور نجم علماء الدين بالتركيز في خطبهم ودروسهم علي تحريم الإسلام لمثل هذه الأعمال وإظهار الصورة الحقيقية للإسلام الذي هو دين الرحمة، مشددا علي ضرورة تحصين ساحتنا الإسلامية من خلال الخطاب العقلاني المعتدل والتحذير من التطرف والجهل الذي يمارس اليوم من قبل تلك التنظيمات الإرهابية. من جانبه يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أنه لا يجوز اختطاف مسلم أو غير مسلم واحتجازه لتلبية مطالب مشروعة أو غير مشروعة أو استخدام هؤلاء الرهائن كوسائل ضغط وذلك لقول الله تعالي:«وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا. وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي. ثُمَّ إِلَي رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»، ومقتضي الآية أن الإنسان إنما يؤاخذ علي فعله ولا يؤاخذ علي فعل غيره، فاحتجاز إنسان أو جماعة من الناس ينتمون لدولة ما للضغط علي دولتهم حتي ولو كانت هذه الدولة في حالة حرب، هو أمر لا يقره الإسلام كما أن تعريض حياة هؤلاء المحتجزين للخطر وترويعهم وتهديدهم بالقتل أمر محرم، ولهذا فقد نهي الله سبحانه وتعالي عن قتل النفس إلا بالحق، قال تعالي: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”. ومجرد احتجاز بعض الجماعات التي تنسب نفسها إلي الإسلام يدل دلالة دامغة علي أن هؤلاء لا فقه عندهم ولا يعرفون آلية التفقه في دين الله لأنهم لو كانوا متفقهين في دين الله لما احتجزوا هؤلاء الرهائن بدون جريرة أو ذنب ارتكبوه ولكان هؤلاء أسرع ابتعادا عن ارتكاب الجرائم في حق من أمنهم الحاكم علي أنفسهم ودمائهم وأموالهم لأنهم يدخلون في عقد الذمة فهم ذميون ولا يجوز نقض عقد الذمة معهم أو التعرض لهم بظلم لقول النبي صلي الله عليه وسلم: “من ظلم معاهدا أو ذميا لم يرح رائحة الجنة”. وأكد الدكتور إدريس، إن الرهينة إن لم يؤخذ في قتال فهو معتدي عليه بهذا الأخذ, وما تفعله هذه الجماعة المارقة عن الدين لا يعد جهادا من منظور الشرع, وإنما هو من قطع الطريق, وقتلهم الناس سواء كان المقتولون مسلمين أو غيرهم يوجب قتال القاتلين وصلبهم تنفيذا لحد الحرابة الوارد في القرآن, وواجب الأمة أن يكون لها موقف موحد, تتضافر فيه الجهود للقضاء علي هذه الفئة التي روعت الآمنين, ولم يعد أحدا من المسلمين أو غيرهم بمأمن من بطشها, بل إنهم وقد تفرقوا في كل بلاد الإسلام يجب القضاء عليهم, حتي أن القضاء عليهم صار فرض عين علي كل قادر من المسلمين. وفي سياق متصل قال الدكتور محمد إسماعيل البحيري، ، إن ما يجري من حين لآخر من عمليات لخطف الرهائن المدنيين علي اختلاف دياناتهم نوع من “البغي” المحرم في الإسلام، مؤكدا أن هؤلاء “خارجون بذلك علي الحدود الشرعية” ولا يعرفون آلية التفقه في دين الله، ولا يجوز احتجاز المدنيين، حتي ولو كانوا من الأعداء، كرهائن وتهديدهم بالقتل، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم وليسوا مسئولين عنه، ولا يمكنهم منعه. وتؤكد الدكتورة الهام شاهين، أستاذة العقيدة بجامعة الأزهر، أن اختطاف رعايا بعض الدول سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين واحتجازهم كرهائن علي أيدي بعض الجماعات المسلحة بهدف تحقيق أغراض معينة، عمل لا يقره الإسلام لا من قريب أو بعيد فضلا عن كونه أسلوبا بربريا. فالصور الشائنة لاختطاف الرهائن التي يراها الناس هنا وهناك ليست من الإسلام في شيء ولا يقرها الإسلام.